شهدت الخرطوم في17 يوليو الحالي اللقاء التشاوري الدولي الأول حول قضايا السودان بمشاركة ممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والمبعوثين الدوليين للسودان ودول الجوار وقطر ومصر وليبيا وأوغندة وتشاد والنرويج والمنظمات الإقليمية والدولية. في الحقيقة تغيب ممثلو بعض الدول مثل روسيا ومصر وغيرهما وتم التمثيل علي مستوي السفراء أو أعضاء السفارات. لكن المبعوث الأمريكي سكوت جرايش كان حاضرا بشكل رئيسي! وقبل التطرق إلي ما دار في هذا اللقاء, كان لقاء الفاشر( عاصمة ولاية شمال دارفور) في5 يوليو مؤشرا علي حالة من عدم الفهم. فلم يشارك مبعوثوالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتم التمثيل علي مستوي السفارات فقط بينما شارك مبعوثو روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. وعموما فقد اقتصر النقاش, خلف الأبواب المغلقة, علي مشكلة دارفور. وغادر بعدها المبعوثون إلي الدوحة لاستكمال المشاورات. أما لقاء الخرطوم التشاوري, الذي يعتبر الأول للآلية التي انبثقت من اجتماع أديس أبابا حول قضايا السودان في8 مايو الماضي, فقد ناقش مجمل قضايا السودان, بما فيها سير تنفيذ اتفاق السلام الشامل, وقضية دارفور, ودور الأسرة الدولية. وفي الجلسة الافتتاحية قال رئيس مفوضية الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي رمضان العمامرة' إن لجنة الاتحاد الإفريقي توجهت إلي السودان بقرار مجلس الأمن الذي اتخذ في أكتوبر2009 وأشار المجلس في قراره إلي أن مقترحات اللجنة تؤمن برنامجا واضحا وطويل الأمد لتحقيق السلام والعدالة وإعادة البناء في دارفور وبالتالي سيسهم في إحلال السلام والاستقرار في السودان'. هذا في الوقت الذي وجهت فيه الأممالمتحدة رسالة قوية إلي الجهات المعنية في السودان بأن المجتمع الدولي مصمم علي المضي قدما في إقرار الأمن والسلام في الدوحة. وذهب مساعد الأمين العام آلن ألوا إلي التحذير مما يحدث للمدنيين وممثلي المنظمات الإنسانية' لابد من إيقاف كل أشكال العنف ضد موظفي الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية وندعو السلطات السودانية للقيام بكل ما بوسعها لتأمين سلامة هؤلاء الأشخاص كما نطلب منها تطبيق هذه القرارات بصورة عادلة وتطبيق خطوات عملية ضد من يقومون بأعمال العنف' أما حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان فهو موزع بين التحضير للاستفتاء علي حق تقرير مصير الجنوب والمواجهات مع حركات التمرد في دارفور ومباحثات قطر والمشاكل الاقتصادية والإنسانية الداخلية, مما جعل نبرة ممثله وزير الدولة بوزارة الشئون الخارجية كمال حسن علي في اللقاء أقرب إلي الدبلوماسية:' نريد أن يمثل ويمارس المجتمع الدولي المزيد من الضغوط علي الحركات المسلحة لكي تعلم أن الخيار الوحيد هو خيار المفاوضات وخيار السلام عبر المفاوضات'. وفي ظل غياب ممثلي دارفور عن اللقاء, تمكن ممثل حركة تحرير السودان وزير رئاسة مجلس الوزراء لوقا بيونج من وضع النقاط علي الحروف بشأن علاقة الجنوب بالشمال ومستقبل السودان:' اتصلنا مع من قاموا بمراقبة طريقة إجراء الانتخابات ونشاهد الآن التحرك نحو الديمقراطية. توجد هناك معوقات كثيرة في بداية الطريق ولكن الشعب السوداني اتخذ القرار في تغيير حياته. ولدينا الحق في إبداء رأينا بغض