اتحاد الغرف السياحية يعقد جمعيته العمومية ويعتمد الميزانية الختامية    تباين نسبة الإقبال على التصويت في انتخابات الرئاسة الموريتانية    سيمون بايلز تشارك في الأولمبياد للمرة الثالثة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    محافظ المنيا يوجه بوضع آليات عاجلة والاستجابة الفورية لطلبات المواطنين    إطلاق برامج تدريبية مجانية على الخياطة والحاسب الآلي لسيدات جنوب سيناء    خبراء: نظرة على المنطقة تكفي لإدراك كيف أنقذت ثورة يونيو مصر من التقسيم والفوضى    آليات عسكرية إسرائيلية تقتحم قرية قصرة جنوب شرقي نابلس    الرئيس السيسى يحذر من توسع الصراع بالمنطقة خلال استقباله أورسولا فون دير لاين    محافظ قنا يقرر رفع كثافة فصول رياض الأطفال بجميع المدارس    أخبار الأهلي : كهربا مهدد بعقوبة جديدة فى الأهلي .. تعرف على السبب    فرص منتخب البرازيل في التأهل إلى ربع نهائي كوبا أمريكا    رد من فابريجاس على إمكانية تدريبه ل ريال مدريد    الزمالك: قراراتنا عن قناعة والكرة المصرية تعيش فسادا ماليا وإداريا    الأمن الاقتصادي يضبط 16201 قضية سرقة تيار كهربائي    رسائل عاجلة من التعليم بشأن امتحان الفيزياء لطلاب الثانوية العامة    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    نسرين طافش تنشر فيديو أثناء لعبها التنس.. والجمهور: "صباح النشاط"    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنانة سلوى محمد على خلال دورته ال 17    صراع السينما المصرية على شباك التذاكر.. "أولاد رزق وبيت الروبي وصعيدي في الجامعة الأمريكية" أفلام حققت أرقامًا قياسية بالإيرادات.. والشناوي: السيناريو ونجم العمل من أهم أسباب النجاح    رئيس العاصمة الإدارية يبحث مع السفير طارق الأنصاري نقل السفارة القطرية للحي الدبلوماسي    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    سلمى أبوضيف: قصة حبي حصلت صدفة والضرب في "أعلى نسبة مشاهدة" حقيقي    بيل جيتس: الذكاء الاصطناعى يمكنه إنقاذ البشر من تغير المناخ والأمراض    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    علامات مبكرة للذبحة الصدرية.. لا تتجاهلها واذهب للطبيب فورا    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    أستاذ تمويل: الاستقرار بعد «30 يونيو» أهم ركائز الاستثمار في مصر    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    نقيب التمريض تؤكد: مجلس النقابة سيظل داعمًا للوطن وقيادته    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    الاتحاد الأوروبي يعلن توسيع العقوبات المفروضة على روسيا    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    «رأسه أكبر من المعتاد».. أم تلقي بابنها من الطابق الثاني    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجي بولاق أبو العلا ل28 يوليو    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    جليلي وبيزشكيان يتنافسان في جولة الإعادة الرئاسية في إيران    