الذي احترف المديح منذ عشرة أعوام كاملة هل يمكن أن تتخيل أن هناك مداحا شعبيا مكتمل التجربة, من مواليد1987 إذا كنت لا تتخيل فتعرف معنا علي الشيخ أحمد حسن آخر عنقود المداحين في مصر.ولد الشيخ أحمد محمد أحمد أحمد بمدينة ملوي يوم4 يوليو1987 محافظة المنيا, وهي المدينة الروحانية الأقدم في مصر, فمنها خرج تحوت أقدم متصوف في العالم, ومنها خرجت السيدة ماريا القبطية, ومنها خرج عدد كبير من المتصوفين والمنشدين, آخرهم الشيخ أحمد حسن. الوالد هو رئيس الهيئة الزراعية بمدينة ديروط التابعة إداريا لمحافظة أسيوط, ورغم انتمائها لمحافظتين فإن ديروط هو المركز المجاور تماما لمركز ملوي. أما الوالدة فهي مسئولة في النيابة الحسبية, وأحمد هو الابن الوحيد لهذه العائلة المدنية تماما, له فقط شقيقتان صغيرتان, الكبري في حقوق أسيوط والصغري في الابتدائية. وربما كان الطبيعي لابن هذه الأجواء وهذا الزمن أن يحلم بالطب أو الهندسة أو الشرطة أو المحاماة أو التدريس أو غيرها من الوظائف العصرية لولا تعلق الأسرة بالتصوف والحضرات النبوية وارتباطها, خاصة الوالد, بالطريقة الخطيبية الشاذلية. وهكذا نشأ أحمد في بيئة مدنية لكنها في الوقت نفسه متصوفة, وهو ما جعله يواصل تعليمه المدني في المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية, ويواظب علي حضور الحضرات والليالي في الوقت نفسه. وفي سن الثالثة عشرة بدأ أحمد يدرك أن لديه موهبة في الانشاد والمديح, حين صرح لأول مرة في ليلة من ليالي الحضرة, وهنا علينا أن نشير إلي دور الأب والأم غير الطبيعي في عدم ممانعة توجه الابن الذي يعتبر غريبا, بالعكس اهتم الوالدان بهذه الموهبة, وبدأ في توفير الأجواء المناسبة لتنميتها. يصر أحمد علي أن هناك من شارك والديه الاهتمام به, والتركيز علي موهبته, وخلال لقائنا به, كرر التأكيد علي نسيان دور هذا الرجل أكثر من خمس مرات, فيقول إن الشيخ محمد أنور نائب رئيس الطريقة الخطيبية الشاذلية, فهو الذي أخذ عنه العهد, وهو الذي تعهده, وساعده علي تجاوز المراهقة بكل مشكلاتها, والوصول إلي النضج علي كل المستويات.. انسانيا وفنيا, حتي أصبح الشيخ أحمد هو مداح الطريقة الأول خلال فترة وجيزة, وذلك عندما وصلت سنه إلي التاسعة عشرة. كما يذكر الشاعر محمد خليل الخطيب, شاعر الطريقة الخطيبية الشاذلية, والذي غني الشيخ أحمد من أشعاره لفترة طويلة قبل أن يبحث عن أشعار جديدة حتي انه يغني هذا العام من أشعار شريفة السيد وهي شاعرة معروفة بكتابة الأشعار الدينية. وصل الشيخ أحمد إلي عمر الجامعة, فأصر علي استكمال التعليم المدني أولا, كان يريد أن يصبح أول مداح يحصل علي البكالوريوس. هو يفخر بذلك, ويحفظ التاريخ التعليمي للمشايخ, فيذكر لك أن الشيخ ياسين التهامي خرج من التعليم بعد الاعدادية, وأن الشيخ أمين الدشناوي غير متعلم.( بالمناسبة الدشناوي هو مثله الأعلي وأحب المداحين لقلبه), ويقول بفخر إن كل المداحين الذين سبقوه لم يصلوا إلي أكثر من الدبلوم المتوسط. وهكذا عرف الشيخ أحمد طريقه إلي قنا, للالتحاق ببكالوريوس الخدمة الاجتماعية, وخلال رحلة دراسته في قنا, كان هناك طريق مواز يسير فيه أحمد بثبات. فمحافظة قنا من أكثر المحافظات التي تمتليء بالموالد, وأضرحة الأولياء, يكفي أن بها مولد سيدي يوسف أبو الحجاج الذي يحييه عمالقة المديح والإنشاد كل عام, ولذلك كانت دراسته في مدينة مثل قنا داعما لطريقه كمنشد ومداح له طابعه وعلامته, والطريف هو