بخلاف مطبوعة اوراق مصرية ظلت ارفف المكتبات المصرية خالية من أي مطبوعة دورية تهتم بالتنقيب في تاريخ مصر المعاصر ورصده من خلال المصادر المتاحة في الاراشيف المختلفة. الي ان اصدرت مكتبة الاسكندرية دوريتها ربع السنوية ذاكرة مصر المعاصرة التي تحوي نذرا مما قام بجمعه وتصنيفه المشروع الذي يحمل ذات الاسم. والذي يقوم بجمع وتسجيل جميع الاحداث والشخصيات والاماكن في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر وحتي الآن تحت اشراف د. خالد عزب. ينطلق مشروع دورية مصر المعاصرة من فكرة اتاحة التاريخ لغير المتخصصين ليكون اساسا من أسس المعرفة العامة خارج قاعات الدرس. وهو ما دعا المجلة الي التركيز علي الصور واراشيف الصحف لتستمد من خلالها اغلب المواد المنشورة في عدديها اللذين صدر ثانيهما أخيرا ويفتتح العدد الثاني بغلاف لافت يحمل وردة فوتوغرافية لعدد من السقائين تبدو الصورة الفوتوغرافية وكأنها لوحة رسمها احد الفنانين المستشرقين ممن امتلأت بهم مصر منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتي بدايات القرن العشرين يسجلون مشاهد من الحياة اليومية وما عدوه عجائب من سحر الشرق لينتقل العدد بعد ذلك بين موضوعات متفرقة كان اولها نصا للقرار الجمهوري بتأميم شركة قناة السويس عام1956 مصحوبا بصورة لطابع بريد تذكاري اصدرته مصلحة البريد المصرية بمناسبة تأميم القناة. اما ثاني الموضوعات فكان ما سجله د. عماد ابو غازي عن جده النخات الكبير محمود مختار من خلال ارشيف الفنان الراحل الذي يحوي مجموعة من الوثائق والصور التي يؤرخ معظمها لمراحل متفرقة من حياته الي جانب مجموعة من اعماله الفنية المفقودة. يبدأ مقال استاذ التاريخ والوثائق د. عماد ابو غازي بتوضيح ان الارشيف القومي لا يحوي هذه الوثائق والاوراق الخاصة مبينا اهميتها التاريخية, التي لا تتضح الا اذا تمتع ورثة اصحاب هذه الأوراق بالحس التاريخي والوعي بأهمية هذه الأوراق وضرورة اتاحتها للباحثين والمهتمين من خلال المتاحف والمكتبات العامة. مضيفا ان الارشيف الشخصي لمحمود مختار انقسم الي ثلاثة اقسام كان اولها في حوزة ابن شقيقته الناقد الراحل بدر الدين ابو غازي والد د. عماد ابو غازي الذي سعي لضم القسم الثاني من الاوراق والصور التي وزعت بين اصدقاء مختار وتلاميذه ومنهم علي كامل الديب السكرتير العام لجمعية اصدقاء مختار في مراحلها الاخيرة واخيرا القسم الذي احتفظت به صديقة مختار الفرنسية مارسيل دوبري ورغم ان الاسرة اودعت كل هذه الصور والوثائق في متحفه الا ان جزءا كبيرا منها لم يحظ بالنشر. وهو الجزء الذي يؤكد د. عماد ابو غازي انه غني بالتفاصيل عن حياة مختار وفنه والحياة الفنية والسياسية والاجتماعية في عصره. ومن بين الصور التي حواها المقال صورة نادرة لمختار في مرسمه بباريس وسط مجموعة من اعماله المفقودة يظهر فيها جدار المرسم وقد غطي بنسيج الخيامية التي خيط عليها اسم الرسول صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وبعض الآيات القرانية ووقفت بينها مجموعة من المنحوتات بينما يجلس مختار مخططا سكتشا مبدئيا لتمثال جديد الي جانب صورة لسكيز نموذج مبدئي لتمثال نصفي مفقود لأم كلثوم. ويمضي المقال في استعراض عدد من الخطابات الشخصية التي توضح نشاط مختار في الجمعية المصرية بباريس التي انسحب منها مبكرا بعدما دب الخلاف بين اعضائها علي خلفية شقاق بينهم وبين حزب الوفد. وخطاب آخر يوضح قرب مختار من شخصية مثيرة للجدل عزيز باشا المصري الذي يوضح عماد ابو غازي انه لعب دورا غامضا في السياسة العربية والمصرية في النصف الاول من القرن العشرين. ينتقل العدد الثاني من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة بعد ذلك الي استعراض سريع لبدايات الصحافة المصرية من خلال صورة للعدد الاول من مجلة الوقائع المصرية, الموضوع الثالث يرصد حياة الفنانة السينمائية الراحلة عزيزة امير اول منتجة ومخرجة سينمائية مصرية وقدم العدد صورا أرشيفية لاعمالها. كما حوي موضوعا حول مسلتي الاسكندرية القائمتين بلندن ونيويورك, وآخر حول تاريخ مصر وبطولاتها في الدورات الاوليمبية. الا ان الموضوعات المهمة الاخري التي افردت لها المجلة عددا كبيرا من صفحاتها كان موضوع سوزان عابد حول الترمواي وحوي الموضوع صورة للترمواي يمضي في منطقة بريف الجيزة ويبدو علي مبعدة منه الهرم الاكبر وجمل يرعي. وينتقل الموضوع ليرصد التغييرات التي احدثها دخول وسيلة المواصلات الجديدة هذه بالقاهرةوالاسكندرية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ضم العدد كذلك تقريرا يرصد تطور الخارجية المصرية منذ بدأت كمصلحة لترجمة مخاطبات الحاكم الي دول العالم وتيسير شئون التجارة المصرية الدولية حتي وصلت الي شكلها الحالي. وتحت عنوان فينيسيا القاهرة تقدم المجلة الفصلية جولة في منطقة بركة الفيل والازبكية والخليج المصري, هذه المناطق التي تميزت بوجود خلجان من المياه تتخلل العمران فيها.