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    السياحة تكشف حقيقة التحذيرات البريطانية والأمريكية لرعاياهما بشأن السفر إلى مصر    استطلاع: 66% من الإسرائيليين يؤيدون اعتزال نتنياهو للحياة السياسية    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري الممتاز    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حظك اليوم| برج العذراء السبت 29 يونيو.. بشائر النجاح والتغيير بنهاية الشهر    لقطات من حفل محمد حماقي في «ليالي مصر».. شكر «المتحدة» وأعلن موعد ألبومه الجديد    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    الأنبا باسيليوس يتفقد النشاط الصيفي بكنيسة مارجرجس ببني مزار    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحملة الانتخابية عجائب وغرائب والأزهر والكنيسة سلطتا ضبط اجتماعي:بعد إسدال الستار: تداول السلطة بين مبارك ومبارك..د. إيمان فرج
نشر في المصريون يوم 18 - 10 - 2005

طبقاً للتوقعات، ورغماً عن أنف كفاية ولعناتها، فقد فاز الرئيس حسني مبارك إذن بفترة رئاسية خامسة من ست سنوات. كان الفوز متوقعاً بالقطع، إنما يظهر غير المتوقع في هذا الكم الهائل من العثرات التي اعترضت الطريق إلي النصر . الحدث ان كان من حدث هو الفصل الأخير فيما يفترض أنه أول انتخابات رئاسية تنافسية تشهدها مصر، بما يعني نهاية عصر الاستفتاءات المكللة بالإجماع. نال الرئيس مبارك 88% من الأصوات، وهو ما يقل عن نسب الاستفتاءات الأربعة السابقة. أما نسبة التصويت، فلم تتجاوز 23% رغم تنافس عشرة مرشحين. البعض يري أن هذه النسبة قد جري تضخيمها، والبعض الآخر يعتبر أنها لا تسمح للرئيس مبارك بأن يستند إلي ما يتعين علينا من الآن فصاعدا أن نسميه ب شرعية صندوق الانتخابات . نصر متوقع إذن للرئيس مبارك، وانتخابات فشلت في جذب المصريين إلي صناديق الاقتراع، ومع ذلك، فقد أعادت الانتخابات صياغة ما يمكن أن نسميه ب المسألة الرئاسية في مصر، علي نحو لا يتفق مع ما استهدفه نظام الرئيس مبارك. ولمؤشرات وأرقام هذه الانتخابات دلالاتها المتعددة تبعا لأسلوب القراءة. فقياسا إلي سلسلة امتدت إلي السنوات الأربع والعشرين الماضية، تكشف الأرقام المخفضة نسبياً بالمفارقة عن نمط الاستحواذ علي السلطة، وتشكك في شرعية ممارسة السلطة الرئاسية علي امتداد أربع دورات، وتقوي من حجة ألد معارضي نظام الرئيس مبارك. وإذا ما عملنا بمقطع الأغنية سيبنا من كل اللي فات ، وتعاملنا اعتبارا من الحاضر، ومن شرعية جديدة تبدأ من نقطة الصفر، فهل تصلح الانتخابات الرئاسية كدليل علي حسن النوايا، أو ك بروفة جنرال لما قبل العرض الأول، بما فيها من أخطاء بشرية مغتفرة كالخروج عن النص؟ ذلك ما يروج له المدافعون عن الرئيس مبارك وحزبه، مع أن العيب هو في النص ذاته. فبعد أهازيج النصر، سرعان ما ظهر الخطاب الاعتذاري، وللتذكرة فقد حدد الحزب الوطني لنفسه هدفاً، هو دفع 50% من الناخبين المسجلين إلي صناديق الاقتراع. أما وقد أخفق، فالذنب كل الذنب علي سلبية المصريين الذين لم يفهموا قواعد اللعبة الجديدة. أما الرئيس مبارك، فلا ذنب له إن كانت خبرته في الحكم قد سمحت له بالإطاحة بكل منافسيه بالضربة القاضية. وفي داخل وعلي هامش من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين في الحزب الوطني والتسمية معتمدة علي ما يبدو في واشنطن ثمة من يروج لمقولة أن حكام مصر ومحكوميها عليهم من الآن أن يشرعوا في تعلم الديمقراطية معاً. أن تختار منافسيك أن يكون لكل نظام خصومه، فهذا أمر عادي. لكن أن يخفق إلي هذا الحد في اختيار منافسيه، ذلك هو الأمر غير العادي، خاصة مع اتساع هامش المبادرة المتاح للرئيس مبارك، فهو علي رأس نظام سلطوي بكل ما يعنيه من آليات: أغلبية برلمانية كاسحة وطيعة، حكومة غير مسيسة، ترزية قوانين وسلطات لا حد لها، يكفلها له الدستور. ومع ضخامة وأهمية هذه الموارد، فإن ما تكشف عنه الانتخابات الرئاسية أولاً هو خطأ الحساب السياسي الفادح، فيما يتعلق باختيار سائر اللاعبين أو الممثلين، أنه ال casting كما يسميه أهل الإخراج. فالسؤال المطروح ليس من الذي يترشح ضد (أو مع، فالنتيجة واحدة) الرئيس، وإنما ضد من يترشح الرئيس حتي يصبح لفوزه المتوقع معني، أي معني؟ أسفرت تعديلات المادة 76 لا عن إخلاء الساحة من المنافسين فحسب، بل عن استحالة الإيهام بالتنافسية. فهناك أولاً الشروط التعجيزية التي فرضها التعديل الدستوري علي المرشحين المستقلين بما يعني استبعاد ما قد يطرأ من ترشيحات جادة أو علي الأقل مثيرة للجدل المجتمعي. لم يتبق إذن سوي قيادات الأحزاب التي حصلت استثنائياً ولغرض هذا الاقتراع، علي تسهيلات سوف تختفي مع الانتخابات الرئاسية لعام 2011. وسرعان ما اتضح أن ما أضافته الأحزاب الصغيرة السبعة من طرافة علي المشهد الانتخابي، قد دعم الشكوك حول اختلاط الجد بالهزل. أما عن الأحزاب الكبيرة ، فقد التزم كل من الحزب الناصري والتجمع بمقاطعة الترشيح. و يبدو أن القيادات قد تجاوبت علي هذا النحو مع أهواء قواعدها، التي كانت أقرب إلي دعوة المقاطعة التي رفعت لواءها حركة كفاية، من خارج النظام السياسي وأحزابه. وقد اتضح لاحقا أن لمقاطعة الحزبين وقع أكبر بكثير من ثقل الحزبين ذاتهما، إذ حرمت الرئيس مبارك من منافس محتمل له مصداقية. هذا وقد ترددت أسماء مثل المشير أبو غزالة أو عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية، وإن لم يتجاوز ذلك حدود الشائعة، إلا أنه كان يعبر ربما عن أهواء وأمزجة بعض المصريين. أما فرضية ترشيح الأستاذ خالد محي الدين، أبرز الضباط الأحرار علي قيد الحياة، آخر الرجال المحترمين، والأكبر سنا من الرئيس حسني مبارك، فقد طرحت بقوة. وقد توارت الفكرة، واختفت معها فرضية خيالية عن مرشح واحد يحظي بإجماع المعارضة. يكمن مكسب دعاة المقاطعة في الخطاب السياسي الاحتجاجي المصاحب لهذه الدعوة، والتي تحقق له رواج غير مسبوق، تكفلت به وسائل الإعلام المستقلة. وإلي الوسائط الاعتيادية يضاف احتجاج افتراضي ولكنه مكثف: انتشرت الدعوات والنكات عبر المحمول، ظهر المصورون والمراسلون محترفو الهواية، وتسابق المدونون في نشر آخر الأخبار وتحميل أحدث الصور: إنه أرشيف الزمن