جاءت أزمة حكم الادارية العليا بشأن الزواج الثاني للمطلقين الأقباط لترفع الغطاء عن كثير من الأمور الملتبسة في الشارع القبطي وربما المصري بجملته, وطرحت اسئلة جادة وحساسة لا تحتمل التأجيل أو الإجابات المعلبة والنمطية, خاصة في دائرة العلاقة بين الكنيسة والدولة وعلاقتها من ثم بالقضاء, وكيف يتوافق الوضعي مع المقدس, وفي قلب الأزمة كانت مصداقيتنا في السعي نحو الدولة المدنية تخضع لإمتحان عصيب. شئ من طيف محاكم التفتيش وجد له مكانا بيننا, فصار السؤال انت مع من: الحكم أم الكنيسة؟ رغم أن الأمر لا يقبل الإجابة الحدية, لأن أزمته تولدت من تقاعس جهات عديدة, الدولة عندما حبست مشروع قانون الأحوال الشخصية في ادراج وزارة العدل لنحو ثلاثين سنة دون مقتضي, ولتوازنات متوهمة, والكنيسة عندما اصدرت تعليماتها عام71 بعدم الاعتداد بلائحة38, ثم بنشر قرار للمجلس الملي العام يقضي بتعديل اللائحة في جريدة الوقائع المصرية ظنا منها بأن النشر يضفي مشروعية ملزمة للقضاء, واقتنعت بأن هذا كاف لإلغائها, بينما يعرف رجال القانون ان التشريع يلغي بتشريع مماثل أو أعلي, من خلال قنوات تشريعية حددها الدستور وفصلها القانون. وحتي عندما أطلق سراح المشروع فوجئنا بأن المطلوب هو دراسته وسنه كتشريع في خلال ثلاثين يوما, من خلال لجنة مصغرة تتمثل فيها الطوائف المسيحية المختلفة, في تأكيد علي غياب الفهم الدقيق لماهية الأزمة, وتشعبها, ولأننا ندير الأزمات بحسب تداعيات رد الفعل, لم نلتفت لوجود قضايا خلافية دقيقة وشائكة تحتاج لحوارات ودراسات متعمقة للاتفاق حولها, علي رأسها اختزال اسباب التطليق في سببين حصرا مواد113 و114 الباب الخامس. وابتداع مبدأ الزنا الحكمي( مادة115 الباب الخامس وما ينتجه الأمران من تفاقم المشكلة لا حلها. فضلا عن اختزال ما يتعلق بالخطبة علي الشروط الإجرائية دون النص علي التزامات الكنيسة الرعوية ازائها, وهو ركن أصيل يستوجبه كون الزواج المسيحي لا يقوم إلا باستيفاء الركن الطقسي الكنسي( مواد من1 إلي12 الباب الأول الفصل الأول في الخطبة). وفيما يتعلق بقضية التبني ومبادرة احدي الكنائس بالإعلان عن الغاء المواد المتعلقة بها في المشروع المقدم المواد من129 إلي142 بشكل منفرد دون الرجوع لبقية الكنائس, وهو أمر يهدد بعدم الاتفاق علي المشروع بجملته, وهنا تتفجر مشكلة المواءمات السياسية التي لا محل لها في هذا المجال, ويصطدم مع كون التبني مكونا أساسيا في الإيمان المسيحي. ولم يشر المشروع إلي الاعتراف المتبادل بين الكنائس بصحة ومشروعية الزواج الذي يعقد عند أيا منهما, كخطوة جادة في مسيرة الوحدة المسيحية. وفي ظني أن اخطر ما كشفته الأزمة مناخ عدم الثقة والإرتياب عند كل الفرقاء, والذي كان وراء حدة ردود الفعل التي تصاعدت الي حد القول بأن هناك مؤامرة علي العقيدة المسيحية تحاك وما الحكم إلا أحد مظاهرها, وإلي القول بأن الكنيسة تدفع باتجاه كسر هيبة الدولة بل ومزاحمتها كدولة موازية, وهي رؤي تحتاج الي تحليل ومواجهة حتي لا نفتح الباب للساعين لتأكيد الدولة الدينية وتقويض مدنية الدولة. علي هامش التداعيات راح البعض من المتربصين بالتحرك المدني العلماني القبطي الذي يتبناه التيار العلماني, يروجون بأن