لم يكن كاتب هذه السطور من المريدين المفتونين بالراحل الشيخ محمد متولي الشعرواي وباستثناء مقولات تعد علي اصابع اليد الواحدة كان إجمالا ما يطرحه الرجل الورع بعيدا عن معتقداته وما يؤمن به صوابا أم خطأ لكن كان لزاما حين عرض مسلسل عن حياته أن يجلس أمام التلفاز لرؤية بعض من حلقاته وذلك من باب العلم بالشيء ثم وهو الأهم رؤية هذا الفنان الرائع الجميل حسن يوسف. فالأخير شاء أن يغير مسلكه لاسباب وجدها حتمية وكان له ما اراد رغم أن طريقه الفني الذي انقلب عليه كم اشاع بهجة وحبورا لدي الملايين من المحيط للخليج عشاق الأبيض والاسود في مسيرة السينما المصرية, ويالها من سعادة غامرة تلك التي احتوتني عندما ترامي إلي سمعي أن حسن يوسف عاد إلي الدراما الاجتماعية في دور مغاير ومختلف عن تلك الادوار الدينية التي واظب عليها خلال السنوات القليلة الماضية وذلك من خلال مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة والذي عرض مؤخرا بالتليفزيون المصري وكذا عدد من الفضائيات, وبالكاد تمكنت من مشاهدة حلقتين من هذا العمل, ومن ثم فهناك صعوبة في تقييمه, فلا يمكن الحكم إلا بمشاهدة النص التليفزيوني كاملا أو معظم فصوله علي الاقل لكن ما كان يهمني هو أن الفتي الشقي أخيرا عاد إلي عالمه يواصل الماضي بالحاضر. لكن ما اثار الانزعاج تلك الانتقادات الشديدة التي طالعتها في الادبيات السيارة بحجة أنه انتقل من نقيض إلي نقيض علي أية حال ليس هذا موضوعنا. وتذكرت وأنا أتابع بعض مشاهد هذا العمل الدرامي كلمات لحسن يوسف قبل سنوات وقد نقلتها إلي الصحف وكانت أثناء حفل تخريج دفعة جديدة من الجامعة الامريكية كانت ابنته واحدة من الخريجات الجدد, وفيها عاتب القائمين علي الحفل لعدم مراعاتهم له قائلا' أنا فنان كبير' بدت الجملة الأخيرة أثيرة إلي نفسي فالرجل لم يتبرأ من فنه بيت القصيد لعودة لقراءة بعض اعمال التقدير مرددا أنا فنان قدير. والحق أنني لم اجد حتي هذه اللحظة إجابة علي سؤال مؤداه: ما هي الخطيئة التي ارتكبها هذا الفنان كي يعادي ماضيه بهذه الدرجة من القسوة, نعم نعترف أنه قدم أعمالا سطحية وساذجة وكان مستواها من الناحية الفنية ضعيفا نصا ولغة سينمائية غير أن هذا ينسحب علي جميع الفنانين والأهم هذه الأدوار الضعيفة( وهي ليست مخجلة) كم كانت نسبتها في مجمل أدواره الغزيرة ؟ هذا هو المحك في عملية التقييم. وها هي الذكريات تتدفق, والافلام سواء تلك التي شارك فيها بأدوار غير رئيسية( مع التحفظ علي التوصيف) أو التي قام ببطولتها تتالي علي ذهن المرء رغم مرور السنين الطويلة. ولعلي أبدأ وأتساءل: تري لو لم يكن حسن يوسف او احمد في فيلم' الخطايا' عام1962 والذي أخرجه الراحل حسن لامام, ماذا سيكون عليه الحال ؟ أنني أتذكر أن كل ما تعلق في الذاكرة من هذا الشريط الميلودرامي لم يكن أداء عبد الحليم حافظ الذي كان باهتا بل الفنانون الكبار عماد حمدي ومديحة يسري ونادية لطفي وكمال حسين وفاخر فاخر وأخيرا فاكهة الشريط خفة دم حسن يوسف. ففيه جاء اداؤه سلسا بسيطا تلفائيا خفيفا علي القلوب من فرط جمال إفيهاته ومداعباته لشخوص الفيلم قبل الخطايا كانت هناك أعمال شارك فيها بأدوار ثانوية وكيف لنا أن ننسي دوره الصغير نسبيا في' أنا حرة عام1959' المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للراحل إحسان عبد القدوس واخراج صلاح أبو سيف مع لبني عبدالعزيز وحسن رياض وزوزو نبيل, وفيه شاهدنا كيف أقنعنا بموهبته التمثيلية في تقمص دور شاب عاشق ومولع بالعزف علي آلة الكمان, غير أن الأب القاسي الجبار' هولاكو'( حسين رياض) وفقا لوصف الأبن كان حائلا بينه وبين النغم الذي ينساب من تلك الالة الموسيقية. وفي عام1961 وعن قصة لاحسان عبد القدوس أيضا يؤدي حسن يوسف دورا خلاقا رغم قصره وهو الطالب الجامعي محيي في بيتنا رجل إخراج هنري بركات والذي ينتمي إلي أسرة متوسطة بعيدة عن الاشتغال في السياسة, لقد كان ندا بين الكبار وأقصد هنا بطلي الفيلم عمر الشريف الذي قام بدور إبراهيم حمدي الشاب الثائر ورشدي أباظة في شخصية عبد الحميد و في ذلك العام شارك شادية بطولة فيلم التلميذة إخراج حسن الامام وفيه وجدنا الابن الذي يريد التمرد علي تقاليد العائلة من أجل حبه علي نقيض ذلك نراه أبنا فاسدا في كلهم أولادي1962 إخراج احمد ضياء الدين ومنافسا في الاداء لكل من شكري سرحان أمين وصلاح ذو الفقار ثم تحدث نقلة نوعية في مسيرة هذا الفنان وذلك من خلال دوره المغاير المختلف في زقاق المدق عام1963 والماخوذ عن رواية لنجيب محفوظ أنه الفهلوي الافاق الذي يعمل في الكامب مع جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ثم يلعب دور رفيق السوء في الشيطان الصغير عام1963 وفي نفس السنة يقدم لنا شكلا يعود من خلاله إلي الكوميديا وذلك في أم العروسة والذي اخرجه عاطف سالم وتتوالي الأدوار في العزاب الثلاثة إخراج محمود فريد والشياطين الثلاثة لحسام الدين مصطفي إخراج عيسي كرامة والحياة حلوة في عام1966 المشهور بلوكاندة المندرة إخراج حلمي حليم في ذات العام وجدناه في دور تراجيدي وشخصية مفعمة بالحيوية أنه رشدي عاكف في خان الخليلي ويستمر التنوع والعودة إلي الاضحاك والحكايات الشبابية إن جاز التعبير ويتجسد كل هذا في: شاطئ المرح إخراج حسام الدين مصطفي, و إجازة صيف إخراج سعد عرفة وكلاهما عرضا عام1967. وفي عام78 وقبل مرحلة الانقلاب بقليل يقوم ببطولة المجرم المأخوذ عن قصة أميل زولا تيرزا راكان وأخرجه صلاح أبو سيف وجاء أداؤه رائعا مثيرا متوجا مسيرة طويلة ستظل محفورة في ذاكرة عشاق الفن السابع.