أكد القمص صليب متي ساويرس عضو المجلس الملي بالكنيسة الأرثوذكسية في حواره للأهرام المسائي أنه لا توجد أزمة في الفكر الديني لأن الدين ثابت, ولكن توجد أزمة في الثقافة عند المصريين. وأن الأقباط يعانون من تمييز يمتد منذ أربعين عاما ومظاهراتهم في الكنائس تأتي بسبب تأخر الدولة في حل قضايا صغيرة تتراكم وتصبح أزمات وطالب ببرنامج أسبوعي ثابت للبابا شنودة للحديث عن القيم الدينية مثل شيخ الأزهر في التليفزيون المصري. وفي حواره معنا أكد القمص متي ساويرس أن الفضائيات والاعلام الخاص جعل الدنيا سداح مداح, وأشار إلي عدم وجود لاعب كرة مسيحي في المنتخب القومي, كذلك عدم وجود رئيس جامعة مسيحي بالرغم من تفوق الأقباط في الخارج. وإلي نص الحوار: باعتبارك أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية في مصر, هل تعيش أزمة في الفكر الديني؟ لا توجد أزمة في الفكر الديني لأن الدين له ثوابت لا تتغير. ولكن نحن في أزمة ثقافة في المجتمع. فجميع الأديان تنادي بالمحبة والسلام والتفاهم مع الآخر ولكن للأسف أصبحنا نتربص بالاخر وهذه ظاهرة خطيرة في تزايد مستمر. * ما أسباب تراجع الفكر الثقافي للمصريين؟ هناك أسباب كثيرة لهذا التراجع من أهمها انتشار الفكر الوهابي في المجتمع ووجود الجماعات الاسلامية المتشددة والدولة لها دور في هذه الأزمة لأنها في فترة من الفترات وحتي الآن أرجعت كل الأشياء إلي المرجعية الاسلامية, فنجد مثلا عندما نتحدث عن أشياء علمية بحتة نرجعها إلي القرآن, ولا نجد أي ذكر للمسيحية وبالرغم من أن العلم يدرس للمسلمين والمسيحيين. * كيف تري الخطاب الديني في مصر؟ * استطيع أن أتحدث عن الخطاب الديني المسيحي, ودائما البابا شنودة يؤكد لرجال الدين المسيحي أن المنبر في الكنيسة هو لتعليم القيم المسيحية فقط مثل المحبة والتسامح والأمانة ولا يخرج الخطاب الديني عن ذلك. ونحن حريصون علي محبة الآخرين طبقا لتعاليم المسيحية. وظهر مؤخرا في المجتمع المصري التعامل مع المسيحية بشئ من التمييز ولم يكن موجودا في السابق. * معني كلامك أن المسيحيين في مصر يعانون من التميز الديني؟ ** طبعا توجد أزمة تمييز ديني ضد المسيحيين وهذه ظاهرة حديثة نسبيا ظهرت في الأربعين سنة الأخيرة, وذلك نتيجة ظهور الجماعات الاسلامية. * وهل أصبحت الكنيسة دولة منغلقة داخل الدولة نتيجة لظهور جماعات الاسلام السياسي؟ ** لا طبعا الكنيسة ليست دولة داخل دولة وعندما تقوم بأنشطة اجتماعية ورياضية وذلك نتيجة للغياب السياسي وعدم مشاركة الأقباط في العمل السياسي, بينما كان في السنوات السابقة المسيحيون يشغلون مناصب قيادية كبري في الدولة. * ولماذا لا يشارك الأقباط في حالة الحراك السياسي الموجودة حاليا؟ ** السبب الرئيسي في عدم مشاركة الأقباط في السياسة في الخمسين سنة الأخيرة هو وجود تمييز سياسي وديني ضدهم ولعبت ثورة يوليو دورا كبيرا في ذلك.لأن ثورة يوليو لم يكن أحد من ضباطها الأحرار مسيحيا وكانت القيادات المسيحية في الصف الثالث أو الرابع, بينما كان المسيحيون قبل الثورة يشغلون مناصب وقيادات مهمة في مصر. وحاليا بعض المتشددين دينيا يرون أن الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية لايصلح لمنصبه ويقولون كيف يكون المسئول عن بيت المال مسيحيا بالرغم من كونه عبقرية اقتصادية. *هل التعليم له دور في أزمة الفكر والثقافة الدينية؟ **طبعا مناهج التعليم لابد أن تتغير لأنها تدعو إلي التعصب, ونجد أن الدولة تضع جوائز للتلاميذ حافظي القرآن الكريم, وهذا شيء جيد, ولكن لا نجد مسابقات للطلاب المتميزين في فهم الكتاب المقدس. حتي لا يحدث تمييز. ويجب تعيين مجموعة من خريجي كلية اللاهوت في المدارس لتعليم الطلاب المسيحيين تعاليم الكتاب المقدس. *وهل لعب ظهور الفضائيات والصحف الخاصة دورا في الأزمة؟ *الفضائيات والاعلام الخاص جعل الدنيا سداح مداح ويستطيع أي شخص أن يقول ما يشاء بدون ثوابت ولا ضوابط علي خطابه, لدرجة أنهم أصبحوا يهاجمون رئيس الدولة شخصيا, في حين أن الكنيسة تحترم رئيس الدولة, ونحن نصلي من أجله. والكنيسة عملت صلاة خاصة للرئيس والوزراء فلابد من وجود إعلام منضبط, ويجب وضع خطوط حمراء لايستطيع أحد مهما كان أن يتجاوزها, ويجب كذلك تخصيص برنامج أسبوعي للبابا شنودة الثالث في التليفزيون المصري مثل برنامج حديث الروح لشيخ الأزهر, لكي يتكلم عن القيم المشتركة بين الطرفين لتقليل حدة التوتر الديني. *ما تفسيرك للجوء غالبية المصريين إلي رجال الدين في أبسط شئون حياتهم؟ *يلجأ المصريون من المسيحيين لرجال الدين في شئون حياتهم بسبب غياب الساسة حيث لا يوجد عضو في البرلمان أو حتي المجالس المحلية بالمحافظات يسعي لخدمة وحل مشاكل أبناء دائرته كذلك لعدم وجود أقباط بنسبة كبيرة في المجالس النيابية فأصبحت الكنيسة هي البديل السياسي. حتي المسيحيون الذين يتم تعيينهم في المجالس النيابية ليس لهم نشاط سياسي واضح, وأحيانا القيادة الدينية لاتعرفهم, والمفروض الذين تم تعيينهم تكون لهم شعبية في المكان الموجودين فيه. *لماذا يستخدم رجال الدين أسلوب التشدد في الخطاب الديني؟ *,هناك ثوابت معينة تلزم رجل الدين استخدام أسلوب الأمر والنهي, مثلا النهي عن فعل الجرائم والزنا والخطيئة وجميع الأديان تنص علي ذلك. *كيف تري العلاقة بين الحكام ورجال الدين؟ ** يرجع الحكام إلي رجال الدين في الأمور المتعلقة بالأمور الدينية ويكون الحكام في صف رجال الدين حتي لاتتعارض قراراتهم مع الدين لأنه ينبغي أن يطلع الله قبل الناس. *ما تفسيرك لقيام الأقباط بالتظاهر داخل الكنيسة؟ **السبب في تظاهر المسيحيين هو الدولة لانها تركت كثيرا من الأمور الصغيرة ولم تحلها بسرعة, بالاضافة إلي إلغاء بعض الضوابط الادارية التي كانت موجودة في السابق وكانت تهدي الناس, فمثلا عندما كان أحد المسيحيين يشهر إسلامه وقبل ذهابه إلي الازهر كان يحضر جلسات للنصح والارشاد بحضور أحد الآباء من الكنيسة. ولكن الدولة قامت بإلغاء جلسات النصح والارشاد منذ عامين, ذلك أعطي إحساسا لأولياء الأمور بالظلم لأنهم أصبح لايأخذون فرصتهم في لقاء أبنائهم ولارجل الدين أصبح يستطيع الجلوس مع الشخص الذي يريد تغيير دينه. هذا بالرغم من أن95% من حالات تغيير الدين لايكون التغيير فيها بسبب الدين, بل بسبب قصص الحب أو عوامل اجتماعية واقتصادية, ولو تم عمل جلسات نصح لهم يمكن أن يعدلون عن رأيهم, وذلك يعطي احساسا بأن العملية أصبحت خطفا. * كيف يمكن تطوير الخطاب الديني المسيحي؟ ** الخطاب الديني المسيحي ثابت لأنه لايتحدث إلا في الأمور الدينية فقط, ولايتحدث في دوائر أخري, وإذا حدث أن أحد رجال الدين تحدث في أمور أخري يكون ذلك حالات فردية, ولايوجد توجه من قبل القيادات الدينية للتحدث في عقائد الآخرين ومن يتجاوز ذلك يعاقب. * وكذلك الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لم يقوما بإعطاء توجيهات للشيوخ بالحديث في عقائد الآخرين. ** هناك حالة من الفوضي موجودة في المجتمع, وعدم محاسبة للمتسببين فيها من الطرفين, كما يجب أن يكون هناك إعلام منضبط يحث الناس علي التسامح وقبول الآخر, فإذا استمرت هذه الحالة سوف تؤدي إلي مزيد من التعصب وعدم الاستقامة. * وكيف يمكن حل الأزمة؟ * أولا لابد من إلغاء التمييز بين المسلمين والمسيحيين وتفعيل دور الأحزاب بما يسمح بالمشاركة السياسية للمسيحيين بمن فيهم الحزب الحاكم الذي يجب أن يضم بعض الأقباط ويكون هو المثل الأعلي في اختيار الكوادر السياسية المسيحية, وذلك للحد من أنشطة الكنيسة غير الدينية. * وهل ساعدت الصحف الخاصة والقومية في اشتعال الأزمة؟ ** نعم بعض الصحف الخاصة تبحث عن الإثارة, حيث إنها تقوم بوضع عناوين ضخمة كبيرة ويتضح أن الموضوع عادي, وهي تهدف إلي التوزيع فقط ولم تهتم بمناقشة الموضوع بشكل موضوعي, كما أن مواقع الانترنت أعطت فرصة كبيرة لزيادة الصراع الديني, وأصبحت هناك حرب دينية والدنيا أصبحت سداح مداح. * من وجهة نظرك كيف يمكن تقليل حالة التوتر الديني ؟ ** يجب عمل دورات تدريب وندوات لنشر الوعي الثقافي الديني المعتدل يحضرها القس والشيخ لترسيخ المحبة وأعلي قيم المسامح.