الحكومة في موقف لا تحسد عليه, فاسطوانة التزوير الدائرة لن تتوقف بغض النظر عن عدد الفائزين من مرشحي المعارضة في جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشعب من المفهوم إطلاق حجة التزوير لتبرير إخفاق هذا المرشح أو ذاك من مرشحي المعارضة, لكن أن تظل الاتهامات بالتزوير مشرعة حتي بعد نجاح أغلب مرشحي المعارضة في جولة الإعادة, فهذا ما يصعب فهمه. لدينا مشكلة ناتجة عن التمثيل الضعيف للمعارضة في مجلس الشعب أيا كانت أسباب ضعف التمثيل هذا. المشكلة تصبح أكبر كثيرا بسبب الطريقة التي يتعامل بها البعض مع نتائج الانتخابات. فجماعات المقاطعين والمنسحبين تبدو جاهزة لإطلاق حجة التزوير في كل حال, وصولا إلي درجة القول إن النجاح الذي حققه بعض مرشحي المعارضة في جولة الإعادة لم يكن له أن يتحقق لولا التزوير الحكومي لصالحهم بغرض إضافة مسحة ديمقراطية إلي مجلس الشعب. لا شيء هناك أخطر من هذه الحجة, ليس لما تنطوي عليه من طعن في الحكومة والحزب الوطني والهيئات المشرفة علي إجراء الانتخابات, فهذه هيئات قوية يمكنها الدفاع عن نفسها وتلافي الضرر, ولكن لأنها تطعن في مرشحي أحزاب المعارضة أنفسهم, وتنقل الصراع السياسي من ساحة التنافس بين الأحزاب, وهذا عادي, إلي الساحات الداخلية لأحزاب المعارضة الضعيفة والمنقسمة علي نفسها بالفعل. القائلون بالتدخل الحكومي لصالح المعارضة في جولة الإعادة يتجاهلون الأثر المدمر لحجتهم علي كل المنطق الذي سبق لهم وتبنوه. الادعاء أن المعارضة لا يمكن لها أن تنجح إلا بدعم الحزب الوطني والدولة يعزز حجة الحزب الوطني القائلة إن إخفاق الأحزاب في هذه الانتخابات إنما يرجع إلي ضعف هذه الأحزاب ونقص استعدادها دون حاجة لتدخل السلطات أو الحزب الوطني ضدها. الترويج لفكرة التزوير لصالح المعارضة يجعل أحزاب المعارضة تبدو كما لو كان غضبها من نتيجة الانتخابات لا يرجع إلي التدخل الذي حدث في الجولة الأولي, وإنما لأن التدخل لم يحدث لصالح أحزاب المعارضة. المبالغة في الترويج لحجة التزوير تضر المعارضة أكثر مما تفيدها. أحزابنا السياسية ضعيفة لأن الناس مازالت منصرفة عن السياسة, والمبالغة في حديث التزوير تصرفهم عنها بدرجة أكبر. أحزابنا ضعيفة بسبب انقساماتها وصراعاتها, ولا يجوز أن تكون الانتخابات سببا إضافيا لانقسام الأحزاب والصراعات بين أعضائها. ما حدث في الانتخابات قد حدث وعلي أحزابنا التفكير في المستقبل فهذا هو ما ينتظره منها المجتمع.