النظر عن الانتخابات وقد اتفقنا علي المبادئ الرئيسية علي إجرائها'. ثلاث نقاط أساسية تضمنها لقاء الخرطوم. وهي مراجعة الاستراتيجية المتعلقة بالسودان, وتحديد الأولويات بشأن العملية السياسية السودانية في ضوء جهود الوسطاء الدوليين, وتحليل التوجهات الإقليمية بالنسبة للسودان ودول الجوار والمنظمات الدولية والإقليمية. وفي نهاية اللقاء قال رمضان العمامرة ان المنتدي توصل لعدد من الاستنتاجات أهمها التوصل لحل عادل وشامل من أجل إنهاء أزمة دافور, وطالب المشاركون الحكومة أن تتخذ كل الاجراءات اللازمة للحفاظ علي بسط الامن بالتنسيق مع بعثة اليوناميد من أجل خطوات حاسمة لاسترجاع الأمن لربوع دارفور. وقال رئيس الاتحاد الإفريقي ثامبيو أمبيكي إن اللقاء كان فرصة لتناول التحديات مشيرا إلي أن المؤتمر وجد ترحيبا من شريكي الحكم في السودان( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية). من الواضح أن جميع الأطراف بما فيها السودانية لا تزال في مرحلة بلورة الأمور بشأن مستقبل الجنوب. بينما تبرز قضية دارفور إلي السطح كعائق يجعل أطرافا إقليمية ودولية كثيرة تدلي بدلوها علي الطريقة التي تناسبها. غير أن استفتاء تقرير مصير الجنوب في9 يناير2011 لا يعني أي شيء إلي الآن في ظل الاتهامات المتبادلة بين شريكي الحكم في السودان, والمشروعات التنموية المفاجئة التي اتفق عليها هذان الشريكان, ما دفع البعض إلي التساؤل عن غياب هذه المشروعات في السابق, بينما وصفها البعض الآخر بالرشوة من جانب حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم لاستقطاب أصوات سكان الجنوب في الاستفتاء المقبل من أجل التصويت لا علي الوحدة بالضبط وإنما علي مشروعه الخاص. وكذلك من جانب حركة تحرير السودان التي يعرف قادتها أنهم غير قادرين علي إدارة دولة قد تظهر إلي الوجود وبالتالي يحاولون تدشين شكل من أشكال العلاقة( لا اتحادية ولا انفصالية) مع دولة الشمال تسمح لهم فيما بعد بالانفصال الكامل. كل ذلك علي خلفية التصعيد في دارفور ودخول أطراف إقليمية ودولية, وظهور اتهامات جديدة للرئيس السوداني بالإبادة الجماعية في دارفور من قبل المحكمة الجنائية الدولية. موقف حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم لا يزال غير واضح إلا إذا اعتمدنا حملة الأغاني والإعلانات في جميع أنواع وسائل الإعلام والتي تحض علي الوحدة. بينما موقف حركة تحرير السودان متنوع. فهناك من يدعو إلي الانفصال التام, وهناك من يدعو إلي اعتماد السودان دولة واحدة متعددة الأعراق والديانات والثقافات, ما يحتم اعتماد نظام سياسي واجتماعي ديمقراطي. الأمر الذي لا يتوافر لا لدي قيادات حزب المؤتمر الوطني ولا الحركة الشعبية لتحرير السودان. هناك اتجاه ثالث يري أن شريكي الحكم في السودان لم ولن يتخلصا من تركة الماضي ولكنهما في الوقت ذاته بحاجة ماسة إلي بعضهما البعض من أجل الوجود الدائم في السلطة والاستئثار بمقدرات السودان سواء كما هو عليه الآن أو كدولتين جديدتين استبداديتين, لأن قضايا التعددية العرقية والدينية والثقافية لم تحل لا في الشمال ولا في الجنوب, ولم تحل في السودان الحالي, ولن تحل في سودان ما بعد الاستفتاء سواء بقي دولة واحدة قابلة للتفتيت أو أصبح دولتين عنصريتين فيما يتعلق ببعضهما البعض أو بسكان كل دولة من داخلها.