الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية إسلامية ومسيحية ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. الأئمة العائدون من الخارج عادوا بأفكار أهل البلاد التي عادوا منها. والوهابية وراء أزمة الفكر الديني الحالي. والسلفية صنعت الفكر الأحادي ومنعت الاجتهاد. كل هذه الآراء وغيرها يطرحها د. سالم عبدالجليل وكيل أول وزارة الأوقاف لشئون الدعوة في حواره حول أزمة الفكر الديني ووسائل إصلاحة لاستعادة الفكر الديني الوسطي المستنير, فإلي نص الحوار.. * يتحدث كثير من المثقفين عن وجود أزمة في الفكر الديني فما رأيك في هذا؟ ** نحن إزاء أزمة تدين لغياب الفكر الصحيح, والثقافة الدينية للأسف مجتزأة جدا وليست واضحة ولا صحيحة, وسلم الأولويات منقلب تماما, وأضحت الأمور التي لها أهمية في الذيل والأشياء الهامشية طفت علي السطح, حتي أصبح أكثر ما يشغلنا مشكلة النقاب والختان وتصبح مشاكلنا مع الغرب في أوروبا أن المرأة تغطي وجهها أم لا. وأقول إن الإسلام أكبر من ذلك, عقيدة ومعاملة, فقد صنع حضارة عظيمة. نحن نعاني بشكل كبير من أمية دينية. * ما مظاهر الأزمة من وجهة نظرك؟ ** مظاهر التدين التي نقبل بعضها ونرفض الآخر مع العلم بأن الدين أعمق من هذا. * ماهي المشاكل المتعلقة بالأزمة؟ ** يؤسفني أن مظاهرها واضحة جدا ولا تغيب علي أحد والكل يشتكي من غياب القيم ونلمس مظاهر الأزمة في الأخلاق, وأسبابها غياب دور الأسرة رغم أنني لا أستطيع أن أحملها المسئولية كاملة, لأن الأسرة التي اجتهدت في تربية أبنائها يخرج أبناؤها لمجتمع مختلف للغاية, مجتمع يهدم ما بنته الأسرة, فالقنوات الفضائية للأطفال أبرزت العنف بشكل كبير فمثلا توم وجيري الخاص بالاطفال قائم علي المكائد والعنف. * ولكن كيف نواجه الأزمة؟ ** بتكاتف أكثر من جهة ومؤسسة, نعترف بأن هناك تقصيرا بشكل أو بآخر بدور المسجد, ونحن كوزارة الاوقاف لا ندعي الكمال لكن ننشده ولابد أن نعيد فكرة المسجد الجامع الذي يحتوي الجميع. * كيف نستطيع إعادة دور المسجد الغائب في ظل ضعف مستوي خريجي الأزهر دعاة الأوقاف حاليا؟ ** قبل إجراء مسابقات تعيين الدعاة كان من لا يستحق يعمل في الدعوة, وأصبح هناك خلل ولكن في الفترة الأخيرة أفرزت المسابقات نماذج رائعة من الائمة واعترف بان هناك مشكلة وان الامام لو قام بدوره في المسجد بإعطاء الدروس والخطب سنغير المجتمع, لأن منبر المسجد مقدس وبالتالي الذي يستمع إليه يأخذه علي أنه مقدس, فتجربتي أنا الشخصية بمسجد قاهر التتار بهليوبوليس عام1993 وعام1994 كان يصلي ورائي صفوة المجتمع ويحضر الدرس مالا يقل عن2000 شخص وقمنا بعمل النادي الصيفي الذي أقبل عليه الجمهور ونتمني أن يحدث هذا في جميع مساجدنا. * نادرا أن نجد إماما ملتزما بأداء الدروس فهو يكتفي بصلاة الجمعة فقط ويلجأ للأعمال الأخري التي تعينه علي المعيشة نظرا لتدني دخله. ** الإمام يحفظ جيدا القرآن فيستطيع أن يعمل كمحفظ للقرآن بالمدارس الخاصة حتي يحقق دخلا رائعا. ولا ننسي أننا في دولة ومحكومون بميزانية محددة, ولكن يظل الإمام لو قورن بالمرتبات الأخري سيكون أعلي منهم وزاد دخله في السنوات السابقة450 جنيها علي راتبه الاساسي. * إذا أنتم تسمحون بأن يعمل الإمام في أماكن أخري؟ ** ليس لدينا إشكالية أن يعمل الإمام في الفترة الصباحية لتحسين دخله وتنمية مواهبه, لكن إشكاليتي أن يترك عملة ويذهب للعمل الإضافي لأن عملة الرسمي من العصر للعشاء. * ما المشاكل المتعلقة بالأزمة من الناحية الفلسفية والعقدية والسياسية؟ ** المشاكل المتعلقة بالأزمة مشاكل عديدة وعندما نؤرخ لها نجد الاستعمار وتطور الازهر أهم هذه المشاكل. أحب أن أوضح أن تطوير الازهر شيء جميل لكن للأسف أضر بالكليات الشرعية والعربية التي تخرج الدعاة لأن الطلاب المتميزين يذهبون للكليات العملية والأقل تميزا يذهبون للشرعية والعربية فبإدخال العلوم العملية للأزهر تم إخراجه عن دوره ولكننا هذه الايام نحيي الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر علي إنشائه شعبة للدراسات الاسلامية لتغذية الكليات الشرعية ونأمل أن نجني هذه الثمرة بعد10 سنوات, ونحن في حاجة لحصار الفكر المتشدد بفكر آخر وليس بالحديد والنار, ولا يصح أن يكون الفكر المتشدد له عشرات القنوات تتحدث عنه دون أن تتم مواجهة ذلك. * لماذا لا تخطو المؤسسات الدينية خطوة لإنشاء قناة فضائية؟ ** الإمام الاكبر عرض الفكرة وننتظر رجال الاعمال للتمويل. فليست عندنا مشكلة في بث قناة وسطية تقوم وزارة الاوقاف بتقديم الكوادر لها, خاصة أن لدينا600 إمام حاصلين علي دكتوراة. * في رأيك أن هناك أزمة في التعليم؟ ** يؤسفني أن الكليات التي تخرج الدعاة تتعامل مع الطالب معاملة الشيخ في الكتاب فهي عبارة عن تلقين وتحفيظ فنحن نحتاج لتربية عقل وليس حفظ نص فقط وننادي بإستراتيجية لتجديد الفكر الديني. * وما رأيك في فوضي الفتاوي؟ ** الفتوي تتغير بتغير الزمان والأشخاص, وهذا حدث مع ابن عباس عندما دخل عليه شخص سأله هل للقاتل توبة فقال لا, ودخل آخر سأله نفس السؤال قال ومن يمنعك عن هذا, فسأله الحاضرون عن سبب اختلاف الفتوي فقال رأيت الاول يريد الفتوي من أجل القتل والثاني يريد التوبة حقيقة. * هل تري أن الفضائيات والصحافة المستقلة عملت علي تعميق الأزمة؟ ** نعم كان من المنتظر أن تقوم الفضائيات والصحافة المستقلة بحل الأزمة لكن للأسف رسخت لفكرة الرأي الواحد فقط * كيف تري المشكلة في السجالات الدينية الحالية خصوصا علي الانترنت؟ ** أنا ضد ذلك, وأقبل تماما الاختلاف ولا أنزعج منه, ولكن ما يزعجني ألا نحترم بعضنا البعض, وأنا أؤكد ذلك علي الائمة في الدورات التدريبية لأننا لو التزمنا بأدب الحوار واحترمنا بعضنا عند الاختلاف لحلت المشكلة. * من أين جاء الفكر المتشدد لأئمة الأوقاف؟ ** بعض الأئمة مثل غيرهم يشاهدون الفضائيات ويقرأون بعض الكتب التي علي سبيل الاهداء ويتأثرون بها, لكن أطمئنك أن هؤلاء عددهم قليل ومن تم اكتشافه منهم نحضره ونوضح له الصواب ولا نفصله ثم يعود لمسجده مرة أخري. * ألا تري أن بعض الجماعات وتحديدا الاخوان المسلمين نجحت في استقطاب عدد كبير من الأئمة لتوصيل فكرها عن طريقهم؟ ** لاننكر أن الإخوان لديهم برنامج واستراتيجية وقدرة علي الاستقطاب بشكل كبير واستمالة البعض بجزرة المعز, والإنسان أسير الإحسان, وقد تكون المسألة عن قناعة وهذا خطر, خاصة أنه يصدر عن طريق أشخاص من المفترض أن يقودوا الأمة لذلك لانقبل أن يكون في أمتنا من ينتمي لجماعة لأن إمام المسجد يخاطب جميع الانتماءات دون تمييز أو عنصرية. * مامدي مسئولية الجماعات الاسلامية والإخوان عن الصورة الراهنة للإسلام في الخارج؟ ** لاأستطيع أن أحمل طرفا واحدا الصورة الحاصلة الآن إنما يتحملها المسلمون جميعا. * لكن من وراء هذا التشدد؟ ** انتشر التشدد عندما قصر الآخرون في الوجود والإناء إذا لم يملأ بالماء ملئ بغيره. التشدد قديم وليس جديدا ولايمكن أن ننكر دوالدعاة الذين سافروا للخارج, نقول بشكل عام إن من سافروا للخارج عادوا دعاة لنشر الفكر السائد في الدول القادمين منها. * هل تقصد الفكر الوهابي والسلفي؟ ** هذا صحيح, لكن سبق الفكر الوهابي والسلفي فكر تكفيري وأعتقد أن ماتعرضت له المؤسسات الدينية بعد أزمة النقاب وختان الإناث ليس لغرض النقاب كمظهر أو الختان في حد ذاته لكنه كان تعبيرا عن عدم موافقة الفكر السلفي علي وجود المؤسسة الدينية التي بدأت تظهر علي الساحة لتصحيح المفاهيم, والدليل علي ذلك مافعله عبدالرحمن كوكي علي قناة الجزيرة فإنه لم يتكلم عن النقاب وتحدث عن الأزهر الذي مات علي حد قوله ودعا الناس للصلاة عليه. الخطاب السلفي أسس للمدرسة الأحادية التي تحدث عنصرية في الأمة حتي في المساجد عندما نتحدث عن الصلاة وهيئاتها هم يجعلون الهيئات كأنها الصلاة. * ماعلاقة الهوية بالخطاب الديني؟ ** غياب الهوية ليس مرتبطا بالخطاب الديني فحسب, للأسف هناك بعض الناس يرون أن الدين يرفض الهوية, لكن دعني أقول إن الخطاب الصحيح يؤسس الهوية. * وما الذي أوصل الأزهر لهذه المرحلة؟ ** لاأحب أن أتحدث في هذه الجزئية. * لكن الناس تريد معرفة الحقيقة. ** لاشك أن مؤسسة الأزهر جزء من البيت المصري ولديه مشاكل وظهر تراجع في أداء دوره في الفترة الأخيرة في مشكلة مياه النيل مثلا ولكنني آمل في المستقبل القريب بقيادة الدكتور أحمد الطيب للأزهر, ولكني أقول إن هناك فترة انشغل فيها الأزهر داخليا وترك الأمور الخارجية فأصبح دوره مهمشا. الامام الراحل د. طنطاوي شغل الدنيا عندما كان مفتيا بقضايا البنوك وظلت معه حتي تولي مشيخة الأزهر وانشغل كذلك بقضية مصافحة شيمون بيريز ومعرفته له من عدمه الأمر الذي أدي إلي تفريغ الأزهر من محتواه وشجع شخصا مثل الكوكي أن يقول مثل هذا الكلام. * مارأيك في اقتحام الدين للسياسة ودخول علماء الدين هذا المعترك؟ ** أدرك تماما أن السياسة لايمكن أن تتفق مع الدين لأن الدين له مبادئ واضحة والسياسة ليس لها إلا مبدأ واحد, حيث ماكانت الغاية والوسيلة, لذلك أنا أربأ برجل الدين أن يزج به في الأمور السياسية, لكن عندما يصدر السياسي قرارا ونقول فيه رأينا فلا مانع في هذا ولكن ليس بالتطبيل للسياسة. * معني ذلك أننا وصلنا لمرحلة العلمانية؟ ** هناك فرق كبير بين العلمانية التي يقصي فيها الدين تماما عن الحياة وبين مايفترض أن يتحدث فيه علماء الدين, علي سبيل المثال الجدار العازل والقضية الفلسطينية أنا كرجل دين ماذا أعلم عنها حتي أبيح لنفسي إصدار أحكام فيها, لاأدعو للعلمانية ولكن يجب أن يأخذ القرار السياسي صاحب القرار السياسي. * ماسر تحالف رجال الدين مع الحكام تاريخيا؟ ** شئ طبيعي أن يلجأ الحاكم لرجل الدين لأنه يدرك تماما تأثيره علي الناس.. ولجوء رجل الدين للحاكم إما من أجل الحصول علي مصالح أو من باب طاعة ولي الأمر. * معني ذلك أن الحكام لايلجأون لرجال الدين لتمرير قراراتهم؟ ** لاأقول ذلك علي طول الطريق, أحيانا يحدث ذلك, ولكن في الغالب تتم الاستعانة بعلماء الدين لتمرير القرارات الصحيحة ونذكر أن قانون الاجهاض الذي أرادت لجنة الصحة بمجلس الشعب تمريره ذبح علي باب دار الافتاء لأن فضيلة المفتي رفض ذلك. * ما السبب وراء لجوء المصريين للفتوي في كل شيء؟ ** الإنسان بطبيعته متدين وهم يطبقون المثل القائل ضعها في رقبة عالم واطلع منها سالم * وما السبب وراء غياب المرأة في اقتحام مجال الدعوة؟ ** إننا كوزارة نحتاج في كل مسجد لرجل ولكن في الحي يمكن أن نحتاج لامرأة ولدينا نماذج مشرفة من الداعيات مثل د. أمنة نصير ود. سعاد صالح. * أنتم كوزارة أوقاف خضتم التجربة وقمتم بتعيين داعيات في المساجد ولم تكرروها مرة أخري؟ ** بالفعل قمنا بتعيين50, منهن4 ارتدين النقاب بعد التعيين, و3 خلعن اياه بعد المراجعة وواحدة رفضت ذلك. ولدينا1500 داعية من خريجات مراكز الثقافة فلسنا في حاجة لداعيات الآن. * هل تتفق حول مايتردد من أن مستوي المرأة ليس كمستوي الرجل في الدعوة؟ وماذا عن خريجات جامعة الأزهر؟ ** في العموم نعم, ولكن هناك فضليات أفضل من الرجال ونحن لسنا في حاجة لهذا العدد من خريجات الأزهر. * هل الثقافة الراسخة لدينا وراء الأزمة؟ ** طبعا نحن ليست لدينا ثقافة في العموم وفارغون, إنني أندهش أمام التليفزيون عندما أري فلاحا يابانيا يخترع إنسانا آليا * ومتي يعود الداعية إلي سابق عهده؟ ** عندما يكون صاحب رسالة ولا ينظر للمادة وأتمني أن تصبح الكليات الشرعية المعنية بتخريج الدعاة مثل كليات الشرطة والجيش.