' جوزيه إيندوندو بونونجي' وزير البيئة والسياحة والموارد الطبيعية.. والأهم أنه المسئول الأول والأوحد عن ملف المياه والري في الكونغو.. يطلقون عليه الرجل الثاني بعد الرئيس' كابيلا' ويقولون أن علاقته وطيدة به وإن كان قد شابها بعض من خلافات عندما علم الرئيس بأن' إيندوندو' ينوي تأسيس حزب سياسي مستقل.. ذهبنا إليه في مكتبه بوزارة البيئة والذي يتوسط أحد أهم شوارع العاصمة كينشاسا.. فاجأني جوزيه ببشرته البيضاء وملامحه التي لا تمت بصلة إلي الأرض السمراء ويبدو أن هذا يرجع إلي والدته البلجيكية الأصل التي وقعت في حب الإفريقي ليتزوجا وينجبا شخصية في ثقل' إيندوندو'.. تركت لوزير البيئة إيندوندو العنان في الحديث عن علاقة مصر بالكونغو والكلام علي لسانه لقد كانت زيارة الرئيس كابيلا التي قام بها منذ شهر للرئيس مبارك في مصر زيارة ناجحة وساهمت في توطيد العلاقات بين البلدين خاصة بعد أن كان قد شابها بعض من الفتور ربما يعود إلي فكرة البعد الجغرافي أو البعد السياسي وانعدام زيارات المسئولين بين البلدين, والحق كانت زيارة كابيلا للرئيس مبارك زيارة في وقتها خاصة مع المفاوضات الدائرة بين دول منابع النيل التي ننتمي اليها ودول المصب التي تضم مصر والسودان. وكل ما نتمناه أن تتكاثر الزيارات واللقاءات وأن تشهد أرض الكونغو زيارات رسمية وشعبية من قبل مصر. * حديثك عن الأزمة بين دول حوض النيل يدفعني أن أسألك سؤالا مباشرا حول موقف الكونغو من اتفاقية عنتيبي التي رفضتم التوقيع عليها.. لماذا؟ ** سألني لماذا الاتفاقية أم لماذا لم نوقع. * أجبته دون تردد الاثنان.؟ ** ابتسم ابتسامة هادئة ثم قال... لماذا الاتفاقية هذا يحتاج لكثير من الوقت للإجابة عليه لكن دعيني أقل لك إن تاريخ الاتفاقيات كبير وكثير منذ حالة الاستعمار التي وقعنا في فخها لسنوات طويلة, ولأن كل شيء قابل للتغير فإن دول المنابع قررت أن تقوم بتعديل هذه الاتفاقيات التي وجدت أن الاستعمار هو الذي وقعها ووضع بنودها وليست سيادة الدول مع الأخذ في الاعتبار حالة الفقر المتردي والمعاناة الشديدة التي يعاني منها سكان دول حوض النيل والتي علي الرغم من أنها تمتلك ثروات مائية وطبيعية إلا أنها لم تستغل, ونظرا لانشغالها بحروب أهلية وربما صراعات سياسية ساهمت في عدم لحاقها بالركب لسنوات طويلة. فهي في حاجة للاستفادة من كميات المياه التي تتساقط عليها سنويا وتهدر فلا تستطيع تخزينها أو حتي توليد الكهرباء منها.. ولا شك أن كل دول حوض النيل وأخص بحديثي هنا دول المنابع تعاني معاناة شديدة في مسألتي الكهرباء والمياه ما دفعها دفعا للاجتماعات والمفاوضات التي تقول إنه يجب استئذان مصر والسودان في إقامة أي مشروعات علي النيل لتخزين المياه أو لتوليد الكهرباء. هم شعروا بالظلم والإجحاف لأنهم في النهاية دول ذات سيادة.. أما في مصر فنحن نعرف تماما أهمية نهر النيل بالنسبة اليكم فهو الحياة والأمن القومي بل وأيضا الإستراتيجي والمساس به قد يودي بحياة الشعب المصري وهذا بالطبع لا يرضي أي دولة إفريقية. أما عن بقية سؤالك وهو لماذا وقفت الكونغو بجانب مصر أقولها لك صراحة نحن لا نريد أي انقسامات بين دول حوض النيل ونري أن الدول العشر وهي دول المنبع والمصب يجب أن تستفيد من مياه النيل بشكل عاجل وأن تتفق علي ذلك ولا يصح أبدا أن تستأثر8 دول بالقرار ويتم تجاهل دولتي المصب لأن في النهاية المصالح مشتركة ولن تتحقق أي إتفاقات ولن تنجح أي مفاوضات إلا بالوحدة المشتركة بين دول الحوض جميعا وإذا لم يحدث ذلك سوف تخسر مصر وأيضا سوف تخسر الدول الأخري. * أسألك سؤالا صريحا ومباشرا.. ماذا تنتظر الكونغو من مصر ؟ ** أجابني بلا تردد وبملامح جدية: الكثير والكثير الكونغو تحتل المرتبة الثالثة علي مستوي العالم في إنتاج الكهرباء لدينا13% من حجم الكهرباء العالمية وسد إنجا وحده يمثل45 ألف ميجا وات أي25 مرة أكثر من سدكم في أسوان ووعمليا سوف يغطي القارة الإفريقية بأكملها ونحن نسعي إلي أن نكمل سد إنجا3 و4.. والآن هناك مفاوضات مع دول كثيرة لتدخل في تمويله وكل ما أتمناه أن تجد مصر لها مكانا في تمويل هذا السد الأمر الثاني والأهم أننا دولة مفتوحة اقتصاديا ومنذ ثلاث سنوات وضعنا ترتيبات تسهل عملية الاستثمار لم يسبق لها مثيل وعشرات القوانين تم اتخاذها لتأمين المستثمرين وتوفير الجو الامن وجميع الفرص في كل المجالات موجودة وأفصح لكي بأن معظم الدول دخلت لدينا بقوة بدءا من الصين وتركيا وإيران وإسرائيل وحتي فرنسا وبلجيكا وأمريكا.. وللأسف الشديد لا يوجد شركات مصرية فلماذا لا تستغل مصر الفرصة وتأتي بمستثمريها ورجال أعمالها نحن نربح وهم يربحون نحن دولة كبيرة ولديها موارد طبيعية وأسواق, خاصة أن تعدادنا فاق ال70 مليون نسمة. ونحن خضنا الكثير من الخبرات السلبية متمثلة في الحروب والاستعمار والصراعات السياسية والأهلية وعدم الاستقرار السياسي والآن نجحت الكونغو في تنظيم الانتخابات وأصبحت لدينا القدرة علي ضمان الاستثمارات الأجنبية.. فلماذا إذن لاتدخل مصر ولا يكون لها دور وهي البلد الشقيقة والأم والتي تربطنا بها علاقات تاريخية.. بالفعل أتمني ألا تتأخر مصر ولا يتقلص دورها أكثر من ذلك.. * أعود بك مرة أخري إلي موقف الكونغو من أزمة مياه النيل.. من وجهة نظرك بماذا تنصح مصر في إدارة هذا المف الساخن والشائك ؟ ** لابد من إيجاد حل التاريخ والجغرافيا يفرضان علينا أن نجد حلولا لهذه المشكلة يجب أن يكون هناك إجماع بأن تتحق مصلحة الجميع, مصر لا ينبع النيل من أراضيها ولكنها أكثر الدول استفادة والدول الأخري تدرك ذلك وتريد هي أيضا الاستفادة.. لذا علي كل الأطراف أن تصبح أكثر مرونة., علي مصر أن تقدر موقف دول المنابع وعلي الثانية أن تقدر أهمية النيل بالنسبة لمصر.. التعنت لن يفيد في شيء بل سيجعل الجميع يخسر كل ما أعرفه وأود أن أقوله بكل ثقة أنه لا يوجد أي دولة في إفريقيا تستطيع أن تمنع مصر من الاستفادة من مياه النيل أو تتمني أن تقوم علي تجويع الشعب المصري, هذا أمر مفروغ منه. * ولكن ربما تتعرض الكونغو في لحظة ما لضغوط...؟ ** قاطعني قائلا الكونغو الديمقراطية ذات سيادة وتضع في الحسبان مصالحها ومصالح الدول الأخري. * أحسست بأن ثمة توترا قد انتاب' إيندوندو' فغيرت مجري الحديث متسائلة هل نسمع يوما أن مصر أو أي دولة أخري قد استفادت من نهر الكونغو وقامت بتحويل مياهه مثلا؟ ** نحن نملك50% من مياه الشرب بالقارة الإفريقية ونحن نعرف أننا نملك هذه الثروة وإذا كانت الدول الأخري في حاجة لهذه المياه لن نتأخر لذلك نحن نرغب في إدارة هذه الثروة الطبيعية بصفة جيدة ودائمة حتي يستفيد منها الجميع علي المستوي المحلي والإفريقي والعالمي. أحسست أنني أطلت عليه خاصة وقد كان مرتبطا بموعد.. فسألته أخيرا مداعبة إياه توقعت أن أجد وزير البيئة والموارد المائية إفريقي أي أسمر الوجه.. ولكنه أبيض أجابني ضاحكا' ماعندك باراك أوباما' حاكم أمريكا وأسود.. وأظن أن الشعب الكونغولي متحضر ولا يفرق في اللون.