حين يشعر أحدنا بصداع أو آلام في البطن أو وجع في المفاصل أو ما شابه, ماذا يفعل؟ هناك من يلجأ إلي المسكنات المعروفة والمتداولة مثلها مثل حلوي الأطفال وهناك من يتوجه إلي الصيدلي ليشرح له الأعراض التي يشعر بها علي أن يعطيه الصيدلي الذي هو ليس بالضرورة خريج كلية صيدلة الدواء المناسب. ومنا من يلجأ لمهاتفة ابن خالته الذي كان قد شعر بصداع مشابه, أو زوج إبنة عمته الذي داهمة ألم مقارب في البطن, أو خال الوالدة الذي كان عرضة دائمة لآلام المفاصل. وفي هذه الحالة يتم التعامل مع أقاربنا وأصدقائنا من المرضي الذين سبقونا في آلام مشابهة باعتبارهم مرجعيات موثوقا بها أو خبراء معمولا بآرائهم, فينصحوننا بأخذ الدواء الفلاني أو غلي مقدار من نبات كذا مع ملعقة عسل وبالهناء والشفاء. وأعرف سيدة كانت تقترض روشتة جيرانها ممن مروا بأوجاع مماثلة لصرفها من الصيدلية. كارثة بكل المقاييس! والكارثة الأكبر هي إمكانية صرف أي دواء من أي صيدلية دون الحاجة إلي إظهار روشتة. بل ويمكن صرف أي كمية, وحتي في الحالات النادرة التي يمتنع فيها الصيدلي عن صرف كمية كبيرة, فإنه في الإمكان وعن طريق نبات الكوسة العبقري الحصول علي أي دواء بأية كمية في أي وقت, الأدهي من ذلك, والعهدة علي منظمة الصحة العالمية هو أن50 في المائة من استخدام سكان العالم للأدوية استخدام غير رشيد! أو بمعني آخر أن نصف كمية الأدوية التي تباع في العالم تباع وبالتالي تشتري دون داع.. وبمعني ثالث يشرحه ويبسطه الدكتور عبد العزيز الصالح نائب المدير الإقليمي لمكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية( إمرو) السابق بقوله أن العالم ينفق750 مليار دولار سنويا علي الدواء, ونصف هذا الإنفاق مهدر, أي إنفاق غير رشيد. لكن ما يعنينا في هذه الأرقام الضخمة والاستخدام غير الرشيدي للدواء هو الدول النامية أو منخفضة الدخل والتي تؤثر في ميزانياتها وأحوال مواطنيها المليون دولار ناهيك عن المليار دولار. نصيب إنفاق الدول النامية علي الدواء سنويا هو20 في المائة, أي نحو150 مليار دولار, يتم إهدار نصفها, أي75 مليار دولار سنويا. ولو تخيلنا علي سبيل المثال لا الحصر أن تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل في مصر يحتاج إلي مبلغ37 مليار جنيه مصري, أي نحو7,4 مليار دولار. هذه الكلفة التي تشكل عبئا هائلا علي ميزانيتنا يسهل توفيرها وزيادة بمجرد اتباع قواعد الاستخدام الرشيد للدواء, وهو الاستخدام الذي تدعو إليه منظمة الصحة العالمية. وهنا يجب الإشارة كذلك إلي منظومة مجتمعية نفسية عجيبة فريدة في مجتمعنا, ألا وهي تحديد مكانة الطبيب وأهميته حسب طول وثقل الروشتة التي يكبتها. فكلما كانت الروشتة مليئة بشتي صنوف الدواء, ومختلف أنواعه من مشروب وموخوز ومبلوع, كلما كان الطبيب حاذقا ماهرا. وياسلام لو كتب الطبيب الفذ صفحتين كاملتين, فإنه بهذا يكون الطبيب المعجزة, لأنه كلما كثر الدواء كلما قرب الشفاء. إلا أن الخبراء لهم رأي آخر, إذا أن كثرة الدواء لا تمت بصلة للشفاء, لكن الشفاء يكون من خلال الدواء المناسب بالجرعة المناسبة في الحالات المناسبة, بالإضافة بالطبع إلي توفيق من الله سبحانه وتعالي. وجميعنا يعلم تماما كميات المضادات الحيوية التي نتناولها عمال علي بطال من أصغر طفل إلي أكبر رجل وامرأة. أطفالنا كلما سعلوا سعلة أو عطسوا عطسة نهرع الي الطبيب ليكتب لنا جرعات مكثفة من المضاد الحيوي, ولو لم يفعلن فنحن لا نتواني عن التوجه للصيدلية وشراء مضاد حيوي مناسب لتشخيصنا للمرض. ورغم الآثار الفتاكة لكثرة تناول المضادات الحيوية دون داع, لكننا نعشقها لسبب غير واضح. هذه دعوة خالصة, دعونا نعيد التفكير مرتين وثلاثا قبل أن نترك أنفسنا لدوامة الاستخدام غير الرشيد, فالدواء دون داع قد يكون به سم قاتل بجد. [email protected]