قبل ثلاثين عاماً قرر المفكر السوري هاشم صالح أن يسافر إلي فرنسا من أجل أن يكمل دراسته في الأدب وليصبح شاعراً وناقداً أدبياً، ثم قرر أن ينخرط في عالم الفكر والفلسفة، يمكن القول ان هذا كان أهم قرار اتخذه ليس فقط من أجل نفسه ولكن من أجل القضايا محل البحث، فقد لعب دوراً تنويرياً كبيراً اصبحت المنطقة في حاجة ماسة إليه. يختلف هاشم عن كثير من المهتمين بالفكر والتنوير ونقد الأصولية لأكثر من سبب يختلط فيها العلمي بالشخصي، بالإضافة إلي ثقافته الواسعة وعلميته الواضحة وتجربته الطويلة، فهو شغوف بشكل شخصي بأزمة الفكر الإسلامي وبغضه للتعصب والاستبداد الديني بجميع أشكاله، يعترف بأنه اختار أركون ليترجم له لأن الأخير يجمع بين العملية والألم الشخصي الذي لا يخل بحياديته. صالح مفكر سوري ومترجم يعمل استاذا للفلسفة بجامعة السوربون له العديد من المؤلفات في مجال الفكر الاسلامي منها: تاريخية الفكر الاسلامي، "الفكر الاسلامي.. قراءة عملية"، "الإسلام والأخلاق والسياسة"، وشارك مؤخرا في مؤتمر الترجمة العالمي بالقاهرة والتقته روزاليوسف وكان هذا الحوار: لماذا اصبحت الظاهرة الدينية سببا في كثير من مشاكل شعوب المنطقة؟ - للأسف الشديد هذا حاصل وهو نفسه ما دفعني للانشغال بهذه القضية واتخاذها مجالا للبحث لأني من اصل عربي اسلامي كما ان الإسلام أصبح قضية العصر سواء في الشرق أوالغرب علي السواء وتجديد الفكر الإسلامي أصبح ضرورة ملحة اليوم لكي تتوصل مجتمعاتنا الي فهم اكثر استنارة لديها وعقيدتها ولاسيما ان آليات الفكر الإسلامي السائدة الآن تنتمي الي مناخ العصور الوسطي.. نحن بحاجة الي تطوير فهمنا للإسلام لكي يتناسب مع العصر ويشكل مفهوما حداثيا عقلانيا كي لا نصطدم بالعصر كما هو حادث حاليا نتيجة للفهم العقيم للإسلام الذي لم يعد متناسبا مع حركة العولمة. ما ملامح الأزمة التي يعانيها الفكر الاسلامي؟ - الصورة المقدمة عن التراث الاسلامي يغلب عليها الطابع التاريخي والمثالية المفرطة، وفي العصر الحديث ظهرت حركات الإسلام السياسي التي تلخص أزمة المجتمعات العربية الإسلامية، ففهمها للإسلام لا يمكن ان يتصالح مع الحداثة بسهولة لأنها لا تزال أسيرة الماضي، لكن من جهة اخري هذه الحركات تلبي حاجة تاريخية هي ان الناس يعانون كثيرا وهم يلعبون علي هذه المعاناة ويمدون ايديهم بالمساعدة للطبقات الفقيرة وبالتالي يسهل بعد ذلك استقطابهم للأفكار الرجعية التي تصطدم مع العصر. هل التيارات الدينية سبب المشكلة أم انها جزء منها؟ - الاثنان معا، فالتيارات المتطرفة تعتمد أسلوب التكفير واستباحة الدماء واعتقادهم انهم علي صواب وباقي المجتمع علي ضلال وهم بذلك يصنعون مشكلات في الداخل والخارج مع كل أمم الأرض ونحن في غني عن هذه المشكلات لأننا كمسلمين لا نستطيع محاربة العالم أجمع ونعيش في صدام معه. ما السبيل للخروج من هذا المأزق؟ - لا شك ان اختيار عالم مستنير بقامة د.أحمد الطيب شيخا للأزهر الشريف سوف يجنبنا الصدام مع الآخرين بقدر الإمكان فهو رئيس أكبر مؤسسة دينية إسلامية في العالم وتصريحاته بخصوص التصالح بين السنة والشيعة مطمئنة لاحتواء الصراع بينهما والذي قد يؤدي الي وقوع فتنة لا يعلم مداها الي الله.. الطيب يستخدم لغة جديدة مع الغرب ويقدم صورة مضيئة عن الاسلام عقلانية ومسئولة يستطيع الغرب فهمها والتعامل معها بإيجابية ونحن في حاجة إلي هذه الوسطية لأننا لا نستطيع تحمل غضب العالم كله علينا. وماذا عن دور النخب العربية في محاربة الأفكار الظلامية؟ - التيار العلماني لا يزال جنينا يضم قلة من النخبة المثقفة ولكنها مرشحة للتوسع عندما يشرحون لعامة الناس ان العلمانية لا تعني الإلحاد وانما الحرية في ممارسة الشعائر الدينية لكل طوائف المجتمع، فالدولة العلمانية في أوروبا تجمع كل الأديان والعقائد وتعاملها كلها علي قدم المساواة، فرنسا مثلا الدين الغالب فيها تاريخيا هو المسيحية في مذهبها الكاثوليكي، والدولة الفرنسية لا تعترف بهذا المذهب كمذهب رسمي للدولة لأن هناك مواطنين غير كاثوليك كالمسلمين واليهود والبروتستانت والبوذيين والدولة الفرنسية تحترم هذه الاديان مثلما تحترم دين الأغلبية. وأين تري موقع دول المنطقة من هذا الشكل للدولة؟ - بالتاكيد الأزمة ستجد طريقها للحل عندما نفصل الدين عن الدولة ونشكل دولة القانون الحديثة التي يسود فيها القانون علي جميع المواطنين بالتساوي..أوربا علمنت الدستور ومؤسسات الدولة وحل القانون المدني محل القانون الكنسي القديم او الشريعة المسيحية واعتقد ان العالم العربي الاسلامي سوف يسير في نفس الاتجاه.