ربما لم يرد القاص الشاب أحمد شوقي علي(22 عاما) أن يبشر في كتابه بمكارم الأخلاق كما فعلت كتب التراث كليلة ودمنة ورسالة أخوان الصفا, الانسان يحاكم نفسه وغيرهما حين لجأت للحيوانات كمعادل موضوعي للانسان يعلمه ما لم يكن يلقي إليه بالا, لكنه بكتابه الصادر حديثا القطط أيضا ترسم الصور حمل رسالة الدفاع عن الحكاية. ويدور كتاب القطط لأحمد شوقي حول شخصية محورية هي القط فتحي, ولا يناقش الكتاب قضايا انسانية بالمرة ففي هذا الكتاب تقمص الكاتب شخصية القط وأطلق خمس عشرة حكاية مزج فيها عالم القطط بأس *صاحبت فكرة الكتابة علي لسان الحيوان في كتب التراث سمة الوعظ والدفع بالرسائل الاجتماعية علي لسان الحيوان, فما كان موقفك من هذه السمة عند اللجوء لعالم الحيوان كحيلة؟ ** قد يكون للأدب هدف اجتماعي وليست رسالة, فمفهوم الرسالة يأتي أكثر مناسبة للوعظ الديني أو المنهج التعليمي الذي كان غرضا رئيسيا لكتاب كليلة ودمنة مثلا. ويختلف الأمر في الأدب, وإذا اعتبرنا أن فعل الفن هو السمو بروح متلقيه وأن هذا يعد هدفا اجتماعيا, ويختلف الشكل الذي قد يمثله هدف الأديب باختلاف طريقته واختلاف قناعاته وأيضا باختلاف القالب الذي يضع فيه عمله الإبداعي, ولنقل أن هدفي في هذا العمل أن أشعر القارئ بشيء من السعادة. * الشخصية المحورية في كتابك هي القط, لكنك مع ذلك خالفت كل ما هو معهود عن شخصية القط في كتب القص من صفات الخيانة والجبن فصدرت كتابك بأسطورة السفينة وأن القطط أكثر الحيوانات تواضعا؟ ** أزعم أن الأدب لايرسخ للأفكار المتعارف عليها, بل كثيرا ما يطمح لإيجاد تصورات ورؤي أخري عن تلك الإجابات الجاهزة والأفكار الراسخة.. هذا من جهة ومن جهة أخري, إذا افترضنا أن القط خائن مثلا, فهل من المنطقي أن يكتب عن نفسه أنه خائن؟ غير أن فتحي بطل الكتاب يعي منذ البداية هذا المفهوم عن القط, ويطمح لتغييره, ليس لأني ككاتب أؤيد تغيير مفاهيم الناس عن القطط, وإنما لأنه كبطل يتحدث عن واقعه الذي يعيشه والذي ليس بالضرورة أن يكون كارها له. * لكنك استعنت بحكايات التراث الشعبي والديني وحتي الخرافات حول القطط ولم تحاول تفنيد هذا التراث, بل عملت علي تأصيله؟ ** لم يكن همي أن أفند التراث أو أقوم بتأصيل أو نفي فكرة راسخة, وحقيقة أثناء كتابتي للكتاب لم يكن همي الأول أن أنطلق من التراث الشعبي والديني المرتبط بالقط بقدر ما كنت أسعي لصنع عالم خاص بالقط, ولأن هذا العالم غريب عنا كبشر, انطلقت فيه من روابط متأثرة بعض الشيء بالمخيلة الشعبية لكي أصنع رابطا حميميا بين عالم المتلقي وعالم القط. * في كتابك حس متصوف وجدت أصداءه في اللغة الرصينة وتناول موضوعات عن علاقة الروح بالجسد؟ ** السياق العام للكتاب هو ما فرض علي تلك اللغة, لما يحويه الكتاب من معارضة لبعض الأساطير, ولأني أردت إضفاء بعض من الخصوصية علي كتابي تجعله مختلفا عن سائر الكتب التي استخدمت الحيوانات ابطالا لها, والتي كانت تروي أحداثا لاتتغير بتغير أبطالها, الخصوصية التي أردتها هنا تخص شخصية البطل القط, الذي لايمكن استبدال أي حيوان آخر به, فمثلا قصة مثل الموت لا ينتسب إلي قبيلة الضباع لايمكن إلا أن يكون بطلها قط, لاما يتميز به من قدرة حيوانية أصبغتها عليه المخيلة الشعبية من رؤية للعفاريت ولملك الموت, ولما يختص به كقط ويتفرد به عن سائر الحيوانات من قدرته علي حمل الأرواح. فلقد أثر المضمون علي الشكل وتأثر به بالمثل. * آثرت الابتعاد عن الشارع بمشكلاته وقضاياه المعاصرة فلماذا اخترت أن يكون بطلك معزولا عن كل ذلك؟ ** ماذا سيهم القط إذا زاد ثمن رغيف العيش ؟... غرضي أن أصنع عالما للقط ولكن ببعض المؤثرات التي تصنع علاقة بين عالم المتلقي وعالم القط, هذا يعني أن يقدم القط عالما يريد أن يراه المتلقي, لا أن يفرض المتلقي شكلا يريد أن يري فيه القط. لم يكن هدفي بأي شكل من الأشكال أن أشرك الإنسان أصلا في العالم السردي للعمل, لأن القطط والحيوانات ببساطة تعيش بشكل هامشي في حياة الإنسان وبالمقابل يكون الإنسان هامشيا في عالمهم. * هل تري أن الميتافيزيقا يمكن أن تنال إعجاب القارئ الذي يحاول الهرب من الموروث الشعبي وينفر منه؟ ** يقول الكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فوينيتس لاتكون الكتابة جيدة إذا اكتفت بأن تعكس الأشياء أو تقلد الحياة فحسب, لكن حين تتحدث حول مالم يوجد بعد, أو ماهو موجود لكنه خفي أو ممنوع, عندئذ تصل إلي شيء أعظم أهمية. وأعتقد أن القاريء قد بدأ يضجر إذا لم يكن قد ضجر فعلا من استحضار الواقع بشكل نقلي بحت في الأعمال الإبداعية أو استعراض مشاكل الطبقات المهمشة الذي أصبح استعماله أقرب إلي الكلاشيه, ولا أخفي عليك قد وجهت سؤالك إلي قارئة ممن قرأوا كتابي فأجابت هناخد إيه من الكتابة الواقعية؟. * صدرت كتابك بكلمة للحكاية نشوة لايعرفها إلا حكاء, لكن هذه النشوة جعلت الراوي في الكتاب متسلط بعض الشيء يدخل بالشرح والتفصيل فهل كنت واعيا بهذا التسلط ولماذا اخترته؟ ** نعم كنت واعيا جدا لذلك, لكني لا أعرف هل وفقت أم لم أوافق في هذا القصد, فكل ما كنت أريده هو سد باب التأويل علي كل من يمنطقون الأشياء, لأن الذات الساردة للأحداث تري أن الأشياء تحدث لأنها فقط تحدث بكل بساطة. * في كتابك دفاع عن الحكاية كشكل أدبي فلا يمكن أن نسمي كتابك مجموعة قصصية بالشكل المتعارف عليه, فما تعقيبك؟ ** وهذا ماعمدت إليه بتصنيف كتابي كتابا قصصيا, وهو تصنيف ليس بجديد فأديب كبير مثل الأستاذ محمد المخزنجي دائما ما يستخدمه لتصنيف مجموعاته القصصية, ذلك أنه يري فيها رغم تنوع القصص داخل الكتاب الواحد رابطا أساسيا يربط جميع القصص ببعضها, وقد وجدت عندي هذا الرابط وهو الحكي الذي يظهر بشكل أساسي بطلا لجميع القصص, وليس القط كما اعتقد البعض, خاصة أنني أري أن قصص الكتاب لايمكن قراءتها بشكل منفصل, وتجب قراءتها كما جاء ترتيبها في الكتاب, ولكن هذا لايعطيها الميزة لأن تكون رواية لأنها تفتقد كثيرا من معايير التقليدية للرواية كما تفتقد أيضا كثيرا من معايير القصة القصيرة التقليدية, وبذلك فإنها تخرج علي التصنيفين.