بداية لابد من القول أن الحديث عن الوظيفة التي قامت بها اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط منذ نشأتها لاعلاقة له بالتصريحات التي تتناول إزالتها ومسحها عن الخريطة, وهذا التوضيح ضروري بالنظر الي ان وسائل الاعلام والقوي المساندة للدولة العبرية تجد في تلك التهديدات فرصتها لاظهار الكراهية المحيطة بها لجلب التعاطف والتأييد, فضلا عن المعني الأهم وهو تحويل الأنظار عن القضية الأساسية التي نحن بصددها اليوم. واذا كان صحيحا, وهو صحيح بالفعل, أن الموقف الأمريكي يظل الأكثر تأثيرا علي حاضر ومستقبل الصراع العربي الاسرائيلي ومن ثم تقرير مصير عملية السلام التي تعد الطريق الوحيد لاعادة الأمن والاستقرار الي هذه المنطقة المضطربة من العالم. وبعيدا عن التصريحات والمواقف الرسمية المعلنة من الادارات الامريكية المتعاقبة والتي تكرر الالتزام بأمن اسرائيل والتحالف الاستراتيجي معها وغيرها من كلمات واوصاف وصفات نحفظها عن ظهر قلب فان المتغيرات الهائلة علي الساحة الدولية تقودنا الي رؤية جديدة ومختلفة تشير الي ثقوب تتسع في الغطاء الامريكي المعروف والمعتاد علي السياسات والممارسات الاسرائيلية بما يهدد بسقوط هذا الغطاء واستبداله بنهج جديد لايضطر معه الي مخالفة جميع الاعراف والمواثيق الدولية كما هو حاصل الان. الرؤية التي نتحدث عنها تتطلب الفحص الدقيق للمراحل المختلفة لذلك التأييد الامريكي المطلق الذي يواجه اختبارات قاسية تفرضها ثقافة لاتعترف الا بالحسابات الصحيحة وارقام المكسب والخسارة والتي لها وحدها القرار والحسم وهو مانجده واضحا عندما تلجأ المؤسسات والشركات الكبري الي الاستغناء عن موظفيها دون الرضوخ لأي اعتبارات انسانية أو غيرها. وفي هذا السياق نحاول البحث والتنقيب في تلك الشراكة القائمة والتي كانت في مجملها في اتجاه واحد حيث تنقل شرايين الحياة لاسرائيل كل أنواع الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي الامريكي, وكانت لذلك اسباب جوهرية. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية حان موعد تنفيذ الوعد البريطاني الشهير,وتزامنت نشأة اسرائيل مع بدايات الحرب الباردة بين القوتين العظميين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي ومحاولة كل منهما استقطاب الحلفاء بجميع السبل التي كادت تؤدي في أحيان وأحداث كثيرة الي المواجهة والتصادم فيما بينهما. جاءت منطقة الشرق الأوسط في صدارة الأحداث في ذلك الوقت ليس فقط لما تملكه من ثروات هائلة وموقعها الجغرافي الفريد, وانما لوجود نموذجين واضحين كان من شأن تفوق أحدهما أن يحسم والي حد كبير المعركة المستعرة بين واشنطن وموسكو تحولت ثورة يوليو المصرية الي حركة تحرر من جميع اشكال الاستعمار والتبعية في المنطقة وفي العمق الافريقي وتجاوبت معها شعوب العالم واصبحت نموذجا يحتذي دون محاولة اخفاء خصوصية علاقة الصداقة مع الاتحاد السوفيتي وبالضرورة قامت اسرائيل علي الجانب الاخر بالوظيفة الاساسية التي أوكلت اليها لتكون النموذج الديمقراطي الذي يعبر عن المفاهيم المناهضة للشيوعية والاشتراكية علي حد سواء ونستطيع أن نصف