ضمانة نزاهة وشفافية أي انتخابات في أي مكان في العالم، رهن بالدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني، ليس في لعب أدوار سياسية، أو حشد الناخبين، وإنما في مراقبة ومتابعة كل إجراءات العملية الانتخابية، بحيث تصبح نائباً عن المواطنين، تراقب، وتتابع، وتسجل، وترصد التفاصيل كافة، تفضح المزورين، وتكون بمثابة ضمير للأمة فتحاسب معنويا ما لم تستطع القوانين الحالية حسابه. لم تكن الرقابة الشعبية للانتخابات أمرا مألوفا في المشهد الانتخابي المصري، لا قبل الثورة.. ولا بعدها، حتي أن مصر لم تشهد في تاريخها انتخابات تتوافر لها معايير الحيدة الكاملة، ودأبت حكومات ما قبل وبعد الثورة علي التأثير علي أصوات الناخبين، عبر تزوير مباشر لعمليات الاقتراع، أو إجراءات غير مباشرة لتعطيل العملية الانتخابية، والتأثير في المجتمع التصويتي. وبدأت رقابة الانتخابات لأول مرة في انتخابات عام 1995 حينما شكل مركز بن خلدون لجانا لمراقبة انتخابات الشعب، وإعداد تقارير دورية وتقرير ختامي عن الرقابة، لكن منذ هذا التاريخ وعبر ثلاثة انتخابات ظلت مشكلة منظمات المجتمع المدني المحلية المشاركة في أعمال رقابة ومتابعة الانتخابات هي التمويل الأجنبي الذي تتلقاه، خاصة في ظل فترة حكم الإدارة الأمريكية السابقة، والتي أعلنت مشروعا لتغيير الشرق الأوسط بالكامل، عبر فوضي أسمتها خلاقة كانت تستهدف إسقاط النظم الحاكمة، وأن تخلق الفوضي نظم حكم جديدة. لم تكن رقابة منظمات المجتمع المدني للانتخابات بعيدة عن المخططات الأمريكية لمستقبل مصر كما يريده الآخرون، وسواء أدركت المنظمات هذا الوضع أو لم تدركه، فإنها تلقت عشرات الملايين من الدولارات، بعضها لم يتوجه أصلا للمشروعات المتعلقة بمتابعة الانتخابات، بينما معظم الأموال التي أنفقت لم تؤد إلي ترسيخ دور المجتمع المدني في متابعة العملية الانتخابية، وإرساء ثقافة الشفافية، وتعويد الأحزاب والقوي السياسية المختلفة علي أهمية الاقتناع بأصوات الناخبين. مصر علي أبواب انتخابات جديدة لمجلس الشعب، تشهد ترحيباً كبيراً بدور المجتمع المدني، ومنظماته في الرقابة الشعبية علي الانتخابات، ولو لعبت هذه المنظمات دورها بشكل إيجابي وحيادي هذه المرة فسيكون لها دور كبير في تغيير شكل الممارسة السياسية في مصر للأبد. ومن يتابع الانتخابات الأوروبية علي سبيل المثال لن يجد قاضيا علي كل صندوق انتخابي، أو مستشاراً كبيراً يترأس كل لجنة عامة، أو غيرها من أوجه الإشراف القضائي المتعددة علي الانتخابات، لأن الديمقراطية الحقيقية تعني حكم الشعب للشعب، والانتخابات العامة هي أهم وسيلة اتفق عليها البشر لترجمة رغبات الناس في شكل الحكم.. ومن يتولاه، ومن ينتقل إلي مقاعد المعارضة ليكون رقيبا علي الحكومة. وحتي تكتمل التجربة الديمقراطية في مصر، أو تنضج وتخرج من مرحلة وصاية أي مؤسسات أو جهات عليها فلا بد أن يكون الشعب هو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة.. ويكون المجتمع المدني إحدي الأدوات الشعبية المهمة لتحقيق هذه الإرادة.