نحن نعرف من تعاليم ديننا الحنيف انه لا كهنوت في الاسلام لماذا تقصر جبهة التكفير تلك جهودها علي مطاردة المفكرين والمثقفين يعد القانون الأساس المكين للدول الحديثة كلها, ذلك القانون العام المجرد الموضوعي الذي يسوي بين المواطنين جميعا, هو ما يميز تلك الدول الحديثة القومية عن امم العصور الوسطي التي حكمتها التقاليد او الشرائع او السلطات التحكمية او الاعراف القبلية والعشائرية والامبراطورية. ومن هنا فأنا لا اعرف علي أي اساس من النظام والقانون تقوم جبهة التكفير تلك المسماة جبهة علماء الازهر, فتعطي لنفسها حق اتهام الناس بالكفر والردة وآخرهم الكاتب مجدي الدقاق, الا اذا كان الامر لا يعدو سوي كونه لونا من الوان البلطجة الفكرية والثقافية تتستر برداء الدين من ناحية, واستثمارا لحالة الاسلمة التي غزت المصريين وهيمنت علي الشارع مصري, واستغلالا لاسم الازهر النبيل, وانا اظن ان الازهر منهم بريء ونحن الآن في حاجة لبيان شاف من الدكتور صاحب الفضيلة شيخ الازهر يوضح فيه ما اذا كان من حق جبهة التكفير تلك ان تحمل اسم الازهر وتنطق بلسانه ام ان الازهر منها بريء, ولقد تعلمت في الازهر ردحا طويلا من الزمن وحصلت علي شهاداتي كلها منه وعرفت فيه معلمين وشيوخا ضربوا لنا المثل في حفة القول ونزاهة القصد واحترام الاختلاف وليس ببعيد عنا السيرة العطرة للشيوخ مصطفي عبد الرازق ومحمود شلتوت والباقوري والفحام وغيرهما ولكن اهم ما استفادت منه جبهة التكفير تلك هو عدم الاخذ بالدستور الذي تقيمه الدولة ولا للقانون الذي ينظمها مأخذ الجد, فما دام الدستور ينتهك هنا وهناك ومادام القانون في معظم الحالات غير ناجز, فما المانع هنا ان تقوم تلك الجبهة اللقيطة, بانتزاع سلطات النائب العام والمحاكم: فتتلقي البلاغات وتحقق فيها, ثم تصدر الاحكام بالارتداد والتكفير تاركة لأي ارهابي شارد ان ينفذ حكمها طمعا في الاجر والمثوبة. واذا كان الدستور في مادته47 يؤكد حرية الفكر والتعبير, فماذا فعلنا لتأكيد تلك الحرية ومنع تلك الانواع العديدة من البلطجة الفكرية باسم الدين والتي طالت في العقود الاخيرة كل مفكرينا ومثقفينا ويكفي ان نشير بسرعة الي بعض تلك الرموز مثل: الشهيد فرج فودة, الراحل نصر حامد ابو زيد, نجيب محفوظ, حسن حنفي, زكي نجيب محمود, فاروق حسني, الفنان عادل امام, جابر عصفور, سيد القمني, اقبال بركة, احمد عبد المعطي حجازي, اسامة انور عكاشة, حسن طلب, حلمي سالم. انا اعلم ان كل ما قامت به الدولة ازاء تهديد تلك الجماعة للازهر وشيخه الراحل هو انها قامت بحلها والغاء تسجيلها القانوني, وهنا اضطرت الجماعة للرحيل الي الكويت وفي الحقيقة انني لا اعلم وضعها هناك هل هي ذات وضعية قانونية معترف بها, ام انها معرفة فقط هناك كجماعة اسلامية وكل المعروف عنها انها صاحبة منبر الكتروني ذائع الصيت تقوم بتكفير الناس من فوقه. واذا كانت جبهة التكفير تلك لا تقوم علي أي اساس من القانون والنظام, فانني في نفس الوقت لا اعلم علي أي اساس ديني تقوم تلك الجبهة ايضا, فعلي أي آية من آيات الله تستند وتقوم وتتجمع وتنشيء المواقع الإلكترونية, وعلي أي حديث من احاديث رسولنا المصطفي, تتلقي البلاغات وتنتزع السلطات وتقوم بنفسها بالتحقيق واصدار الاحكام بالردة والتكفير, نحن نعرف من تعاليم ديننا الحنيف انه لا كهنوت في الاسلام, وليس بين المرء وخالقه شيء من سلطان او رجال دين, وان المسلم ليس في حاجة الي شهادة من احد تؤكد حسن اسلامه, وعمق ايمانه, فمن وكلها لتنقب في ضمائر الناس وتشق عن صدورهم وتفتش في قلوبهم عن ادلة الكفر والزندقة ومن عجب ان هذا كله قد يتم ببعض الاوراق التي لا تخرج عن كونها تعبيرا عن خلافات شخصية او مشكلات في العمل, فالذي نشر حول قضية مجدي الدقاق ان بعض زملائه ممن بينه وبينهم خلاف في العمل قد تقدموا ببلاغ للنائب العام حول الفاظ وكتابات مجدي الدقاق التي تتهمه بالردة والهرطقة, فانتزعت جبهة التكفير ذلك البلاغ وقضت بمجرد قراءته بكفر الرجل, دون فحص او تمحيص او مواجهة, او حتي سؤال الكاتب المعرض لتلك التهمة السخيفة, فهل هذا كله من الدين وهل هان الدين علي اصحابه وعلمائه الي استخدامه ذلك الاستخدام السفيه؟ وبعد فانني اعرف ان الازمة ستمر, وان الزبد سيذهب جفاء وان ما ينفع الناس سيمكث في الارض, ولكن من واجبي ان اتساءل: لماذا تقصر جبهة التكفير تلك جهودها علي مطاردة المفكرين والمثقفين, واذا كانوا فعلا من العلماء الذين يحملون علما ويحوزون فقها, فلماذا لا يجتهدون لا ستنقاذ بلادنا مما تعانيه؟!. واين جهودهم في ارساء مبادئ التكافل الاجتماعي وتوزيع الثروة والعدالة علي اسس عصرية؟!. واخيرا فان القضية تكشف عن الخلل الاخلاقي الذي اصاب بعض مثقفينا من الصحفيين والعاملين بالمؤسسة الصحفية التي كان من المفترض ان تكون قلعة للتنوير لا وكرا لخفافيش الظلام, فبدلا من ان يحددوا مناطق الخلل واشكال التقصير ويتقدموا بها الي الجهات المختصة: كالنقابة او النيابة الادارية, او نيابة الاموال العامة, فانهم يقدمون بلاغا يتهمون فيه رئيس التحرير بالردة والكفر. وسوف يظل ذلك الخلل قائما مالم تقم الدولة بواجبها وتحمي حرية الفكر والاعتقاد والتعبير وتلغي كل القوانين التي تجيز التفتيش في صدور الناس, بل وتعاقب من يتهم انسانا في عقيدته, وتمنع كل السبل لممارسة هذا العبث, ومالم تقم الدولة بذلك سنظل مصداقا لقول المتنبي يا امة ضحكت من جهلها الامم.