الحاضر، يتم تأسيسه مواكبة للحدث ذاته، متاح فورياً للجميع، يشارك في صناعته الغفير قبل الوزير، ولكنه إلي الآن محدود بحدود الأدوات. وإذا كنا بصدد مقارنة الحملات، فقد كانت حملة المقاطعة هي الأكثر نجاحا، لا بتأثيراتها المباشرة، وإنما بما قد تخلفه من علامات في المجال السياسي، وفي الذاكرة السياسية للمصريين علي السواء. وتتجلي إمكانات دعوة المقاطعة من خلال ملامح المشهد القاهري اعتباراً من السابع من سبتمبر: توارت عن كاميرات المراسلين متاريس وكوردون الأمن المركزي، وشهدنا لحظة التحول التاريخي من الوقفة الاحتجاجية إلي المظاهرة السيارة والانتقال السلس من كفاية إلي باطل . لم يبد أن ثمة أي تناقض، أو أن اليأس قد عشش في هذا الفريق. وعلي نفس المنوال امتزجت دعوتا المقاطعة والرصد الشعبي للانتخابات، وثمة ما يدفع إلي القول بأن الأولي قد حفزت الثانية وبشدة، الأمر الذي يدلل علي أن الهامشيين يمكن أن يؤثروا في المؤسسات. صحيح أن مناطحة زئبقية الدولة الرخوة السلطوية، قد تكون أصعب من الصدام مع نظام سلطوي قوي، وصحيح كذلك أن من شأن بعض الإصلاحات الجزئية (كحرية التعبير بلا تغيير) أن تطيل من عمر الأنظمة السلطوية، من دون أن تغير من طبيعتها. علي أن ذلك يصدق بشكل خاص في حال أنظمة تتمتع بالحد الأدني من العقلانية والكفاءة في الحفاظ علي مصالحها، ومن ثم علي الحد الأدني الضروري من الصالح العام. أما ما نحن بصدده فرداءة في الأداء، تستعصي علي التحليل السياسي، وتمد معارضي نظام الرئيس مبارك بالحجج الدامغة. أما وقد تسيدت كمان علي كفاية، وغلبت الكثرة الشجاعة، فالسؤال مطروح حول مصير أو مستقبل كفاية وأخواتها ، في غياب خبرات محلية سابقة تقبل القياس: فقر ما بعده فقر في الخيال السياسي، ذلك الذي يدعو حركة إلي الدخول في حظيرة الانضباط السياسي، أو الاختيار بين بدائل متناظرة التعاسة (حزب، جمعية). يبقي الرهان العسير علي إطلاق العنان للخيال السياسي في خضم المعترك: خيال يدفع بالحركة أولا إلي التمسك بما كان ولا يزال ما يميزها الحضور في الشارع بالمعني الحرفي وقد صار رصيدا مشتركاً ومتاحاً لقوي المعارضة إن هي أرادت، وخيال يقودها ثانية إلي استحداث أساليب فعل ودوائر تأثير إضافية تؤسس للبدائل السياسية. علي أن كل ذلك يتوقف علي قراءة وتفسير ما تمر به كفاية من تغيرات والتي قد تشير إلي التحول من حركة إلي شبكة شبكات : وليس مثل هذا التحول سلبيا أو إيجابيا في ذاته، بقدر ما يتوقف الأمر علي قدرة تفعيله. ما بين أحزاب قبعت في مقارها منذ ما يزيد علي ربع قرن، وجماعة محظورة ، وحركة عجزت عن استئجار صالة أفراح لعقد مؤتمراتها، يتفاوت كشف حساب الربح والخسارة، لكن الأمر المؤكد أن المعايير تختلف بالنسبة للرئيس مبارك. علي من يفوز الرئيس بعد إخلاء الساحة من المنافسين؟ إن مقولات من قبيل مافيش بديل و اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش ، ليست بالضرورة إطراء علي شخص الرئيس في ظل قواعد اللعبة الجديدة. كان الإخراج يقتضي خصماً أقوي ونسبة فوز أقل، لكنه مرة أخري تواضع الأداء. لم تكن الانتخابات الرئاسية سوي حلقة إضافية في مسلسل العمليات الانتخابية المصرية التي كان الهدف منها دوما هو انتقاء المعارضة، لا تحديد الأغلبية، وجاء الفشل هذه المرة مدويا. صورة الرئيس لا نزعم أن الحملة الانتخابية للرئيس مبارك قد أثرت سلبا وإيجابيا علي ما حققه من فوز، فهذا أيضاً مما لا يمكن إثباته. الأمر المؤكد أنها تعبر عن خلاصة إبداعات الرؤوس المفكرة في الحزب الوطني، خاصة الشابة منها، والتي تتطلع لحكم البلاد. فكان أن أطل علينا الرئيس مبارك بصور ثلاث: الأولي بالأبيض والأسود لصاحب الضربة الجوية عام 1973 (ياااااه ه)، وهي تدفع إلي مقارنة تلقائية بالصورة الحالية كما نعرفها، والتي تطل علينا عشرات المرات في اليوم الواحد، منذ سنوات، وقد ترك عليها الزمن علاماته. ويا ليتهم وقفوا عندها، إذ سرعان ما طلت الصورة الثالثة المركبة وهي الإضافة الحقيقية لمبدعي الحملة الرئاسية: شباب دائم (والمقارنة التلقائية هنا هي الحاج متولي). بدأت الحملة أمريكاني ولكن سرعان ما غلب الطبع علي التطبع وعادت ريما لعادتها القديمة، ففي مواجهة العبور إلي المستقبل التي بدت باهتة، خيمت علي البلاد سحابة سوداء من اللافتات التي تؤيد وتبايع معا دائما ، حتي أخر العمر ، إلي النهاية ، من اختاره الله أو باركه الرب ، وصارت الحملة حملتان، فكأننا أمام معركة جانبية غلبت فيها الوسائل التقليدية المستقرة لأباطرة الحزب الوطني المتمرسين، علي اجتهادات الهواة من الحرس الجديد المتمترسين في لجنة السياسات (راجع الكتل الخراسانية البهيجة حول مقر الكامبين). وقد ثبت أن الحرس الجديد عاجز عن الحديث أو الإنصات أو حتي لفت الأنظار، وأنه لا يتمتع بدهاء ولا شعبوية ولا معلمة الحرس القديم (قارن محمد كمال / كمال الشاذلي). خرج الفريق الجديد من الحملة أكثر تماسكا ربما وأكثر نفوذا، وتصدرت الصحف الرسمية صورة عائلة الحزب الوطني، تماما كصور المناسبات العائلية التي يبتسم فيها الجميع علي مضض، الأمر الذي يطرح السؤال حول تقسيم العمل في الانتخابات التشريعية القادمة داخل الحزب الوطني، بين المهندس والمقاول ومقاول الأنفار. ولسنا ببعدين عن مقاربة أخري بين حضور الحملة الرئاسية المتلفزة، وجمهور الحزب، إذ توضح خبرة الشهور الماضية أن ثقافة التظاهر ليست بالأمر المستحيل، شريطة أن يعترف للمواطنين بهذا الحق. أما مظاهر تأييد الرئيس، فهي تتمثل في ضرب المعارضين وفي السباب، عوضاً عن الهتاف. اكتوي بنار الحملة الرئاسية كل من بالغ في الاقتراب منها من مثقفين وفنانين وإعلاميين، ومحللين سياسيين. علي أن كل ذلك لا يقارن بحجم الخسائر التي نتجت عن الانحياز النشط لكل من شيخ الأزهر والبابا شنودة. وفي تواز نادر بين الأزهر والكنيسة، يبدو أن ما تكشف هو وجه المؤسسة الدينية الذي نفضل جميعاً ألا نراه: مكانة روحية رفيعة، نعم بكل تأكيد، لكنها أيضا سلطة ضبط اجتماعي وسياسي عند الحاجة، بل دونما حاجة في واقع الأمر، وهذا هو الأخطر. أما عن البرامج الانتخابية، فلا تحدث ولا حرج. جريا علي ما ورد في أمهات كتب العلوم السياسية، التي تضم فصلا عن البرامج في