يبدو أن المفاجآت في عموم الاناضول لن تتوقف, وربما تشهد الأيام القليلة القادمة قبل الاستفتاء علي التعديلات الدستورية المزيد منها. فحسب تخمينات ترددت بقوة ومازالت في الشارع التركي هناك مخاوف من أن يستقيظ البلاد والعباد صباح يوم الثاني عشر من الشهر الحالي, موعد الحسم في صناديق الاقتراع علي حزمة مواد لتغيير الدستور المثيرة للجدل والتي تبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم, علي شظايا تفجير قنبلة سياسية أشبه بتلك مع إختلاف التفاصيل التي عجلت بإقصاء دنيز بيكال من زعامة الشعب الجمهوري المعارض, وقد تكون أكثر شراسة وبالتالي تطيح بالاخضر واليابس, وتقلب الموازين رأسا علي عقب, ومرد هذ القلق العارم يعود إلي سلسلة من الاحداث المثيرة والتي بدت وكأنها تمهيد لما هو أخطر وبحيث لا تحمد عقباه. فقبل يومين بدأت الميديا مقروءة ومرئية تتحاكي عن كتاب ومؤلف, الأول لم يمر علي صدوره في المكتبات سوي أيام تعد علي أصابع اليد الواحدة, ورغم ذلك صار حديث الأوساط والمنتديات, وبات أكثر الكتب مبيعا. أما الثاني فهو رجل الأمن السابق' حنفي أوجي' صاحب المتن المثير والذي حوت سطوره أسرار امذهلة وحتي اللحظة لم يصدر ما يدحضها ويبين زيفها إذا كانت غير حقيقية, وهو ما يجعل التشكيك فيها أمرا صعبا, خاصة أن صاحبها كان حتي وقت قريب يتولي منصب مدير أمن مدينة' إسكي شهير' وسط غرب تركيا, أضف إلي ذلك أنه كان الصديق الصدوق لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان, والشخصية المقربة من رئيس الجمهورية عبد الله جول, وكان يشغل رئيس ادارة مكافحة الجريمة المنظمة وتجارة البشر التابعة لوزارة الداخلية, فضلا علي أنه كان من الشخصيات البارزة التي كشفت حقائق قضية' تداخل المافيا بالدولة' الشهيرة, والمعروفة باسم' فضيحة سوسورلك' قبل اثنتي عشرة سنة. وتتمحور سطور الكتاب حول تغلغل الجماعات الدينية في جميع أركان الدولة, وكيف أنها صنعت فكرة الانقلاب علي الحكومة والتي عرفت تارة بالارجينكون وتارة أخري بالمطرقة وألصقتها بالقوي العلمانية, فنفوذ الطريقة الدينية النورسية برئاسة الشيخ ورجل الأعمال البارز' فتح الله جولين' الذي اختار منذ سنوات الولاياتالمتحدةالامريكية منفي إختياريا قد تزايد في ظل حكومة اردوغان. واعتبر مدير الامن السابق هذه الطريقة خطرا يهدد النظام العلماني للجمهورية الكمالية, فأتباعها وما يمتلكونه من أموال ومصالح اقتصادية ضخمة يتولون مناصب رئيسية في مديرية الامن العامة وكذلك السلطة القضائية, موضحا في كتابه ان النورسيين الذين تمكنوا من اختراق الجيش حصلوا علي وثائق قاموا بتحريفها ثم سربوها الي وسائل اعلام ممولة من أكراد نافذين والتي حولتها إلي قصص الاطاحة بالحكومة, مؤكدا ان حقيقة الموضوع هي ان الشرطة ورجال النيابة الاعضاء في حركة الطريقة النورسية دبروا خطة لتصفية الشخصيات السياسية والعسكرية والاعلامية المعارضة لحكومة العدالة مشيرا إلي ان مخابئ الاسلحة التي عثرت عليها قوات الامن في عدد من المدن الكبيرة وفي مقدمتها العاصمة أنقرة واسطنبول هي من صنع الشرطة نفسها والدليل علي ذلك ان الاحزاب السياسية المعارضة اكدت منذ بداية الاحداث ان أتباع الطريقة الدينية النافذة في الشرطة والقضاء يتلاعبون بالادلة للمحاولة تصفية العلمانيين, وفي سياق متصل تعجب المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال اناضول عن سبب عدم اجراء تحقيق بشأن ما ذكره حنفي أوجي بدلا من النفي الذي لا يغني عن جوع أو كسب ثم متسائلا: الا يوجد مدع شجاع في هذا البلد ؟ المراقبون السياسيون رأوا ان الكتاب هو بمثابة اعتراف خطير من مسئول أمني كان مطلعا علي مدي تنامي الطريقة النورسية, وفي نفس الوقت يعتبر ما جاء فيه اتهامات مباشرة لحكومة العدالة بتدبير مؤامرة مدنية لتصفية العلمانيين علي عكس ما تدعيه بأنها كانت ضحية لمؤامرات أستهدفت الاطاحة بها عام2007, لكن الشئ الذي يدعو للدهشة هو اكتفاء حكومة اردوغان بالصمت علي أية حال فصدور الكتاب في هذا التوقيت من شأنه أن يزيد من كثافة الضباب حول المأمول تحقيقه من نتائج في الاستفتاء القادم الذي صار بدوره امتحانا بالثقة علي مستقبل الحكومة خاصة مع تقارب نسب المؤيدين والرافضين بشكل كبير وهو ما تظهره إستطلاعات الرأي, وربما هذا ما يفسر حملات الدعاية الرهيبة التي يقوم بها الحزب الحاكم في كل أرجاء البلاد علي أمل عودة الفارق الكبير لصالحه والظفر بالاستفتاء والبقاء في الحكم معا.