احتل الجيش مكانة متميزة في مشروع محمد علي، فقد كان من أهم المؤسسات التي اعتمد عليها في تحقيق طموحاته وليس من المبالغة القول إن الجيش كان من أهم الأدوات التي استخدمها محمد علي للتأثير في وضع مصر الدولي والذي نجح من خلاله في تحويل مصر من مجرد ولاية من ولايات الدولة العثمانية إلي ولاية متميزة يحكمها هو مدي حياته ثم ترثها ذريته من بعده. فبعد رحيل الفرنسيين في صيف 1801 لم تكن هناك قوة تستطيع أن تحفظ الأمن والنظام، نظرا لضعف قوم المماليك وكذلك القوة العسكرية التي أرسلها السلطان العثماني حتى أنه في خلال تلك الفوضى كثرت عمليات النهب والسرقة وشاعت حالات القتل والانتقام ممن اتهم بالتعاون مع الفرنسيين. وفي هذه الأثناء كان الوهابيون قد اعلنوا عصيانهم علي السلطان واستولوا علي مكة والمدينة في عامي 1803 و1804 علي التوالي ومنعوا الحجيج من إقامة شعائر الحج الأمر الذي اعتبره السلطان العثماني تحديا لهيبته ولصورته امام رعاياه من المسلمين، وهو الملقب بحامي الحرمين الشريفين وبعد أن تمكن محمد علي من تأمين جبهته الداخلية، من خلال تعيين أبنائه وأصدقائه علي أقاليم البلاد، بدأ في تكوين جيش قوامه ثمانية ألاف رجل وبعد ذلك اصبح جاهزا لتلبية أمر السلطان العثماني بالزحف علي الحجاز لوأد الحركة الوهابية وقد استمرت تلك الحملة 7 سنوات والتي انتهت بالزحف علي الدرعية معقل الوهابيين وحصارها وتدميرها بالكامل في سنة 1818. ولمن يريد فهم دوافع ومغزى تلك الحملة الطويلة نسبيا فليقرأ ما كتبه نحو ثلاثين من علماء مكة وأئمتها في شكل خطاب لمحمد علي باشا يشكرونه علي قتاله للوهابيين جاء فيه: (الرافعون لهذا المحضر من المفاتي والخطباء والأئمة والمدرسين والعلماء والصلحاء والمتقين ينهون إلي مسامعكم العلية الطاهرة. بأنه قد وفدت إليهم عساكركم المنصورة. فأنقذتهم من أولئك الشروق الخوارج المعتدين الطغاة البغاة الملحدين الذين سعوا في جزيرة العرب بالفساد وزيفوا عقائدهم بالحلول والإلحاد واستحلوا دماء اهل الاسلام وصدوا كل وافد إلي بيت الله الحرام فشكرا لله صنيعكم علي هذه النعمة العظيمة والهمة العالية الكريمة وجزاكم الله بأفضل الجزاء في الدنيا والآخرة. - والوهابية مصطلح أطلق علي حركة إسلامية سياسية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي علي يد محمد بن عبدالوهاب (1703 - 1792) ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية وقد كانت بدايتهما في الدرعية إذ أعلن محمد بن عبدالوهاب "الجهاد" فشن سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها بالغزوات) صادروا فيها أموال خصومهم من المسلمين بشبه الجزيرة (وكانوا يسمونها بالغنائم) وخسر العديد من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الحروب. بينما اعتبرها الوهابية إقامة لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيرا لأمة الإسلام من الشرك، الأمر الذي جعل العديد من العلماء السنة يري في اتهام محمد عبدالوهاب ومريديه للآخرين بالشرك مواصلة لطريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتاب والسنة التي نزلت في حق الكفار والمشركين وتطبيقها علي المسلمين، ويري الوهابية أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار. وقد جاءت الدعوة الوهابية بالمنهج السلفي بهدف ما تعتبره تنقية لعقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل التوسل، والتبرك بالقبور وبالأولياء، والبدع بكل أشكالها ويصفها أتباعها بأنها دعوة إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرجوع إلي الإسلام الصافي وهي طريقة السلف الصالح في اتباع القرآن والسنة، أي عمليا عدم الاعتماد الكلي علي المذاهب الفقهية السنية الأربعة والاعتماد المباشر علي النص من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح وإجماع العلماء مدللين علي ذلك بأقوال للأئمة الأربعة. وأخيرا يمكن القول إن الحركة الوهابية قد نمت بحد السيف وبمناصرة أمراء "آل سعود" لها وبالتنكيل بالقبائل التي لا تدين لها، وبلغت محاولتها نشر الدعوة بالعنف أن زحفت علي كربلاء في العام 1801 واستولت عليها في مذبحة نكراء وهدمت مسجد الإمام الحسين فيها ولم تخمد الحركة إلا بعد أن جرد عليها محمد علي باشا والي مصر، بتوجيه من السلطنة العثمانية وقتها، حملة حربية ضخمة استمرت ثماني سنوات فيما عرف بالحرب الوهابية، تتالي علي قيادتها ابناه طوسون باشا وإبراهيم باشا حتى استسلمت آخر معاقلهم في عام (1818). رابط دائم :