نشرت جريدة المصري اليوم صورة معبرة مليئة بالدلالات لمرشد الإخوان المسلمين وهو واقف يعلن بيانا سياسيا, وكأنه زعيم المعارضة المصرية وحوله للأسف الشديد مجموعة من الناشطين السياسيين ورئيس حزب الجبهة الديموقراطية من الذين يؤمنون بالليبرالية, ولكنهم قبلوا أن يسيروا في ركاب الجماعة التي سبق أن أعلنت عن مشروعها الأساسي وهو تأسيس دولة دينية في مصر انقلابا علي الدولة المدنية القائمة. ما هو تفسير هذا السلوك السياسي الغريب؟ وكيف ينساق سياسيون يدعون إيمانهم بالديموقراطية والليبرالية وراء جماعة الإخوان المسلمينيقال إن اشتراك الأحزاب السياسية المعارضة في غيبة ضمانات جدية لنزاهة الانتخابات يجعلها غير ذات جدوي ومن الأفضل مقاطعتها. وكيف ينساق سياسيون يدعون إيمانهم بالديموقراطية والليبرالية وراء جماعة الإخوان المسلمين, ويقفون وراء المرشد العام الذي وقف ليعلن خطة التغيير السياسي في مصر؟ إحدي الاجابات المناسبة علي هذا السلوك أن هذا الموقف ونعني التحالف علانية مع جماعة تدعي احتكار الدعوة للإسلام ومشروعها السياسي إقامة دولة دينية علي أساس مبدأ ولاية الفقيه علي الطريقة السنية إنما هو تغيير عن سياسات اليأس لهؤلاء السياسيين. فريق منهم ليسوا أعضاء في أحزاب سياسية معارضة, ولكنهم يبحثون بداية عن دور يلعبونه ويتيح لهم أن يظهروا في وسائل الإعلام, وكأنهم زعماء سياسيون كبار من زعماء المعارضة, مع أنهم لا في العير ولا في النفير بحسب التعبير التقليدي! هم شخصيات ليس لهم أي ماض سياسي, ولم يعرف عنهم من قبل اهتمامهم بممارسة السياسة, ولكنهم قفزوا فجأة إلي الساحة السياسية وعلا صوتهم, وشكلوا جمعيات سياسية معارضة تضم كلا منها أعدادا قليلة من الناس, ولكنهم مع ذلك ملأوا الدنيا صخبا وضجيجا! غير أنه كان من بين حضور هذا الاجتماع الذي دعا إليه المرشد العام للإخوان المسلمين رئيس حزب الجبهة الديموقراطية, وهو حزب ليبرالي جديد يمثل أملا في تجديد دماء الليبرالية المصرية, ولذلك رحب بنشأته عدد كبير من المثقفين. غير أن الحزب مر بأزمات عنيفة دارت حول من يكون رئيس الحزب, أدت إلي استقالة عدد من رموزه الكبيرة. إلا أنه واصل مسيرته بقيادة مثقف وباحث مرموق هو الدكتور أسامة الغزالي حرب, والذي كان رأيي منذ البداية أنه الأولي أن يكون أول رئيس للحزب, بحكم أنه صاحب فكرته وبذل مجهودات كبيرة في تأسيسه. استقر الأمر لرئيس حزب الجبهة الديموقراطية, وانتظرنا أن يسهم بإيجابية وفعالية في الممارسة الديموقراطية, وانضم إلي تحالف أحزاب المعارضة. غير أننا فوجئنا بأنه يدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية متحالفا في ذلك مع المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير, التي انشقت عن رئيسها السابق الدكتور البرادعي. وأكثر من ذلك أن وفدا تشكل لزيارة الأحزاب السياسية المعارضة لدعوتها لمقاطعة الانتخابات مادامت ليس هناك ضمانات لنزاهتها. وهذه في الواقع أغرب دعوة يمكن أن تصدر عن حزب سياسي, بل إنها في الواقع دعوة مناقضة للديموقراطية! وذلك لأن المبدأ الرئيسي في كل بلاد العالم أنه ليست هناك ديموقراطية حقيقية بغير أحزاب سياسية. ومعني ذلك أن حركات السياسيين المستقلين التي تعددت وتكاثرت في الحقبة الأخيرة, والتي يظن منسقوها أنها يمكن أن تقود التغيير في مصر متجاهلة في ذلك أحزاب المعارضة الشرعية, وهم باطل لا أساس له! ولنلق نظرة مقارنة علي النظم الديموقراطية في العالم. أساس الحركة هي الأحزاب السياسية وليس المستقلين. صحيح أن المستقلين من السياسيين موجودون في ساحة أي مجتمع ديموقراطي, ولكن وجودهم هامشي وتأثيرهم ثانوي. وذلك لأن الأحزاب السياسية صاحبة التوجهات الايديولوجية المختلفة والتي تنعكس في برامجها السياسية, هي ملح الديموقراطية إن صح التعبير! ويمكن القول إن الانتخابات البرلمانية الدورية تمثل فرصة