أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه ما لم يحدث تطور في الموقف يبدأ بتجميد البناء في المستوطنات اليهودية, والمفاوضات المباشرة فأنه سوف يبحث مسألة حل السلطة الوطنية الفلسطينية. ومنطقه في ذلك أن السلطة لا سيادة لها خارج مقر المقاطعة, وأنها باتت أقرب إلي أداة بيد الاحتلال, تجمل صورته و'تشرعنه ' أي تجعله شرعيا, في الوقت الذي تستمر فيه عمليات التهام الأرض وبناء المستوطنات. ويأتي تصريح الرئيس الفلسطيني باحتمال حل السلطة الوطنية ضمن سلسلة الخيارات أو البدائل التي قال أن السلطة تحتفظ بها وتتشاور بصددها مع الدول العربية والجامعة العربية وتحديدا لجنة متابعة مبادرة السلام. ويأتي طرح خيار حل السلطة باعتباره' الملاذ الأخير' بيد حركة فتح ومنظمة التحرير, فهو خيار أقرب إلي سيناريو' هدم المعبد' فمجمل الخيارات التي تفكر فيها المنظمة ويعبر عنها الرئيس عباس من حين إلي آخر, هي بدائل للمفاوضات, بمعني أن استئناف المفاوضات بشكل جدي, سيوقف بحث هذه الخيارات, وضمن هذه الخيارات يأتي خيار حل السلطة في نهاية القائمة لأنه خيار' ثوري' إذا كان هناك مكان لمثل هذه المصطلحات, فهذا الخيار يعني العودة إلي أجواء ما قبل اتفاق أوسلو1993, والقاهرة1994, وفتح الطريق أمام الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من أجل ممارسة كافة أشكال المقاومة من جديد, ومعها احتمالات بروز أشكال أكثر ثورية وراديكالية في التعامل مع إسرائيل. السؤال هنا هل يمكن أن تقدم منظمة التحرير علي خيار حل السلطة ؟ حل السلطة الوطنية الفلسطينية يعني إعادة الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة في يونيو1967 إلي نقطة الصفر, ويعيد طرح القضية كقضية أراض محتلة بقوة السلاح بالمخالفة للقانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية ونصوص ميثاق الأممالمتحدة التي لا تجيز احتلال أراضي الغير عن طريق القوة. بل أن حل السلطة يمكن أن يعود بنا إلي ما هو سابق علي حرب يونيو1967, إلي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم181 لعام1947, والذي نص علي إقامة دولة عربية فلسطينية علي46% من أرض فلسطين, وهي المساحة التي احتلت إسرائيل نصفها بعد حرب.1948 واحتلت النصف الآخر في حرب يونيو1967, حيث احتلت إسرائيل ما تبقي من أراض لدي الفلسطينيين هي الضفة الغربية وقطاع غزة ويشكلان معا ما لا يزيد علي22% من مساحة فلسطين. وبهذا الخصوص صدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي منها242 بعد حرب يونيو1967, و338 بعد حرب أكتوبر1973 تنص بشكل واضح علي ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة في يونيو.1967 وصدرت بعد ذلك عشرات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب إسرائيل باحترام التزاماتها كدولة قائمة بالاحتلال, وتطالبها بوقف كل الإجراءات الهادفة إلي تغيير الأوضاع الجغرافية والسكانية في الأراضي المحتلة, بل وصدر حكم محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل بهدم الجدار الذي تبنيه في الضفة الغربية لأنه يمر في أراض محتلة, مع تعويض السكان عما سببه جدار الفصل من أضرار. أيضا تتمتع منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتمدتها الجامعة العربية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني, بعضوية جامعة الدول العربية, ومنظمة المؤتمر الإسلامي, وبصفة المراقب في أجهزة الأممالمتحدة وعدد كبير من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة