أكثر ما أثار قلقي في تعليقات بعض القراء علي مقالي الأخير هو أن المناصرين لأي تيار سياسي لا يقبلون أن يوجه له انتقاد من كاتب حتي لو كان منزها عن الغرض ويبادرون بالتهجم الذي يبدو أنهم يعتبرونه أفضل وسيلة للدفاع ويلوكون في أفواههم تهم الردة والانبطاح وإثارة الإحباط وما شاكلها كما يمضغون اللبان. الفقرة السابقة ليست كلاما كتبته, لكن كاتبه هو الأستاذ حمدي قنديل الإعلامي والنشط السياسي المعروف, نشره في مقاله الأسبوعي في جريدة الشروق يوم الاثنين الماضي. ظهر الأستاذ قنديل في مقدمة صفوف المعارضة غير الحزبية في الفترة الأخيرة, فساهم في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير, التي ارتبط اسمها باسم الدكتور البرادعي. تولي الأستاذ حمدي قنديل منصب المتحدث الإعلامي باسم الجمعية, لكنه ما أن بدأ النشاط حتي ظهرت الخلافات بين الدكتور البرادعي والمجموعة المحيطة به, وبين أعضاء هذه المجموعة نفسها, فشرع الأستاذ حمدي قنديل في تخفيف ارتباطه بهم جميعا. يقول الأستاذ قنديل في المقال نفسه' إن كنت قد انغمست في العمل السياسي الحركي في الشهور الأخيرة فقد بدأت الانسحاب منه بمجرد التحاقي به', وهو الانسحاب الذي جاء بسبب عدم ارتياح الإعلامي المعروف لأجواء صادفها بين رفاق الكفاح. هضم الأستاذ قنديل الخبرة التي تكونت لديه خلال معايشته لزملاء المعارضة, وكتب يعبر عن قراءته للوضع السياسي في مصر في مقاله الأسبوعي السابق, فكان أن تلقي ردود الأفعال التي علق عليها بالكلام المنشور في هذا المقال. سعدت بكلام الأستاذ حمدي قنديل لأن التحذير من الغوغائية السياسية فرض عين علي كل من يحرص علي مستقبل هذا البلد ومستقبل الإصلاح فيه, كما سعدت بانضمام الإعلامي الكبير إلي كتيبة صرف عفاريت الغوغائية, خاصة أنه كان من بين المساهمين في' تحضير' هذا العفريت نفسه, وإن كان هو نفسه تحول إلي ضحية لها أخيرا. فالمبالغة في السخرية من الخصوم السياسيين وتتفيه شأنهم إلي درجة اغتيالهم معنويا, وإلقاء غلالة من السواد واليأس علي كل شيء, واستخدام تعبيرات وتلميحات يمكن تصنيفها في فئة العنف اللفظي من عينة' قلم رصاص' الذي اختاره الإعلامي الكبير اسما لأحد برامجه, كل هذه من ضمن الأساليب التي استخدمها الأستاذ وآخرون دون تقدير لخطورتها علي تكوين عقول ونفوس القراء والمشاهدين. فما يقوله الأساتذة بمواربة وبشياكة يتحول في فم العامة إلي' كلام رصاص' يلوكونه كاللبانة علي حد وصف الأستاذ قنديل.