هذا التيار يعمل ضد الكنيسة وقداسة البابا, واستندوا في هذا إلي مبادرة التيار العلماني إلي طرح رؤيته في هذه الأزمة, والتي تتطلب مناقشة جادة وموضوعية تقطع الطريق علي المزايدين والمتاجرين بالقضية وبالملف القبطي بجملته, رغم كل تأكيداتنا قبلا والآن بأن ثمة ضوابط تحكم رؤيتنا وطرحنا تتلخص في الآتي: أننا نحترم ونقدر قداسة البابا شنودة الثالث بحسبانه أبا وراعيا حكيما للكنيسة ونحن جزء منها. أننا لا نقبل بالمساس بالمعتقد الديني علي إطلاقه, ومن ثم لا نقبل المساس بالإيمان المسيحي من قريب أو بعيد. أننا نقر بأن مصر دولة مدنية تقوم علي المؤسسات بحسب الدستور ونحن ضد التماهي بينها, ومع احترام احكام القضاء, ومع تأكيد الحق في استئناف الاحكام أو الطعن عليها, من خلال القنوات القانونية إلي أخر المدي. اننا ضد الحشد الشعبوي وراء تيار بعينه درءا لتداعيات تهدد الاندماج الوطني, وحماية لوطن هو لكل المصريين. أننا نؤمن بأن الإختلاف في الرؤي لا يحل بالمصادمات أو بالإقصاء, بل بالحوار الموضوعي بعيدا عن القولبة والشخصنة. أننا في اطار عمل التيار العلماني لا نحجر علي رأي افراده, لكنه لا يتحول الي رأي التيار بالضرورة, وأعلنا غير مرة أن رأي التيار العلماني يعلن دوما من خلال توصيات مؤتمراته, أو البيانات الصادرة عنه. وعندما وقعت الأزمة الأخيرة بادرنا بالإعلان عن الترتيب لمؤتمر تطرح فيه قضية الزواج الثاني للمطلقين من الأقباط, وأعلنا أننا سندعو اليه كل الأطياف المهتمة بتلك القضية, وكان من الطبيعي ان تكون الكنيسة الرسمية متمثلة في قياداتها علي رأس قائمة المدعوين, وهو ما اتبعناه في كل مؤتمراتنا السابقة منذ عام2006. وفي احد لقاءات قداسة البابا الصحفية وفي معرض رده علي سؤال عن موقفه من دعوة التيار العلماني لقداسته للمشاركة في مؤتمر العلمانيين المزمع عقده قال قداسته' من يتبع من؟ هم الذين يتبعوني, وعليه فلا يصح ان يكونوا هم الداعين بل أنا الذي أدعو', وبالطبع لم نكن نقصد المعني الذي توارد في ذهن قداسته, وقد استندنا الي المبدأ الذي اقره قداسته أنه يري أن البابا لم يعد بمعزل عن الناس وأنه كسر قاعدة ان البابا يزار ولا يزور, وترجم هذا في تلبيته لدعوات العديد من آليات وجمعيات المجتمع المدني, الليونز واصدقاء الكتاب المقدس وفعاليات وزارة الثقافة وحتي المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, ومن هنا جاءت دعوتنا. وفي كل الأحوال نحن نري في تصريحه بارقة أمل في لقاء يجمعنا بقداسته في اطار علاقات الأبوة والبنوة, التي نؤكدها دوما, ونثق بأن هذا اللقاء الذي طرقنا بابه مرارا وما زلنا, سيبدد غيوما مصطنعة عديدة, يقف وراءها طابور طويل من المنتفعين, وسيكتشف قداسته أن هناك من يقف خارج السياج المضروب حوله; أناس أمناء للوطن وللكنيسة يعملون من أجل سلامهما ويدفعون الثمن من سمعتهم وراحتهم, وإنا لمنتظرون. هنا تتفجر مشكلة المواءمات السياسية التي لا محل لها في هذا المجال, ويصطدم مع كون التبني مكونا أساسيا في الإيمان المسيحي. وكان من الطبيعي ان تكون الكنيسة الرسمية متمثلة في قياداتها علي رأس قائمة المدعوين, وهو ما اتبعناه في كل مؤتمراتنا السابقة منذ عام2006. [email protected]