البداية: عاش الشيخ محمد شعبان ورحل مظلوما, فلم ينل حقه ولاحظه من الظهور وانتشار الاسم, رغم أنه لا يعاني من انعدام الموهبة ولا قلة الجماهير ولا إمكانات النجاح. وبحسب ابنه احمد محمد شعبان, فإن الشيخ شعبان ولد في محافظة الشرقية, تحديدا قرية كفور نجم بمركز الإبراهيمية, كان ذلك عام1946. وتتميز قرية كفور نجم هذه بأنها حالة تختلط فيها أجواء الفلاحين والتجار والصناع, ففي حين تعتبر من أوائل القري في زراعة الحبوب, فهي كذلك في مقدمة أسواق السمك والصناعات المرتبطة بالأرز. وهكذا كانت أسرة الشيخ شعبان تنتمي إلي الطبقة الوسطي بامتياز, وما ساعد علي هذا أن والده لم يكن ينتمي إلي أي من تلك الطوائف الاجتماعية, بل كان إمام مسجد وخطيبا وحافظا للقرآن, مما مكنه من الاختلاط بكل صنوف البشر. ووجوده الدائم في بيئة جماهيرية, هو ما ساعده لاحقا علي تجاوز مراحل صعبة وعصيبة في حياته كما نري لاحقا. الازهر مبكرا جدا ظهرت موهبة الشيخ شعبان, ومن هنا كان اختيار الشيخ ووالده( كان يسمي ايضا الشيخ محمد شعبان) أن يسلك طريق الانشاد الديني مستغلا تلك الموهبة الواضحة التي كان يزكيها كل من حول الأسرة. غير أن الشيخ قرر أن يستند في مشواره هذا علي العلوم بجانب الموهبة, فحفظ القرآن صغيرا علي يد والده, ثم تعلم مبادئ التجويد علي يد عدد من مشايخ الأزهر, قبل أن يكمل تلك الخطوة فيلتحق بمعهد أبو كبير الازهري, كان الوالد يرغب في تعليم ابنه تعليما أزهريا حتي لا يصبح مجرد مداح في مولد, وإنما كان يعده لإنشاد القصائد إلي جانب القصص الشعبية, وتحتاج القصائد بالطبع إلي منشد ملم باللغة العربية السليمة ليحافظ علي التشكيل, وأن يكون دارسا أحكام تجويد القرآن ليستطيع تقديم أداء سليم. كما يجب أن يكون ملما ايضا بالموسيقي ودارسا لها كي يحافظ علي المقامات منتقلا بينها بسهولة ويسر.( وهو ما تحقق بتعلم أصول الموسيقي علي يد مدرسين خصوصيين مهرة) لكن الأهم من وجهة نظر الوالد أن يكون المنشد عارفا لسيرة النبي صلي الله عليه وسلم ومحبا لها بهدف ايصال هذا المديح بطريقة سليمة. كذلك علي المنشد اختيار الألحان القريبة والسهلة ليبلغ المستمع بسهولة ويسر. كل هذا جعل الأب يتمسك بتعليم ابنه في الأزهر علي صعوبته, ورغم عدم تفرغه في ظل تعلمه اصول الموسيقي كذلك. وهو ما تحقق حتي وصل الي الثانوية الأزهرية قبل أن تأتي لحظة فارقة في حياته. اليتيم كانت اللحظة الفارقة في حياة الشيخ محمد شعبان هي وفاة والده, ويقول نجله أحمد إن تلك اللحظة أثرت علي مستقبل والده, سلبيا وإيجابيا, من عدة طرق. فقد توقف الوالد عن الدراسة مكتفيا بحصوله علي الثانوية الازهرية رغم أن إمكاناته كانت تؤهله للحصول علي إحدي الكليات النظرية علي الاقل, ولتكن كلية أصول الدين. كما أن الشيخ شعبان فقد بوفاة الوالد أهم نصير له في طريق الإنشاد والمديح, فقد كان الوالد متعهدا للابن بكل ما يلزمه في هذا الطريق. غير ان الأمر لم يخل من جوانب إيجابية, فقد تحمل المسئولية, ومن خلال عمله في الانشاد الديني دخل عالم المديح, وبدأ في تعلم إحياء الليالي, وممارسة المديح علي نحو عملي, كما أن تلك الفترة شهدت تعرفه علي أستاذه الذي كان له الفضل في استمرار الشيخ شعبان مداحا شعبيا. البنا. كان الشيخ محمد البنا نجما في محافظة الشرقية, والكثيرون يخلطون بين الشيخ محمد البنا المداح الكبير, ومقرئ القرآن الشيخ محمود علي البنا, وهما في الحقيقة مختلفان في كل شيء. كان محمد البنا مداحا