بحكم ارتباطهما بالشأن العام حسبت نقابة الصحفيين ونقابة المحامين من نقابات الرأي, وفيهما يدق التفريق بين ما هو مهني وما هو سياسي, إذ يتشابك الأمران في كثير من النقاط والمحاور ورغم تجاور مقريهما إلا أن تناولهما لأحداث الإحتقان الطائفي الأخيرة كان علي طرفي نقيض, فبينما تبنت نقابة الصحفيين نسق المواجهة بحسم وصرامة اختارت نقابة المحامين الانحياز الي خيار التوظيف الانتخابي للأحداث ومن ثم المعالجة, والتي جاءت باهتة وذاتية. إصدار قانون يجرم الخطاب الطائفي في الصحافة و أجهزة الاعلام و التعليم و في المساجد و الكنائس. وقدر لي أن أحضر فعاليات كلا النقابتين, فكنت فيهما شاهد عيان, مشاركا في الأولي ومنسحبا من الثانية, رغم أني ذهبت في المرتين يحدوني أمل يقترب من اليقين أنني ذاهب الي المكان الصحيح, باعتبار الأولي جماعة الرأي والاشتباك اليومي مع الشارع والأحداث, والثانية جماعة الدفاع عن الحقوق والأكثر امتلاكا لمنظومة المواجهة القانونية لدعاوي الفوضي والتمييز وكل ما من شأنه تهديد أمن وسلامة الوطن. كان من اللافت في الاجتماع الذي دعت اليه نقابة الصحفيين الأحد2010/10/10 وضم لفيف من رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة ومعهم كتاب ومفكرون من مختلف الاتجاهات في القاعة الرئيسية بها حول مائدة مستديرة تساوت فيها مواقع كل المشاركين, كان من اللافت أن يبادر الاستاذ النقيب بعد الكلمة الافتتاحية باستئذان كاميرات الفضائيات بالخروج من القاعة ليصبح الإجتماع مغلقا, حتي لا يتحرج المشاركون في طرح رؤاهم وتصوراتهم بشفافية ومصارحة, وحتي لا يتحول الإجتماع الي منبر ترسل عبره رسائل تحكمها المواقع والانتماءات السياسية أو الإنتخابية. وكان الإتفاق علي الا تستغرق المشاركات في توصيف وتشخيص الأزمة بل تتركز علي طرح المطالب العلاجية لكل الأطراف المشتبكة مع الأزمة, منظومة الإعلام وفي مقدمتها الصحافة والمؤسستان الدينيتان والدولة في إيجاز ووضوح, ولهذا جاءت المداخلات ناجزة تبلورت في توصيات حاسمة تتناسب ومستوي الحدث وجسامته وجاء البيان الختامي ليؤكد اتفاق المشاركون مبادرة نقابة الصحفيين بإضافة قسم نوعي إلي ميثاق الشرف الصحفي يتعلق بهذه القضية. في هذا المؤتمر علي تنسيق جهودهم والتحرك بكل قوة للقضاء علي أسباب' الفتنة الطائفية' طارحين علي الدولة و المجتمع برنامج العمل التالي: أولا: مطالبة الدولة و الحكومة بما يلي: تدعيم قواعد التغيير السياسي و الدستور الديمقراطي و تأكيد دولة القانون التي تضمن حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة لكل المصريين بصرف النظر عن الدين أو العقيدة أو الأصل أو الجنس أو اللغة أو الانتماء السياسي, و ترجمة حق المواطنة في الدستور إلي قوانين و تشريعات تقوم علي أساس المواثيق و الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان. إصدار قانون يعاقب علي ممارسة التمييز علي أساس ديني أو عرقي او علي أساس عقائدي, و يعوض من يتعرض لمثل هذا التمييز. اتخاذ الإجراءات التي تكفل وقف التمييز علي أساس الدين او العرق في تولي بعض الوظائف العامة, ووضع نظام لانتخابات المجالس التشريعية يضمن تمثيلا مناسبا لهم فيها. إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة, و إلغاء الشروط العشرة التي حددها قرار وزير الداخلية لبناء الكنائس و الصادر عام1934, بحيث تخضع عملية بناء الكنائس و ترميمها لقواعد و إجراءات واضحة تستجيب للاحتياجات الحقيقية لاتباع هذه الكنائس. إصدار قانون يجرم الخطاب الطائفي في الصحافة و أجهزة الاعلام و التعليم و في المساجد و الكنائس. مراجعة المناهج الدراسية الدينية الإسلامية و المسيحية في المدارس لتعزيز القيم العليا