لماذا هذا الملف؟ ولماذا الخوض في تفاصيل المراقبة الوطنية للانتخابات؟.. يبدو أن الاجابة البسيطة السهلة.. هي ان الانتخابات علي الأبواب, ومنظمات المجتمع المدني تتابع وتراقب هذه الانتخابات في ظل إجماع علي رفض المراقبة الدولية. لكن الحقيقةان الحرص علي دعم وتقوية دور منظمات المجتمع المدني الوطنية في مراقبة الانتخابات دفعنا إلي فتح الملف بكافة جوانبه السلبية قبل الايجابية ليس بهدف الانتقاص من دور المراقبين الوطنيين أو التشكيك في دوافعهم او قدراتهم وكفاءاتهم وانما من زاوية الحرص علي ترسيخ مفهوم وممارسة صحيحة للمراقبة الوطنية ولن يتأتي ذلك إلا بالقراءة المتأنية والعميقة للمشهد العام والاستماع من اصحاب الشأن ذاتهم بالنواقص والثغرات والسلبيات الموجودة ونقاط الضعف والقوة. اتفق اساتذة وخبراء القانون الدولي علي ان التشريعات المصرية والقوانين الوطنية تتوافق تماما مع المعايير والقواعد الدولية لضمان نزاهة الانتخابات وانه لا يوجد اي تعارض ما بين العهد الدولي لحقوق الإنسان وبين القوانين والقرارات المنظمة للعملية الانتخابية لكنهم اشاروا إلي ان القوانين وحدها ليست كافية لضمان نزاهة الانتخابات, مضيفين انها لا يمكنها محاصرة الظواهر الاجتماعية ولا توجيه السلوك الثقافي للناخبين, الذي يعتمد في بعض المجتمعات علي الاتفاق القبلي أو العائلي في الانتخابات وقالوا ان الضمان الاهم والأكبر للانتخابات هي ارادة الناخب وإصراره علي اجراء الانتخابات وان تكون نتيجتها كما يريد. واضافوا ان علي مراقبي الانتخابات ان يلتزموا بالقوانين الوطنية ذات المرجعية الدولية مع مراعاة الخصوصية الثقافية والظواهر المجتمعية التي تعبر عن هذه الخصوصية. وقال الدكتور نبيل حلمي استاذ القانون الدولي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان, انه طبقا للقواعد والقوانين الوطنية والدولية فإن عمل المراقب ليس عملا في المطلق, ولكنه يرصد الانتهاكات التي تحدث للقواعد الانتخابية في اطار سياقها الاجتماعي بالإضافة إلي رصد الاساسيات الانتخابية, مثل وجود الحبرالفوسفوري, والستارة, وكشوف الجداول الانتخابية ورفض حلمي اعتبار قلة عدد الاقباط الناجحين في اي انتخابات برلمانية انتهاكا للقواعد الدولية والقوانين الدولية التي تتحدث عن ضرورة ضمانات للتمثيل العرقي والاقليات العددية. وأشار حلمي إلي أن وضع اي قانون يمكن أن يميز اي فئه من الناخبين اويؤثر علي تكتلاتهم الصوتية يعتبر انتهاكا لحق المساواة وعدم التميز علي اساس ديني أو عرقي حيث تنص القواعد الدولية علي ان كل دولة موقعة علي الحقوق المدنية والسياسية تقوم بتأمين الحقوق المقررة دون اي تمييز من اي نوع سواء كان ذلك من اجل الدين أو الجنس او اللون, او اللغة, والرأي السياسي اوالاصل القومي والاجتماعي, بالإضافة إلي النص الخاص بالمادة26 الذي يقول ان الجميع متساوون امام القانون. وأضاف حلمي: احيانا تلعب ثقافة الناخب دورا مناوئا للقانون, مشيرا إلي عدم اتجاه الناخب المصري إلي انتخاب المرأة كممثل له في البرلمان, وهو ما تمت معالجته وبصفة مؤقتة بنظام التخصيص للدوائر الكوتة مؤكدا انه ليس حلا امثل, لأن الضمانة الوحيدة والأهم هي استمرار المشاركة السياسية, والاختيار الصحيح هو الذي يعبر عن الرأي. ويقول حلمي إنه طبقا للقانون الدولي فإن المراقبة