باب الانتخابات، أتحفنا المحللون بقراءة مطولة لبرامج المرشحين. فأشاروا عن حق إلي أوجه التشابه والاختلاف والقضايا الغائبة (فلسطين، العراق، العالم العربي والعالم) وإلي تميز برنامج المرشح أيمن نور (فترة رئاسية مختصرة، مشفوعة بجدول الإصلاحات السياسية الشهرية). علي أن المشكل يكمن في غياب أي وضعية للبرامج في الحملة الانتخابية. فالبرامج كما هو متوقع، تتكيف تبعا لخط يحدده المرشح الأقوي. ما الذي كان من الممكن أن يأتي به الرئيس مبارك، بعد 24 سنة من الحكم؟ لا شيء، وهو تحديدا ما أكد عليه مهندسو الحملة، فهو استمرار من أجل الاستمرار، بما يفترض أن يكون حساب الفترات الرئاسية الأربع إيجابياً. وللتذكرة فإن الفترة الرئاسية الثالثة
وصفت بالاستثنائية لزوم الانتقال بمصر إلي أعتاب القرن الحادي والعشرين. أما الرابعة فكان عنوانها الإصلاح الاجتماعي ومؤداها مكافأة تضحيات الأغلبية الصابرة، التي تحملت في جلد وفي صمت تبعات سياسات الإصلاح الهيكلي. فما أشبه الليلة بالبارحة. علي صعيد الإصلاحات الاقتصادية، اجتهد وزراء الحزب الوطني وشباب خبرائه في التدليل علي سلامة المؤشرات الكلية علي حين دفعت الأصوات المعارضة بتدهور صحة المريض. أما عن الإصلاحات السياسية، فقد يبدو للراصد من الخارج، أن الرئيس قد تبني جزءا من مطالب المعارضة، وأن يتحقق ذلك بعد 24 سنة من الحكم كل وقت وله أوانه كان كفيلا بإلقاء الشكوك حول حسن النوايا. والأهم من ذلك هو أن في توالي الأحداث ذاتها ما كان يدلل علي العكس، فاعتداءات الخامس والعشرين من مايو علي المعارضين والصحافيين كانت أمرا مشينا، أما الأكثر تعاسة فهو مشهد أسر المعتقلين، والذين قضي بعضهم في السجون ما يقرب من ثلاث فترات رئاسية. أخيرا فان بعض الإصلاحات السياسية الواردة في برنامج الرئيس مبارك، كان من شأنها أن تثير مخاوف المعارضة، مثل استبدال حالة الطوارئ بقانون لمكافحة الإرهاب، يدمج في صلب القانون ما كان استثنائيا. يبقي أن غالبية المصريين الذين تابعوا حملة الانتخابات الرئاسية، قد اهتموا بها علي ما يبدو علي طريقة البرنامج التلفزيوني عجائب وغرائب أو موسوعة الأرقام القياسية. وواقع الأمر أن الحملة لم تخل من طرائف ومواقف ضاحكة، ومقالب فكهة، أمدت المصريين بالمزيد من أسباب الضحك، وأكدت أنه إذا كان من سلطة مضادة تمارس في هنا البلد، بلا قيد أو رحمة، فهي سلطة السخرية. حراك سياسي يرجعنا تسلسل الأحداث علي المدي القصير إلي لحظة رفع شعار لا للتمديد ولا للتوريث قبل عام من الآن. لم تكن المطالب بالجديدة تماما، ولكن ميزتها نبرة الاحتجاج وما صحبها من فعاليات، والاستهداف المباشر والذي لا لبس فيه، للرئيس حسني مبارك ونجله. هل كانت مبادرة الرئيس مبارك بالتعديل الدستوري لفتة كريمة أم استجابة لمطالب وضغوط؟ الفارق ليس كبيرا والسؤال بذاته محدود الأهمية. ذلك أنه أيا كان الأمر، فمن الصعب أن نتجاوز عن النهاية المباغتة للفترة الرئاسية الرابعة وتعامل النظام معها كحدث مفاجئ، أضطر معه إلي الهرولة عبر كل هذه المنعطفات التاريخية. وإلي ضغوط الجدول الزمني، تضاف الضغوط الأمريكية، علي الأقل فيما نعرفه عبر التصريحات، والتي يمكن رسم منحناها البياني علي مدي الشهور الماضية، فهي تتصاعد غداة الأزمات والاعتداءات علي المعارضة، وما تلبث أن تخفت حين يقدم النظام وعودا أو ضمانات كافية من وجهة النظر الأمريكية. ومن الصعب كذلك أن نتجاوز عن كم الخدمات المتواضعة النوعية التي أسدتها الأغلبية للرئيس مبارك، حيث انقلبت بين ليلة وضحاها، من المعارضة المستميتة لأي تعديل في الدستور إلي الدفاع الشرس عن التعديل الدستوري. ولنتذكر ملابسات والتباسات المناقشات البرلمانية: فقد ثار نواب المعارضة علي ما بدا أنه تفصيل فج لاشتراطات الترشيح، لتتناسب ومواصفات المواطن جمال محمد حسني السيد مبارك، هنا أيضا تدخل الرئيس مبارك ووارب قليلا الباب الذي كان مفتوحا علي مصراعيه، وهنا أيضا، هبت الأغلبية كرجل واحد مشيدة بسعة صدر الرئيس. وعلي رأس حساب الخسائر، وبغض النظر عن التبعات السياسية، يأتي التعديل الدستوري ذاته، وما استتبعه من تعديلات في القوانين، رديئة الإحكام، وحافلة بالتناقضات الداخلية والعوار الدستوري. ركام هائل يضاف إلي ترسانة القوانين السيئة السمعة، والتي كان من المفترض أن يكون التخلص منها، هو ألف باء أي إصلاح سياسي، وإن كان متواضعا، وتتويجا لكل ذلك تأتي لجنة الانتخابات الرئاسية، حكم وطرف، مطلقة السلطات والصلاحيات. وأيا كان المقصود من وراء التحصين القضائي للجنة الانتخابات الرئاسية، فالحاصل أنه قد أصاب الانتخابات الرئاسية الضعيفة أصلا، بفقدان المناعة السياسية تظهر الرداءة جليا في سلسلة القضايا الأربع التي نظرتها محكمة القضاء الإداري في الثالث من سبتمبر: طعن في صلاحية أحد المرشحين، ودفع ببطلان الاستفتاء علي التعديل الدستوري، طعن في بعض أحكام قانون الانتخابات الرئاسية، دعوي من المنظمات الأهلية لإثبات حقها في الرقابة علي الانتخابات. تواصل المسلسل إلي مساء السادس من سبتمبر بل وإلي صباح يوم الاقتراع ذاته وبعد فتح اللجان. وإذا كانت ترتيبات اللحظة الأخيرة والموائمات السياسية قد حالت دون نشوب أزمة سياسية ودستورية حادة، فالأسباب ما تزال قائمة. ولا يكتمل مسلسل المفاجآت، وهو حافل بالأحداث بالنسبة لانتخابات بلا مفاجآت، إلا بالمطابقة مع الوجه الأخر للصورة. عندما انعقدت الجمعية العمومية لنادي قضاة الإسكندرية في منتصف أبريل الماضي، كانت مسألة الانتخابات واحدة ضمن قضايا أخري ذات طابع مهني، من بينها قانون السلطة القضائية وشروط استقلالها عن السلطة التنفيذية. هنا أيضا أفلحت الإدارة السياسية للأزمة في دفع قضية الإشراف القضائي علي الانتخابات، لتصبح ولو لحين، علي رأس اهتمامات قضاة مصر. وإلي أن تنتهي هذه المواجهة، فقد ناصر القضاة مطلب الإشراف الشعبي علي الانتخابات، وأعربت المعارضة عن دعمها لهم، وتأكدت كذلك عراقة التقليد الدستوري المصري، وأصبح في متناول القارئ المهتم أن يطالع مختلف التخريجات القانونية، لنصوص لم تعد جامدة بل نابضة بالحياة. أما المشاهد فبوسعه أن يكتشف وجوها لهذه الجماعة المهيبة التي يندر أن تظهر في وسائل الإعلام: شيئا مختلفا والمقارنة ليست في صالح السياسيين. بداية ونهاية حتي وان اتضح أن الانتخابات الرئاسية كانت أقل تزويراً من سابقاتها ويلزمنا في هذه الحالة مقياس محلي أصيل لا علاقة له بما تعرفه البشرية من معايير فإن الفائز لم يخرج منها أكثر شرعية. و يصعب علي ما يبدو بيع هذه الحجة إلا في واشنطن، إذا مما قررت أن نظام الرئيس مبارك ما يزال صالحا، أو مفيدا. تكمن المفارقة في أن الانتخابات الرئاسية التي أريد بها تجميل الفترة الرئاسية الخامسة، أو التهيئة لما بعدها، قد أتت إلي الآن بنتائج عكسية وبتفعيل سلط مضادة وضاغطة: من الشارع بالمعني الحرفي للكلمة، إلي ساحة المحكمة، مرورا بشاشات الفضائيات، وصفحات الجرائد المستقلة، وشبكة الويب، انتهاء بالرقابة علي الصندوق الانتخابي. كل هذه الساحات ليست جديدة، لكن الجديد بالقطع هو الروابط فيما بينها، والتي عجلت بها الفترة الرئاسية الخامسة، وما توفره هذه الروابط من موارد هائلة لمن يجيد استخدامها. وإذا كان من الصعب استشراف نتائج ذلك، فمن المؤكد أنه ليس في صالح الرئيس مبارك والذي بدا حتي الآن وكأنه يسجل أهدافا في مرمي فريقه. هل تتوالي الهدايا المجانية غير المقصودة بعد أن أسدل الستار علي الانتخابات الرئاسية؟ وهل يترجم الحراك السياسي إلي ضغوط مؤسسية؟ هل تشرع المعارضة في إعادة بناء قواها بدلا من الاكتفاء بالرهان علي أخطاء النظام وقصر مدي حساباته؟ وهل يولي المصريون اهتماما أكبر للصراع السياسي، بعد أن تظاهر في القاهرة والمحافظات، بضعة آلاف من الغاضبين؟ أسئلة يصعب الإجابة عليها وإن كان البعض يراهن علي أن الانتخابات التشريعية قد تأتي ببعض الردود، وبقي أن تبرهن الأحداث القادمة علي صحة هذه التوقعات. سرت كالنار في الهشيم مقولة أن الانتخابات التشريعية هي الاستحقاق الرئيسي ، ويكون ذلك مفهوما من قبل المعارضة علي اعتبار أن ما سبقها من انتخابات رئاسية كان محسوما مسبقا. أما أن يشارك الخطاب الرسمي في ذلك، بالإقلال من شأن ما جري، وكأن الانتخابات الرئاسية خدت الشر وراحت ، أو كأنها ما كانت إلا مقدمة ضرورية لما هو أهم، فهذا ما يدفع علي التفكير في تتابع مشاهد تداول السلطة بين مبارك ومبارك:1 فلندع جانبا ربع القرن الماضي، ولنبدأ من جديد 2 لا ترضون عن التعديلات الدستورية؟ هذه ليست إلا بداية 3 نتائج الاستفتاء علي التعديل الدستوري باطلة؟ مسألة ثانوية، دعونا نخوض التجربة 4 التنافسية مزيفة؟ ومن أين نأتي باللاعبين، المباراة تجريبية علي أية حال 5 هامش الخطأ في نتائج الانتخابات الرئاسية واسع جدا ؟ مازلنا نتعلم ولا تدع مثل هذه الأقاويل تثبط من حماسك لما هو آت، ابشروا، فالقوائم المعدلة للناخبين في الطريق وربما الصناديق الزجاجية. من سقطة إلي أخري، تظهر بداية الفترة الرئاسية الخامسة وكأنها نهاية عهد بائد. أم أن النهاية هي التي تخفت في ثوب البدايات، منذرة بتداول جديد بين الرئيس الأب والرئيس الابن؟ --------------------------------------------------------------------- القدس العربي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.