الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية إسلامية ومسيحية ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. قال الدكتور محمد بدوي استاذ النقد الأدبي انه لن تحدث أي حركة اصلاح في الفكر الديني المصري إلا اذا اتفقت النخبة علي مبادئ ينطلق منها مشروع حضاري ندخل به إلي العصر الحديث, واستطعنا أن نوقف حركة الابتزاز الديني وتوظيفه سياسيا واقتصاديا ونزعه من وظيفته الايمانية والعقائدية, وتحويله إلي شرعية لبنوك ومشروعات وتيارات سياسية. وأضاف أن هذا الاصلاح لن يحميه ويضمن نجاحه إلا طبقة متعلمين تمثل قوة اجتماعية وسياسية قادرة علي تهميش دور ومساحة التيارات التي تتخذ شعار الإسلام هو الحل. وأشار إلي ضرورة مرور الفكر الديني المصري والعربي والاسلامي بصفة عامة بحركة اصلاح كتلك التي مرت بها اوربا. ولفت دكتور بدوي إلي ان المؤسسات الدينية في مصر تتعامل وكأنها دولة داخل الدولة, الكنيسة ترفض حكم محكمة والدولة تتراجع أمامها, والأزهر تتكون داخله لجنة تسمي نفسها جبهة علماء الأزهر أصابت الناس بالرعب.. فإلي نص الحوار.. * البعض يري أن ما يعطل حركة الاصلاح الديني هو توظيفه سياسيا واستغلاله سياسيا فما رأيك؟ ** هذا أحد أهم الأسباب, فهناك عملية ابتزاز ديني ونزع الدين من وظيفته الاساسية كقانون ايمان وعقيدة واعادة استغلاله وتوظيفه لصالح مكاسب سياسية واقتصادية, فتجد بنوكا ترفع شعارات اسلامية وتدعي ان ربحها بعيد عن الربا وانها مختلفة عن البنوك الأخري, علي الرغم من أن العمليات البنكية لا علاقة لها بمفهوم الربا في الدين الاسلامي, فالمرابي كان يستغل حاجة الناس ويفرض قانونه, ويمنح الاموال بفائدة يحددها هو دون قانون, والبنوك تحدد الفائدة طبقا لقانون يوافق عليه مجلس الشعب وتحدده اقتصاديات السوق, وتجد جماعة أخري مثل الاخوان تستغل الدين سياسيا وترفع شعار الاسلام هو الحل وكأن منافسيها كفرة لا يؤمنون. * هل تعني ان الاخوان احد اسباب ازمة الفكر الديني؟ ** طبعا. فهذه الجماعة بطرحها وترسيخها لمفاهيم معينة في الدين تؤثر علي افكار وتلقي المجتمع للدين فتجد واضع امتحان ربما لا ينتمي اليها لكنه تلقي افكارها ليضع سؤالا يسأل فيه الطالب في الامتحان اذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فما هو طولها هذا المدرس ينتظر أن يجيب الطالب بأن الله هو العالم, وهذا مكون ومفهوم ثقافي يتلقاه الطالب. * في ظل هذا التدهور في الفكر الديني كيف نجري عملية اصلاح وتطور في الخطابات الدينية؟ ** أولا أن تتوافق النخبة علي مجموعة من المبادئ تكون نواة لمشروع ثقافي لإجراء حركة اصلاح ديني كتلك التي حدثت في أوربا علي ايدي مارتن لوثر كينج والتي بدأت بأن يقرأ الفرد الكتاب المقدس وحده دون راهب أو معلم من الكنيسة, وأن تتضمن مجموعة المبادئ التي تعلنها تلك النخبة, منع استخدام الشعارات الدينية في السياسة والاقتصاد, بالإضافة إلي إعادة بناء البنية التعليمية الجامعية وقبل الجامعية والتي تدهورت بالكامل سواء البنية المادية أو البشرية ونبدأ في تعليم الأطفال أن محمدا له صديق اسمه وليم أوجورج, وان تخضع المؤسسات الدينية لسلطة الدولة القانونية والدستورية, فلا تري الكنيسة ترفض حكم محكمة وكأنها خارج القانون والدستور, كما لا نري جبهة مثل جبهة علماء الأزهر التي اصابت الناس بالرعب حتي تم حلها. * لكن هناك محاولات بدأها الامام محمد عبده لاصلاح الفكر الديني لكنها لم تستمر وانتهت سريعا؟ ** هذا حقيقي وله اسباب اهمها, ان هذه الاصلاحات لم تجد القوة الاجتماعية والسياسية التي تحميها, فالهند عندما أرادت حماية نظامها السياسي والاجتماعي, صنعت طبقة من التكنوقراط مهندسين ومخترعين وأصحاب مهن ابداعية قوامها400 مليون مواطن يحمون مصالحهم وحقوقهم, لذا علينا أن ندرس التجارب المماثلة ونحاول ان نستفيد منها, كما أن هناك مشكلة اخري يجب ان نضعها في الاعتبار, وهي ان فكرة الاصلاح الديني وتجديد خطابه دائما يتصدي لها مثقف الدولة بحكم ان الدولة اكثر تقدما من المجتمع الاهلي ولديها شروط معقدة لبقائها وسياسة دولية تحكم قراراتها واتجاهاتها, ولديها مواطنون من أديان أخري. * لكن اليس غريبا ألا يجد فكر الامام محمد عبده قوة اجتماعية وسياسية تحميه رغم ان مصر وقتها كانت مقبلة علي دولة حديثة؟ ** طبعا غريب, مصر التي علمت العالم العربي الليبرالية, والبرلمان وبدأت منها فكرة الاصلاح الديني, وبدأت دخول الدولة الحديثة منذ200 عام منذ محمد علي, وينتهي بها الأمر أن تسأل امرأة اذا كان يجوز لها ان تختلي بالكمبيوتر أم لا, فيجيب عليها شيخ من الفضائيات انه لا يجوز بدون محرم لأن الكمبيوتر يمكن ان يغويها. * اذن فالفضائيات مارست دورا في تأزم وتجميد الفكر الديني؟ الفضائيات مارست اعلام الاثارة في ظل تكلس اعلام الدولة, الذي أصح يستضيف شيخا يفسر الأحلام, وآخر خطابه سلفي ومتشدد من اجل الاعلانات اي انها اصبحت هي الاخري تستغل الدين اقتصاديا ويتم ذلك بمساعدة المؤسسة الدينية التي يجب ان تتم غربلتها لتعرف دورها الحقيقي. * هل تقصد الأزهر؟ ** نعم, أين الأزهر الآن من أيام الشيخ علي عبدالرازق وعبدالحليم محمود, فهو يحتاج اعادة بناء من جديد. * ماذا تعني بأن الأزهر يحتاج إلي حالة بناء وغربلة من الداخل؟ ** أعني أنه يجب أن يخلو من الفكر الوهابي, طبعا وجود الشيخ الطيب شيخا للأزهر شيء يدعو للتفاؤل وبعضنا تعجب من اختياره, لكن الأزهر مازال يحتاج إلي اعادة نظر في قيادته والعقليات التي تصدر الفكر الديني داخله, فهو أهم مؤسسة دينية في العالم الإسلامي, وشيوخه هم من يظهرون في الفضائيات والميديا الجديدة التي سمحت بالممارسات المتشددة دينيا, ليس من الجانب الإسلامي فقط ولكن حتي في المسيحي, فتجد الأنبا بسنت يقول ان كل البروتستانت لن يدخلوا الجنة, ثم تجد كتابا لكاتب لا يفهم شيئا عن المسيحية يهاجم عقيدتهم بأفكار شعبية وسطحية منتشرة وهي غير حقيقية ولا واقعية, مثلما فعل يوسف زيدان الذي يتحدث عن اللاهوت العربي وهو لا يعرف الفكرة التي قامت عليها المسيحية, فيخطئ في حق العقيدة, نحن لدينا مشكلة في التفكير والثقافة لذلك قلت لك لابد من مشروع اصلاح ديني يحدث عليه توافق من النخبة المثقفة, يبدأ من التعليم ويمر بالزوايا التي تتخلي عنها الدولة والمؤسسة الدينية وتتركها للتمدد السلفي, لنشر خطابات دينية متشددة لا تحترم عقيدة الاخرين. * في رأيك لماذا ينتشر الخطاب السلفي؟ ** لأن هناك حالة يأس وفساد مرعب, فساد من القاعدة منتشر بشكل افقي ورأسي, مع ظواهر دينية مخيفة تستخدم وتبتز الدين محجبات ومنتقبات وفي المقابل انهيار قيم المجتمع, تمدد ديني غير طبيعي أصبح له الانتشار, والدين اصبح يستخدم كسلاح ضد القانون. * اذن فنحن نحتاج ثقافة للقاعدة قبل النخبة؟ ** نعم, وعلينا ان ننظر لتجارب الآخرين ونتعلم منها, فهناك تجربة مثل ماليزيا التي نفذت ما يسمي بالإسلام الحضاري, تركيا يحكمها حزب العدالة الإسلامي, لكنه اسلامي ومن يمارسون فيه السياسة ليسوا اسلاميين, ففي النهاية لا يمكن ان تقول للناس انزعوا مشاعركم الدينية, لكننا يمكن ان نعلمهم ألا يخلطوها بالسياسة, بوش متدين, لكنه اصبح رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس بالتدين, ولكن بالبرامج السياسية والديمقراطية الاجتماعية, كذلك أوباما, علينا أن نتعلم أن العلم هو الأساس وهو عنوان التقدم.