وقف رسول الله( صلي الله عليه وسلم) في حجة الوداع بمني فجاءه رجل فقال: لم أشعر حلقت قبل أن أذبح.. فقال: اذبح ولا حرج.. وجاءه آخر فقال: لم أشعر نحرت قبل أن أرمي( أي الجمرات).. فقال: أرم ولا حرج.. فما سئل الرسول عن شيء قدم ولا آخر يومها إلا قال:افعل ولا حرج. افعل ولا حرج شعار عظيم يعد مقصدا من مقاصد الشريعة.. وغاية من غاياتها العظمي ورمز لليسر والتيسير في الإسلام.. إنه رمز للرفق بالناس وعدم التشديد عليهم في عباداتهم وفتاواهم وأحوالهم. فهذا رسول الله أعظم الناس إيمانا لا يريد أن يشدد علي الناس في تقديم بعض المناسك أو تأخيرها.. ويهتف بهتاف التيسير علي رعيته افعل ولا حرج.. ولو اتخذ كل داعية وقائد ومفتي ومربي من هذا القول الجامع شعارا له ودثارا لصلح أمر المسلمين. يا أحبتي: اختاروا الأيسر لأنفسكم وأسركم وأبنائكم وجماعاتكم ودولكم وشعبكم وأمتكم..فما خير رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.. فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه تدبروا هذا الحديث العظيم الصحيح وتأملوا كلمة إلا اختار أيسرهما كان يمكن أن يختار أشدهما أو أحوطهما أو أشقهما.. ولكنه اختار أيسرهما شريطة ألا يكون فيه إثم أو مخالفة للشريعة. افعل ولا حرج في كل ما لم يأت به نص ومادامت فيه مصلحة لك أو لأسرتك أو أمتك أو دولتك. افعل ولا حرج مادام بعيدا عن الإثم والمنكر.. فالأصل في الأشياء الإباحة سوي العبادات لأن الأصل فيها الحظر. لو أدرك الحجاج معاني اليسر في الشريعة ما حدثت مشكلة واحدة في الحج.. فهذه الفريضة العظيمة تجمع كل الجنسيات والألوان والأعراق ويجتمع فيها في مكان واحد ضيق قرابة ستة ملايين مسلم منهم المرأة الطفل والقوي والضعيف والحليم والغضوب ومن يفهم في الإسلام ومن لا يعرف عنه شيئا. فكيف يعامل بعضهم بعضا إلا كما كان يناديهم الرسول( صلي الله عليه وسلم)السكينة السكينة.. وكيف لا يخاصم بعضهم بعضا إلا إذا تركوا الجدال خاصة في الشئون السياسية والانتماءات الأرضية الدنيوية والحزبية.. والتزموا قوله تعالي الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فالجدال السياسي قد يفسد الحج أكثر من إفساد الرفث أو الفسوق لأن الأخيرتين يحذرهما الجميع. كنت في الحج منذ عدة سنوات فرأيت وفدا من حجاج إحدي الدول الأفريقية وقفوا صفا يصلون خلف مقام إبراهيم مباشرة مما أدي إلي قطع جزء من طريق الطواف حول الكعبة.. وأدي ذلك إلي أن يدوس بعض الطائفين بغير قصد علي أحد المصلين أمام المقام.. فنشبت معركة كبيرة بالأيدي والنعال مع وصلات الشتائم.. مع أن أي مكان في الحرم كله خلف المقام يؤدي الغرض دون مشاكل. وتذكرت ساعتها ما حدث منذ أكثر من15 عاما حينما تزاحم الحجاج الذاهبون والعائدون من رمي الجمرات فوقع كثير من الحجاج تحت الأقدام ومات في هذه المأساة قرابة600 حاج.. وكل ذلك نتج عن تمسك بعض الفقهاء بفتوي قديمة تقول بعدم جواز رمي الجمرات ليلا وأنها ترمي بعد الزوال( أي الظهر) وحتي المغرب وهذا وقت قصير وخاصة في الشتاء ويتزاحم فيه ملايين الحجاج في وقت ومكان واحد فتضيق الصدور وتحدث الكوارث.. وساعتها فقط تذكر الجميع فقه الأزهر المتجدد والذي كان يبيح منذ فترة رمي الجمرات ليلا. إن فتوي الرمي ليلا قال بها كثير من السلف.. ولكن المشكلة كانت فينا نحن أننا نميل إلي التشديد أو الأخذ بالأشق والأحوط رغم مخالفة ذلك لهدي النبي العظيم( صلي الله غليه وسلم) الذي كان يهتف دائما يسروا ولا تعسروا