شعبيا علي حق, فكان يستخدم القصص الوعظية الي جانب المديح الصريح, ومن اشهر قصصه التي تركت علامة في هذا المجال هي قصة جميل ووصال التي انتشرت في عموم وجه بحري في ستينيات القرن العشرين. التقي البنا بالشيخ محمد شعبان عقب وفاة والد الثاني, فكان هو أباه, ويمكن القول إن الشيخ البنا قد تبني الشيخ شعبان. من حيث استمرار تدريبه علي الإنشاد, أو من حيث إتاحة الفرصة له حتي يحيي الليالي, فكان يرسله بديلا عنه عندما يتخلف هو عن الليالي أو يكون مشغولا في إحياء ليلة لعائلة أخري. وظلت علاقة التلمذة والأستاذية بين الشيخ شعبان والشيخ البنا حتي رحل الاستاذ في أواسط السبعينيات, وفي سرادق عزاء الشيخ البنا كان صوت شعبان هو الذي يصدح بقراءة القرآن. الانتشار بعد أن رحل الشيخ البنا أصبح الشيخ شعبان هو المسئول عن إحياء لياليه, وكان الشيخ حتي هذا الوقت( كان في الثلاثين) يتحرك داخل حدود محافظة الشرقية, لكن مع كثافة الليالي التي أصبح يحيها بدأت شهرته في الذيوع والانتشار, وبدأت صيته يخرج من حدود المحافظة. واللافت للنظر ان الشيخ شعبان كان من قلائل المداحين الذين ينتمون إلي وجه بحري ويستطيعون تكوين قاعدة جماهيرية في صعيد مصر, فالبشر في الجنوب لهم ذائقة خاصة, سواء من حيث شخصية المنشد أو طبيعة ما ينشده, لكن الشيخ شعبان نجح في اختراق هذه القاعدة, وأحيا عددا كبيرا من الليالي في مختلف محافظات الصعيد. التليفزيون وكان من الطبيعي لمن جاب محافظات مصر إحياء للياليها أن تكون له ليال في سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة والسيدة نفيسة, وكل أولياء الله الصالحين في القاهرة وكانت هذه هي بوابة الشيخ شعبان حتي يتعرف عليه الباحثون عن المنشدين في التليفزيون والإذاعة, وهكذا عرف طريقة للاعتماد في المبني العتيق عام1980, ولم يجد الشيخ شعبان صعوبة في هذا الاعتماد, رغم أن مشايخ كثيرين كبارا لقوا هذه الصعوبة, منهم الشيخ نصر الدين طوبار الذي نجح في الاختبار السابع, بعد ست مرات من الرسوب. كان الشيخ يتميز بعلاقة قوية مع المشايخ الآخرين, حيث زامل المشايخ العظماء والتقي بهم جميعا في مناسبات عديدة, ومنهم الشيخ محمد عبد الهادي, والشيخ طلعت هواش, والشيخ محمد العزب, والشيخ محمد المصيلحي والشيخ وحيد ابو الحسن الشرقاوي والشيخ يحيي عبد الحميد فرج. كما كان يتميز بمصاحبته لأمهر العازفين الذين سجلوا معه كل تراثه, ومنهم عازف الكمان صلاح مجد الدين, وعازف العود اسماعيل الحلبي والمخضرم أحمد الارنب المصاحب حاليا للشيخ ياسين التهامي ومحمد الدمنهوري الذي كان أحد اعضاء فرقة الشيخ محمد عبد الهادي, وجميع هؤلاء من اسطوات الموسيقي خاصة الموسيقي الشعبية. حتي النهاية وقد ترك الشيخ محمد شعبان تراثا هائلا من شرائط الكاسيت منها15 قصة شعبية وعظية بالإضافة الي عشرة شرائط كاسيت, وعدد من التسجيلات الحية لليال قام بإحيائها. ورغم عمل الشيخ شعبان الكثيف في مجال المدح النبوي والابتهالات والقصص الشعبية فإنه كان موظفا عاما بوزارة الأوقاف حيث تم تعيينه عقب حصوله علي شهادة الثانوية الأزهرية كمقيم شعائر في الوزارة, وهو ما جعله يحافظ علي علاقته بتجويد القرآن وترتيله, فحصل علي عالية القراءات والتحق بنقابة القراء, وظل يعمل بالمديح والانشاد حتي آخر لحظة في حياته, فقد رحل وهو ينشد في حب النبي صلي الله عليه وسلم عام2004, عن سبعة وخمسين عاما فقط لاغير, أي قبل ان يصل الي عمر المعاش. وربنا يرحم الجميع.