المشتركة بين الأديان السماوية كافة, و ضرورة تكامل تدريس مراحل التاريخ القومي المصري في مقررات التعليم., و إشاعة قيمة التسامح في التعليم و الأعلام والثقافة. إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي. الالتزام بتطبيق القانون بصرامة في مواجهة أي جرائم طائفية, واقتصار جلسات الصلح العرفي علي تهدئة الأجواء والتوعية دون تعطيل لأحكام القانون. ويسبق كل ذلك توفر إرادة سياسية لإزالة أسباب التوتر الطائفي والفتنة باعتبارها قضية لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. ثانيا:- مطالبة المؤسسات الدينية بما يلي: وقف تحول المؤسسات الدينية إلي مؤسسات سياسية تغتصب حق المواطنين في التعبير عن مواقفهم السياسية من خلال الأحزاب والحركات السياسية, وضمان عدم تورط دور العبادة في المجالات العقائدية والحزبية. احترام حرية المواطن في الاعتقاد وحقه في تغيير ملته أو دينة, كحق إنساني وشخصي و دستوري, ولا يجوز إخضاع هذا الحق لضغوط أيا كان مصدرها.. الدولة أو المؤسسات الدينية أو المجتمع المدني. ثالثا: مطالبة الصحافة وأجهزة الأعلام والقنوات الفضائية بما يلي: معالجة كل ما يتم نشره أو إذاعته أو بثه بروح تستهدف تعزيز وحدة الوطن وحقوق المواطنة, والتدقيق فيما ينشر أو يذاع, وتحمل رئيس التحرير المسئولية كاملة عما يتم نشره. منع المناظرات بين الأديان والمناقشات التي تتناول العقيدة الدينية في المنابر العامة, أو نقلها من خلال الصحافة الالتزام بعدم الانحياز إلي الدعوات العنصرية او المتعصبة أو المنطوية علي امتهان الأديان أو الدعوة إلي الكراهية أو الطعن في إيمان الآخرين, أو تلك الداعية إلي التمييز أو الاحتقار لأي من طوائف المجتمع. مبادرة نقابة الصحفيين بإضافة قسم نوعي إلي ميثاق الشرف الصحفي يتعلق بهذه القضية. وتنظيم ورشة عمل موسعة تضم ممثلي الصحف ووسائل الأعلام المرئية والمسموعة, لوضع مدونة سلوك' نوعية' تتعلق بالتناول المهني للقضايا الدينية والطائفية. ومطالبة نقابة الصحفيين بعمل مرصد لمتابعة ما ينشر ويذاع ومحاسبة ومعاقبة أعضائها في حالة مخالفتهم لميثاق الشرف الصحفي وقانون النقابة. تضمين تقارير الممارسة الصحفية قسما خاصا بمخالفة القوانين والتقاليد المهنية فيما يتعلق بمسألة الوحدة الوطنية والتحريض علي الفتنة, ولفت نظر الصحف التي تقع في أخطاء من هذا النوع. تفعيل قانون هيئة الاستثمار فيما يتعلق بالمواد الدينية التي تبثها القنوات الفضائية في حالة بث مواد تتعلق بالمفاضلة بين الأديان والمذاهب الدينية أو تسفيه العقائد الدينية للآخرين. ويدعو المؤتمر مجلس نقابة الصحفيين لتشكيل لجنة من شيوخ الصحفيين والشخصيات المشاركة في المؤتمر لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات, والدعوة لمؤتمر وطني جامع للوحدة الوطنية وحقوق المواطنة. رابعا: مطالبة الأحزاب والجماعات السياسية تضمين برامجها العامة والانتخابية قضية الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة.. وترشيح المسيحيين والنساء في الانتخابات العامة. وعندما تلقيت دعوة مؤتمر نقابة المحامين الخميس2010/10/14 بادرت بالحضور وخلت ان روشتة العلاج ستكتمل في جانبها القانوني, وتوقعت ان اجد امامي في مؤتمر كهذا حزمة من مقترحات بمشاريع قوانين تحاصر الفتنة وتطارد الإحتقان وتفعل المادة الأولي من الدستور وتترجم ما جاء بها عن' المواطنة' الي قوانين تضبط العلاقات البينية في المجتمع, فتسقط معها كل معطيات الفتنة والتطرف, فإذا بي أجد نفسي أمام صورة مغايرة الي حد التناقض, وهو ما سنتناوله في المقال التالي. مبادرة نقابة الصحفيين بإضافة قسم نوعي إلي ميثاق الشرف الصحفي يتعلق بهذه القضية. [email protected]