منذ فبراير الماضى شهدت العاصمة السورية سلسلة من الأحداث، التى تشير إلى اختراق أمنى كبير تشهده الدوائر الأمنية السورية، تلك التى كان يشار لها بقوتها وسطوتها فى سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. المخابرات السورية شهدت تغيرات كبيرة منذ تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة عام 2000، هذه التغيرات يرى الكثير من المراقبين، أنها أحدثت نقلات نوعية فى عدد كبير من أفرع المخابرات السورية. لكن هذه التغيرات لم تطل أقوى ذراع فى المخابرات العسكرية وهى (شعبة فلسطين) هذا اسمها الحركى، بينما صلب عملها يتركز فى لبنان والعراق والخليج العربى، وكثيرا ما قيلت قصصا رهيبة عن أساليب التعذيب فى هذه الشعبة، التى يقال إن من يدخلها مفقود والخارج منها مولود. ويرى الكاتب والباحث السورى فى الشئون الأمنية أحمد مصطفى المنشد، إن السبب الذى دفع الرئيس بشار إلى عدم تغيير هيكلية هذه الشعبة لقوة رجالتها، وأبرزهم محمد سليمان مستشار الرئيس الأسد للشئون الأمنية الذى اغتيل فى أغسطس الماضى، كاشفا الخلل فى جهاز المخابرات العسكرية السورية. ويضيف المنشد، أن العملية جاءت عقب اغتيال عماد مغنية وسط العاصمة السورية دمشق، تلك العملية التى يشار فيها إلى تدخلات كثيرة، ورغم أن المتهم مكرر فى كل مرة وهى إسرائيل، لكن أجهزة المخابرات السورية وضعت يدها على وثائق واعتقلت أشخاصا لهم ارتباط بدولة عربية، مازلت الحكومة السورية تصر على عدم الحديث أو الكشف عنها لاعتبارات تراها دمشق، أنها ربما تزيد هوة الانقسام العربى الموجود أصلاً. ويأتى انفجار اليوم السبت 27 سبتمبر، ليضع الكثير من علامات الاستفهام حول: ماذا يحصل فى دمشق التى لم تشهد ولا حادثة اغتيال سياسى أو خرقا أمنيا أو انفجارا طيلة عقدين؟. الواضح، أن أجهزة الأمن السورية تعانى من الترهل فى القيادات (العسكر القديم) الذى يسيطر على مفاصل مهمة وحيوية فى القيادة الأمنية. أما النقطة الأهم، فهى تزايد عمل التيار السلفى الدينى بشكل كبير داخل الساحة السورية، والذى اتخذ من النهج المسلح أحد أهم الأهداف، حيث إن التيار السلفى زاد بعد احتلال العراق وقدوم مجموعات كثيرة من المجاهدين المتوجهين لمحاربة الأمريكان على الأرض العراقية، وطبعاً بعضهم يحمل أفكار القاعدة، وإن لم يكونوا موالين لهم. انفجار اليوم، وبحسب وزير الداخلية السورى اللواء بسام عبد المجيد، كان بسيارة ملغمة أدى إلى مقتل 17 شخصاً، ووقع فى تقاطع السيدة زينب على طريق أوستراد المطار، وهى منطقة مزدحمة فى أوقات الصباح، لكن القدر شاء أن يقع الانفجار يوم السبت، حيث لا مدارس ولا مصالح عامة وحركة التوجه إلى السيدة زينب شبه معدمة، لأن التجار يفتحون أبواب محلاتهم فى الحى التجارى بعد الساعة التاسعة صباحا، خصوصا ونحن فى أواخر شهر رمضان، إذن هناك سؤال آخر يقفز إلى الرأس إذا لم تكن العملية تستهدف إيقاع عدد كبير من الضحايا، فلماذا اختير هذا المكان وهذا الزمان؟. والإجابة لا تحتاج إلا تساؤلات من أحد المارة على طريق أوستراد المطار: هل هناك وزارة قريبة؟ .. الإجابة "لا". هل هناك مصالح حكومية؟.. الإجابة "لا". هل هناك مقر أمنى؟ .. الإجابة "نعم". ما هذا المقر؟، إنه مقر شعبة فلسطين التى قيل الكثير عن دورها فى كشف خلايا معادية للنظام السورى، واختصاصها بكافة القضايا العربية والشئون الداخلية للكثير من البلدان العربية، ولا يمكن لأى عربى أن يزور أو يقيم فى سوريا دون أن يكون ملفه الأمنى على أحد مكاتب ضباط تلك الشعبة.