الدولية تعتبر انتهاكا للسيادة الا اذا دعت الدولة مراقبين دوليين. مضيفا ان هناك مؤسسات مجتمع مدني وطنية قادرة علي مراقبة الانتخابات. ويتفق الدكتور عبد الواحد الفار استاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق اسيوط السابق بأن القوانين الوطنية تتفق تماما والمعايير الدولية, لكنه يشير إلي ان التطبيق هو المهم, لان وجود النصوص دون تطبيق يجعلها لا قيمة لها. ويعترف الفار بوجود مشكلة ثقافية في المجتمع, نتيجة لعدم وعي الشعب, ولابد من معالجة هذه الثقافة وتقديم ثقافة مغايرة ليصبح علي وعي كامل لاختيار الشخص المناسب لتمثيله. ويرفض الفار اي اجراء تمييزي لضمان تمثيل فئة من الناخبين في الانتخابات, مشيرا إلي أن القانون يجرم التمييز عل اساس اللون او الدين او السياسة لأن اي تمييز لصالح فئة هو تمييز عنصري ويخرج عن القيم الشرعية. وطالب الفار مراقب الانتخابات برصد مثل تلك النتائج في سياقها الثقافي دون النظر لتمثيل الاقليات او العرقيات, لاننا لا يمكن ان نفرق بين فئة واخري من ابناء الوطن الواحد, كما أن علي المراقب ان يراقب وفقا للقانون الوطني, وان وجد اي تعارض بينه وبين القواعد الدولية عليه أن يشير إليها فقط. وأشار إلي أن القوانين ليست ضامنة لنزاهة الانتخابات وثقافة الشعوب هي التي تؤثر في نتيجة انتخابية حتي لو كانت مخالفة ومنتهكة للقوانين والقواعد الدولية. كما يجب ان يضع المراقب في اعتباره عدة عوامل منها نسبة الامية ومفاهيم الناخبين وان تكون ثقافة المجتمع جزءا لا يتجزأ من عملية التقييم النهائية. وينص العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية علي امكانية اتخاذ تدابير خاصة من أجل تمثيل ملائم لمجموعة من الأفراد تمنعهم ظروفهم السياسية والاقتصادية والدينية أو الاجتماعية او الثقافية أو التاريخية من المساواة مع بقية السكان ولضمان تمثيل متوازن لمختلف عناصر السكان. وعن مدي اتفاق نوع الهيئات المستقلة والتنفيذية التي تتولي الاشراف والإدارة علي العملية الانتخابية قال الدكتور شوقي السيد استاذ القانون الدولي وعضو جمعية القانون الدولي, ان اللجنة العليا للانتخابات هي لجنة مستقلة, وتعد احد الأشكال الدولية المعروفة لإدارة العملية الدولية, كما أن رئيسها مستشار ينتمي للهيئة القضائية, ولا يعنيه احد, وانما يتم اختياره بناء علي منصبه القضائي طبقا للدستور وله اختصاصات واسعة بدءا من الجداول الانتخابية, والاشراف علي كل العملية الانتخابية كما أنه المسئول عن اتخاذ كل الاجراءات الخاصة بالانتخابات. وأشار شوقي إلي أن ثقافة ومفاهيم الناخب هي الأكثر قدرة علي توجيه نتيجة الانتخابات لأننا يمكن ان نضع كل المعايير والقواعد الدولية الضامنة لنزاهة الانتخابات, لكن التطبيق يمكن ان يختلف من شعب إلي آخر ومن ثقافة إلي أخري. وأكد شوقي أن قلة تمثيل الاقباط لا يعتبر انتهاكا لاي قواعد دولية, ولا يمكننا تمييزهم لأنه سيصبح تمثيلا عنصريا وتفتيتا للمجتمع, ولن تتحقق نسبة تمثيل عادلة لهم إلا من خلال التطور الثقافي. وطالب شوقي بعدم رصدها من قبل المراقبين علي الانتخابات علي أنها انتهاك, لأن نصوص الدستور تحظر التمييز وتفتيت المجتمع كما أنه لا يمكن النظر إليهم علي انهم اقلية غيرممثلة في المجالس التشريعية لأن الترشيح مفتوح للجميع والناخب هو من يختار.