تتحرك مصر بخطوات حثيثة باتجاه تشكيل أول حلف عربي لمواجهة الإرهاب, علي ضوء المخاطر التي يمثلها تنظيم ما يسمي دولة الخلافة الإسلامية في بلاد الشام والعراق, المعروف إعلاميا باسم داعش, وما نفذه هذا التنظيم من مذابح في سوريا والعراق, وإطلاقه سلسلة من التهديدات طالت دولا عدة في المنطقة, وهو ما بات يفرض تحركا عربيا سريعا, لمواجهة واحد من أكبر المخاطر التي تتعرض لها المنطقة, علي امتداد تاريخها الحديث. وتعكس الزيارة الأخيرة التي قام بها مطلع الأسبوع الماضي, الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي المملكة العربية السعودية, ومن بعدها زيارته إلي موسكو, جانبا مهما من هذا الاتجاه الذي أعلن عنه الرئيس في لقاء جمعه وعدد من الإعلاميين قبل نحو أسبوع, حيث تصدر ملف مكافحة الإرهاب الاتصالات التي أجراها مع نظرائه من القادة والزعماء العرب, علي مدار الأسابيع الأخيرة, خاصة بعدما طالت عمليات داعش الحدود الغربية في مصر, بمذبحة الفرافرة التي سقط فيها23 جنديا من قوات حرس الحدود بالقرب من الحدود الليبية التشادية, وهو ما بات يؤشر لاشتعال الجبهة الغربية في مصر, بعد أن ظلت لعقود طويلة هي الأهدأ, مقارنة بما يجري علي الحدود الشرقية مع فلسطينالمحتلة. لم تتوقف التحركات المصرية في ملف مواجهة الإرهاب في المنطقة, عند حدود الزيارة التي قام بها الرئيس إلي السعودية علي أهميتها, وإنما امتدت لتشمل زيارته مرتبة إلي موسكو, هي الأولي من نوعها بعد وصوله إلي المقعد الرئاسي, والثانية خلال عام, إذ سبقتها زيارة في فبراير الماضي, قام بها السيسي عندما كان وزيرا للدفاع, وهي الزيارة التي اعتبرها كثير من المراقبين الأهم, بين زيارات عدة قام بها مسئولون عسكريون مصريون منذ حرب أكتوبر عام1973. ينظر كثيرون إلي عودة الدفء في العلاقات بين القاهرةوموسكو, باعتبارها بداية حقيقية للتعاون المشترك بين البلدين, بعد سبعة عقود من الزمان, شهدت تعاونا كبيرا بين مصر وروسيا في مجالات متعددة, بدءا من التسليح والطاقة, وليس انتهاء بتنسيق المواقف السياسة ودعم الاقتصاد, وهو ما عبر عنه الرئيس السيسي مؤخرا, عندما قال صراحة إن الخبرة الروسية سيكون لها دور كبير في تنفيذ العديد من المشروعات القومية, مشيرا إلي الدور الذي لعبته روسيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, في تشييد العديد من المصانع الكبري في مصر, وفي مقدمتها مصانع الحديد والصلب في حلوان, ومجمع الألومنيوم في نجع حمادي. تبدو زيارة الرئيس السيسي إلي المملكة العربية السعودية في نظر كثيرين أشبه ما تكون باستعراض القوة, وهو استعراض لا يخفي تنسيقا واضحا في واحد من أبرز الملفات التي تهم المنطقة الآن, وهو ملف مواجهة الإرهاب, الذي يتجلي فيما يمثله تنظيم داعش من مخاطر علي الأمن القومي العربي, كما أنه استعراض قوة لا يخفي أيضا سعي الجمهورية الجديدة في مصر باتجاه ما يمكن وصفه ب الشركاء الجدد, ليس فحسب في المنطقةالعربية, وإنما علي المستوي الدولي, وهو ما تجلي في زيارته التالية إلي موسكو, وقد تصدر ملف الإرهاب أيضا, مباحثات الرئيسين السيسي وبوتين, في ضوء ما يمثله هذا الملف من أهمية للجانب الروسي, الذي كانت معاناته من تطرف قوي الإسلام السياسي, أحد الأسباب التي دفعته للإعلان عن دعمه لثورة30 يونيو والإطاحة بنظام الإخوان, في ضوء تحالفه المعلن مع تلك القوي في العديد من بقاع العالم. منذ سبعينيات القرن الماضي, ظل غياب الإرادة السياسية لتعميق العلاقات بين القاهرةوموسكو, أحد أبرز المعوقات التي وقفت حائلا دون تطوير العلاقات بين البلدين, وبحسب خبراء في شئون العلاقات بين مصر وروسيا, فقد كان الجانب الروسي يري في أي خطوة تقارب مصرية مجرد مناورة من القاهرة, لتعزيز المركز التفاوضي للقاهرة مع واشنطن, وليس تعبيرا عن رغبة صادقة أو حقيقية في تطوير العلاقات, وما عزز هذا الاعتقاد لدي الجانب الروسي قيام الجانب المصري أكثر من مرة باستخدام الروس كأوراق ضغط فقط مع الأمريكان, لذلك, لم يعول الروس كثيرا علي أي مبادرة من الجانب المصري لتعميق العلاقات, مثل توقيع اتفاق شراكة استراتيجية أثناء زيارة الرئيس الروسي السابق ميد فيديف, للقاهرة في يونيو2009, الذي نص علي عقد لجنة رباعية من وزراء دفاع وخارجية البلدين, لإدراكهم حدود التوجه المصري ودوافعه, وعدم توافر الإرادة السياسية الحقيقية لدفع العلاقات بين الطرفين بالشكل المأمول. المؤكد أن زيارة الرئيس السيسي إلي موسكو, سوف تلعب دورا كبيرا في تغيير تلك الصورة الذهنية التي صدرتها مصر طوال فترة حكم مبارك والسادات من قبله, خاصة أن مصر أعلنت في غير مناسبة علي لسان وزير خارجيتها, أنها في طريق الدفء مع الجانب الروسي, لا تسعي لاستبدال حليف بآخر, أو علاقة تبعية لطرف بطرف آخر, وإنما تستهدف بناء علاقات قائمة علي المصالح المشتركة مع جميع بلدان العالم. سافر الرئيس السيسي إلي موسكو, وهو يرفع هذا الشعار, فلا القاهرة تريد استبدال محور بآخر, ولا موسكو بدورها تسعي لأن تشغل موقع الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة, علي نحو ما كان يجري أيام الحرب الباردة, وجميعها رسائل تقول بوضوح إن العرب باتوا أمام فرصة تاريخية ربما لن يتكرر مرة أخري, وأن المطلوب منهم فقط هو التحرك بالجدية والسرعة المطلوبة لبناء حلفهم الجديد في مواجهة قوي الإرهاب والظلام التي تحيط بهم من كل جانب, واعتبار معركتهم مع تلك القوي هي المعركة الفاصلة علي طريق استعادة استقلال القرار السياسي كاملا, بعيدا عن هيمنة أي قوي خارجية.