تأكيداته, بحس الابن الحريص علي عدم اغضاب والديه, ان الحرص علي الذهاب إلي الموالد لم يمنعه عن المذاكرة ويدلل علي ذلك بأنه نجح في الحصول علي البكالوريوس خلال السنوات الأربع دون زيادة. انتهي أحمد من البكالوريوس, وفي الوقت نفسه كان قد ثبت قدميه وأكد موهبته في الإنشاد, ومن هنا كان التفكير في الاحتراف, وفي أن يهب حياته للذكر, فهو يعتبر أنه لا يجيد عملا بعيدا عن الإنشاد, وكانت الخطوة الأولي هو دراسة الموسيقي دراسة محترفة, حتي يستطيع الأداء من خلال المقامات الموسيقية, وهكذا بدأ الاغتراب الثاني للشاب الصغير. درس أحمد الخدمة الاجتماعية في أقصي صعيد مصر( قنا), التي تبعد عن محافظته المنيا600 كيلو متر جنوبا, لكنه حمل أمتعته, وتوجه بها إلي الشمال( القاهرة), والتي تبعد400 كيلو متر, ولكن شمالا, لدراسة الموسيقي في بيئتها الطبيعية, وهي معهد الموسيقي العربي, ومن خلال قسم الدراسات الحرة بالمعهد استطاع أحمد أن يحصن نفسه علميا, وأن يتمكن من المقامات الشرقية والانتقال منها وبينها. ثم بدأ طريق الاحتراف وإحياء الليالي. لم تكن هذه هي كل أسلحة الشيخ أحمد حسن, فهو كشاب متعلم ينتمي إلي القرن الحادي والعشرين, بدأ في دراسة الأمر من جميع جوانبه, وتشكيل وعي وإدراك كاملين لمجاله, وإذا تحدثت معه تكتشف أنه مستعد للحديث عن أي جزئية خاصة بالمديح, أو بالمداحين, ويقول الشيخ أحمد إن المديح بدأ منذ أيام الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه, لكنه يرجع البداية الحقيقية له كفن مستقل بذاته إلي بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين. واستقر المديح في النهاية علي أرض مصر, وأصبحت مصر هي البلد الوحيد الذي يحتضن المديح في العالم. كما يحاول أحمد أن تكون له نظريات في تاريخ المديح, فيقيم فرقا بين المديح والإنشاد والابتهالات, فيقول إن المديح هو الذي يقتصر علي حب النبي ويكون له شكل شعبي. بينما الإنشاد هو تناول موضوعات صوفية, ومواجد نفسية, وشكوي من الدنيا, ولذلك هو يعتبر الشيخ ياسين منشدا, والشيخ أمين الدشناوي مداحا, ويعتبر نفسه امتدادا للدشناوي, ويقول انه يتمني لقاءه, والتلمذة علي يديه, لكن هذا اللقاء لم يتم حتي الآن. احترف أحمد المديح, واتخذ الشكل الشعبي طريقا له, وبدأ يعرف طريق شركات الانتاج, فصدر له عدد من شرائط الكاسيت, والطريف أن أحد منتجيه رجل قبطي يدعي بيتر, لكن حبه لفن المديح جعله يتعلق بالمداحين, حتي انه افتتح شركة انتاج, وخصها لفن المديح. كما أحيا الشيخ حسن عشرات الليالي رغم سنه الصغيرة, إلا أنه يتحدث بفخر شديدحين تأتي سيرة الثقافة الجماهيرية. يعتبر الشيخ أحمد حسن انشاده في الثقافة الجماهيرية أو من خلال صندوق التنمية الثقافية هو أفضل انجاز له, ويردد دائما انه محظوظ للغاية لأنه حصل علي جائزة مداح مصر الأول من وزارة الثقافة, قطاع الفنون الشعبية. وبمناسبة الشعبية, فإن الشيخ أحمد يحرص علي الشكل الشعبي, ويعتبر أن هذا هو المديح, ولذلك يرتدي دائما الزي المناسب للمديح: الجلباب والعمامة, كما أنه يحرص علي جانب آخر, ربما لايكون شعبيا مائة بالمائة, وهو لهجته الصعيدية, رغم أنه يقيم بالقاهرة لفترات طويلة, مما يمنحه شكلا فلكلوريا مميزا. في الوقت نفسه يحرص علي حداثة المضمون فيستفيد من جميع أشكال التكنولوجيا, كما أنه من النتاوبة الكبار. أي أنه من مستخدمي شبكة الانترنت بكثافة, فله قناة علي اليوتيوب, وصفحة علي الفيس بوك وقريبا يدشن سايتخاصابه.