ممتازة للأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها الايديولوجية, لكي تعرض برامجها الحزبية علي الجماهير, وتدرب كوادرها الشابة علي ممارسة الديموقراطية بشكل عملي ملموس, وترشح عددا من أعضائها في الدوائر الانتخابية المختلفة. قد يقال إن اشتراك الأحزاب السياسية المعارضة في غيبة ضمانات جدية لنزاهة الانتخابات يجعلها غير ذات جدوي ومن الأفضل مقاطعتها. غير أن هذه الحجة التي تبدو وجيهة ظاهريا تفقد مصداقيتها, لأن أساس عمل أي حزب سياسي ينبغي أن يكون هو النضال لتغيير الأوضاع الخاطئة, ونزول الأحزاب السياسية المعارضة للانتخابات من شأنه أن يجعلها تخوض معركة سياسية في سبيل إعلان مبادئها ومحاولة اجتذاب الجماهير إلي صفها. ويمكن لأحزاب المعارضة أن تطالب مؤسسات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات وأن تبذل جهودا حقيقية للفوز في الدوائر التي لها فيها مرشحون. غير أنه اذا تركنا موضوع مقاطعة الانتخابات جانبا, وهي مسألة علي كل حال ليس عليها إجماع حتي الآن من أحزاب المعارضة, فإنه يبقي السؤال كيف تقبل أحزاب سياسية تدين بالديموقراطية, وبعضها يرفع رايات الليبرالية عالية خفاقة وأن تنضوي تحت عباءة الإخوان المسلمين, وتقبل أن يقف المرشد العام للجماعة متحدثا باسم المعارضة ككل؟ ومن المؤكد أن هذه الأحزاب السياسية المعارضة, ومن بينها حزب الجبهة الديموقراطية وحزب الوفد الذي أثارت زيارته للمرشد العام للإخوان تساؤلات متعددة حول دلالاتها, يعرف قادتها تمام المعرفة تاريخ حركة الإخوان المسلمين. وهذه الحركة منذ نشأتها عام1928 علي يد الشيخ حسن البنا رحمه الله دخلت في صراعات عنيفة مع كل الأنظمة السياسية المصرية, علي تباينها واختلافاتها الإيديولوجية الكبري! دخلت في صراع مع النظام الليبرالي الملكي في عهد الملك فاروق, بعد أن اغتالت بعض عناصرها النقراشي باشا رئيس الوزراء والمستشار الخازندار وتم حل الجماعة, ثم اغتيل الشيخ حسن البنا بطريقة غامضة. وبعد ذلك دخلت الجماعة في صراع بالغ الحدة والعنف مع نظام ثورة يوليو1952 بقيادة الرذيس جمال عبد الناصر, وتم حل الجماعة للمرة الثانية, وأهم من ذلك حوكم عدد من قادتها البارزين, وعلي رأسهم سيد قطب رحمه الله بتهمة إعداد انقلاب سياسي علي الحكم وتم تنفيذ عقوبات الإعدام علي بعضهم. وحين جاء الرئيس السادات للحكم فتح الأبواب لقادة الجماعة الذين كانوا قد هاجروا من مصر, وعادوا وباشروا نشاطهم وأصدروا مجلة الدعوة مرة ثانية. ثم ما لبثوا أن تصارعوا مرة أخري مع الرئيس السادات. وفي عهد الرئيس مبارك دخلوا مع النظام أيضا في صراعات متعددة. وتفسير هذه الصراعات المتعددة في مراحل تاريخية شتي ومع نظم سياسية مصرية لها توجهات مختلفة تمام الاختلاف, يتمثل في أن مشروع جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها هو مشروع انقلابي يهدف إلي استعادة الخلافة الاسلامية التي سقطت, من خلال الانقلاب علي الدول المدنية باعتبارها نظما علمانية تطبق التشريع الوضعي وليس الشريعة الاسلامية. والإخوان المسلمون الذين يتحالفون اليوم مع أحزاب سياسية ليبرالية تتمثل استراتيجيتهم في إقامة الدولة الدينية, كما عبر عن ذلك مشروعهم لإنشاء حزب سياسي, والذي وزعوه علي مجموعة من المثقفين المصريين منذ سنوات. وقد جاءت في المشروع نص صريح بضرورة إنشاء مجلس أعلي للفقهاء تعرض عليه قرارات رئيس الجمهورية التي يصدرها في غيبة البرلمان, وكذلك قرارات المجالس النيابية لإقرارها. ومعني ذلك اعتراف صريح من الجماعة بأن مشروعهم السياسي يقوم علي أساس إقامة دولة دينية مصر! يشرف علي إدارتها مجموعة من الفقهاء. أي ببساطة تطبيق مبدأ ولاية الفقيه علي الطريقة السنية! ويبقي السؤال كيف يمكن لأحزاب سياسية ديموقراطية أن تتحالف مع جماعة تدعو لتأسيس دولة دينية علي أنقاض الدولة المدنية المصرية؟