الوحدة الإفريقية- الاتحاد الإفريقي- أيضا سبق لياسر عرفات أن أعلن عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في15 نوفمبر1988, وقد بادرت دول عديدة إلي الاعتراف بالدولة الجديدة, إلا أن العملية لم تتواصل علي نحو متكامل, وتم تجاوزها بعد الدخول في مؤتمر مدريد وبدء مفاوضات التسوية السياسية, ثم توقيع اتفاق أوسلو في13 سبتمبر.1993 وبدا واضحا من مسيرة المفاوضات التي جرت منذ توقيع اتفاق أوسلو حتي جهود استئناف المفاوضات المباشرة مع حكومة نتانياهو وجهود إدارة أوباما, أن هناك مشكلة حقيقية تتعلق ببنية المفاوضات الجارية, وأنها لو استمرت لعشرات السنين فلن تحقق للشعب الفلسطيني ما يصبو إليه من استعادة أراضيه التي احتلت في عدوان يونيو1967, والتي تمثل أقل من نصف المساحة التي خصصها قرار التقسيم لهذه الدولة. وما ينبغي التوقف أمامه وتأمله أنه في الوقت الذي تدور فيه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في حلقة مفرغة, ولا يتوقع أن تحقق أي إنجاز حقيقي إذا ما تواصلت بهذه الوتيرة, حرص الرئيس الفلسطيني محمود عباس علي التشديد علي أن خياره هو التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية, وإذا لم يتوصل إلي اتفاق تسوية بنهاية, فسوف يعود إلي جامعة الدول العربية للتشاور في الخطوة التالية. المؤكد أن للفلسطينيين خيارات أخري غير التفاوض, وأن تجربة كوسوفو الإقليم الصربي الذي أعلن استقلاله واعترفت به واشنطن وعدد كبير من دول العالم يمكن أن تمثل خيارا من هذه الخيارات فتعلن الدولة الفلسطينية المستقلة وتتوالي الاعترافات من الدول العربية والإسلامية, دول العالم الثالث والشعوب المتعاطفة مع القضية الفلسطينية, ويمكن للدولة الوليدة أن تحصل علي تأييد واعتراف أكثر من مائة دولة, ومن ثم تبدأ عملية الانضمام إلي الأممالمتحدة, عندها ستشعر واشنطن بحرج شديد وتتهاوي حجج الحكومات الصديقة لها في المنطقة, إذا ستبدو واشنطن في تناقض صارخ ما بين دعم وتأييد انفصال إقليم كوسوفو والمسارعة بالاعتراف به رغم عدم وجود أساس في القانون الدولي أو قرارات الشرعية الدولية, في حين ترفض قبول استقلال دولة منصوص علي قيامها في قرار صادر عن الأممالمتحدة منذ عام1947, ولحقت به قرارات أخري عديدة. المؤكد أن مزايا إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة عديدة, وسوف تخلص السلطة الوطنية من مراوغات ومناورات إسرائيلية لن تتوقف, وستعيد تصحيح المسار والمسيرة حيث سيجري التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي علي أنه احتلال أجنبي لدولة مستقلة, ووفق بنود ميثاق الأممالمتحدة تصبح عملية إنهاء الاحتلال مسئولية جماعية. المهم أن يجري بحث هذه الفكرة بشكل تفصيلي وجدي, ويجري الاستعداد لها, فأغلب الظن أنها ستكون البديل الأكثر نجاعة وعملية من خيار حل السلطة, فالأخير مقدمة لسيناريو فوضي شاملة لا اعتقد أن المنطقة يمكن أن تحتمله, كما أنه لا يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي ولا يحقق أي مصلحة للشعب الفلسطيني الذي بات علي مشارف استكمال بناء مؤسسات الدولة من خلال الخطة التي ينفذها رئيس الوزراء سلام فياض بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي والدول المانحة في الضفة الغربية, والتي يمكن تطبيقها في مراحل تالية في قطاع غزة, إعلان الدولة أفضل من حل السلطة, ولنا في قرار البرازيل السبت الماضي4 ديسمبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود ما قبل الخامس من يونيو1967 اسوة حسنة.