تلك الفترة بالحقبة الذهبية في العلاقات الامريكية الاسرائيلية التي توجت بالضربة العسكرية المؤلمة في الخامس من يونيو عام1967 والتي أتاحت الفرصة للترويج بهزيمة نهائية لمصر ونموذجها, وانتصار ساحق لاحدي الولاياتالامريكية التي باتت تقع في الشرق الاوسط. لكن المفاجأة الكبري جاءت بعد سنوات قليلة لاتقاس بعمر الزمن حين استردت مصر الارض والكرامة في حرب أكتوبر المجيدة والعبور العظيم ليقضي علي الاسطورة الكاذبة, وتجد الولاياتالمتحدة نفسها امام الحقيقة التي سعت إسرائيل دوما إلي إخفائها وسارعت واشنطن بعملية إنقاذ غير مسبوقة تحدث عنها الرئيس الراحل انور السادات قائلا انه لن يحارب أمريكا. وهنا تحديدا انتهت الحقبة الذهبية وان ظلت الخصوصية قائمة في اعطاء الاولوية لضمان امن اسرائيل الي المدي الذي يهدد عملية السلام التي انطلقت ولأول مرة بمبادرة مصرية. وتوالت الخسائر بالنسبة للوظيفة الاسرائيلية عندما انهار الاتحاد السوفيتي وفقدت اسرائيل ورقة رابحة باعتبار أنها كانت تقف ضد المد الشيوعي, ثم وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001 لتوجه هي الاخري ضربة قاصمة الي الوظيفة الاسرائيلية في رعاية وحماية المصالح الامريكية. أدركت الولاياتالمتحدة أن تأييدها الأعمي لاسرائيل قد تحول الي خطر داهم يتهددها في عقر دارها, وأن استمرار السياسات الامريكية علي حالها من شأنه أن يزيد أعداد المتطرفين والمتشددين الذين لن يتورعوا عن القيام بالمزيد من العمليات الارهابية. استطاعت اسرائيل ان تحصل علي تفويض امريكي لمعالجة هذا الوضع البالغ الخطورة والادعاء بأنها تستطيع ايقاف ذلك كله, وقامت بعدوانها الوحشي علي لبنان وفشلت, ثم قامت بعدوانها الوحشي علي غزة وفشلت ايضا, وكانت النتيجة مشاهد مروعة ذهب ضحيتها المدنيون الابرياء وحدهم دون اصابة من تحملهم اسرائيل المسئولية سواء من حزب الله أو من حماس. وهكذا فقدت اسرائيل اخر أوراقها واستنفدت مرات الرسوب المسموح بها, ولجأت الولاياتالمتحدة الي البدائل من القوي الدولية والاقليمية للقيام بعملية اصلاح لما أفسدته اسرائيل وتحركت فرنسا وتركيا في محاولة لامتصاص الغضب المتصاعد من الرأي العام. ومرة اخري ترتكب اسرائيل حماقة جديدة لم تأخذ في الاعتبار نفاد الصبر الامريكي وعدم تحمله المزيد من استنزاف المصداقية التي وعد الرئيس أوباما باعادتها الي السياسة الخارجية لبلاده, وبعد الهجوم الأخرق والمجنون علي أسطول الحرية في المياه الدولية رأينا مواقف ولغة جديدة من حلفاء وأتباع واشنطن تجاه اسرائيل لم تكن لتتم بدون ضوء أخضر من الادارة الامريكية. ومع الادراك الكامل بأن مانتحدث عنه لايعني علي الاطلاق السماح بتدمير اسرائيل الا ان المعطيات الراهنة تؤكد أن الوظائف الحيوية التي كانت تقوم بها قد انتهت سواء علي الصعيد الايديولوجي أو العسكري أوالسياسي في الوقت التي تتنافس فيه قوي ودول اخري علي ان تحل مكانها وتقدم في سبيل ذلك المطلوب من تبعية سياسية وقواعد عسكرية, والاهم انها بدون اثار جانبية بل علي العكس يجري تسويقها للعالم العربي علي أنها هي التي ستحرر فلسطين. muradezzelarab@hotmailcom