يجوز للمرء أن يتحدث في غير حرج, عن أي دين أو عرق او طبقة إلا إسرائيل فلا يجوز للمرء ان يتفوه بكلمة نقد صغيرة عنها أليس هذا بالمطلب العجيب؟ أعجب من ذلك أن يتقدم به أناس يستجدون التسامح في كل يوم وكلام اليهودي ماكسيمليان هاردن هذا عام1904 صحيح في مضامينه, وأقصد انه يتفق مع مسيرة الحركة الصهيونية سلف إسرائيل الايديولوجي وحجر اساسها, منذ قيام الصهيونية وحتي زمننا الذي نعيش, وما جري لعميدة الصحفيين الامريكان هيلين توماس نموذجا. ومثل هذه الاعتبارات كفيلة بأن تقودنا إلي ماجري لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق( فورستال) الذي تخلي عنه رئيس امريكا انذاك( ترومان) لأنه خرج عن المألوف بخصوص اللوبي الصهيوني فلقد عزله ترومان وجعل منه صيدا سهلا لهذا اللوبي, فقضوا عليه بإلقائه من نافذة بيته في طابق علوي إلي الشارع, وما جري لفورستال يشبه عن قرب فيما حدث للرئيس الامريكي( جون كنيدي) ولقد ينبغي ان نضيف إلي ماسبق ماجري لأول رئيس للجامعة العبرية الحاخام الامريكي( يهودا ماغنس) بعد أن قطع شوطا مع الصيهونية, فقد انتهي إلي رفض انشاء دولة يهودية خالصة, كما اعترض علي خطة التقسيم, ودعا إلي إدماج اليهود في المحيط العربي, وموقفه هذا هو الذي وضعه في دائرة الإرهاب, والمضايقات الصهيونية, وانتهي به المطاف إلي تقديم استقالته والعودة لأمريكا, ولا يفوتنا ان نذكر صديقه العالم اليهودي الشهير( اينشتاين) الذي قرر بصراحة امام لجنة التحقيق الامريكية البريطانية عام1946: أنه من الخطأ التفكير في إنشاء هذه الدولة اليهودية التي كنت ومازلت ضدها وفقا لهذا النسق من الأفكار, اعلن النائب العمالي البريطاني( ستانلي ايفانز) بعد زيارة للرئيس المصري( عبدالناصر): أن الحل الوحيد لمشكلة فلسطين, يتمثل في مغادرة اسرائيل والعودة من جديد إلي البلدان المضيفة وفي هذا الصدد قال( المهاتماغاندي) عام1946: لقد أخطأ اليهود خطأ فاجعا في محاولة فرض أنفسهم في فلسطين بمساعدة امريكا وبريطانيا, والآن بمساعدة الإرهاب العاري وممن خاض في هذا الموضوع, وله فيه آراء تمتاز بالحزم المدعي العام في امريكا( الدكتور بيشلر دربكسلر) وقد أعلن عام1960: أنه ما من دولة في الأرض رويت عنها الاساطير, وكتمت حقيقتها بنشاط اكثر من دولة اسرائيل الفلسطينية. وتعددت مواقف المفكرين والسياسيين( يهودا ومسيحيين) من قيام دولة اسرائيل يومابعد يوم, ونذكر من بينهم علي سبيل المثال لا الحصر,الفرد ليلينتال مكسيم رودنسون, ألمر بيرجر, موشيه مينوحين, الذي تصدي للصهيونية في كتابه انحطاط الصهيونية في عصرنا يمزق استارها الزائفة ويبرزها علي حقيقتها المجردة المنكرة وممن سار في نفس الدرب المفكر الفرنسي( روجيه جارودي) والمفكر اليهودي الأمريكي( نعوم تشومنسكي) ومن هنا وعلي هذا الأساس, نستطيع ان نضم إلي هذه اللائحة الآثاريين والمؤرخين الجدد, وممن كان له الأثر الأبرز من الآثاريين البروفيسور( توماس طومسون) استاذ علم الآثار في جامعة( ماركويت) الامريكية, فقد استطاع في كتابه التاريخ الخرافي للتوراة انكار صحة المبررات الاساسية لايجاد دولة اسرائيل, مما شكل خطرا شديدا علي الادعاء بعودة اليهود إلي فلسطين, وهكذا تمت محاربته وطرده من منصبه, وتم تشريده وشأنه في ذلك شأن الشعب الفلسطيني الذي تصدي للدفاع عن تاريخه, والذي نستطيع ان نخلص اليه من ذلك, انه ان كانت هناك اسطورة تدين بنجاحها الكبير إلي الاستغلال الايديولوجي فهي اسطورة اسرائيل في أمريكا. اما المؤرخون الجدد, فيقابلنا منهم بوعز عفرون في كتابه الحساب القومي ورفض فيه الادعاء القائل بأن لليهود اي حق تاريخي في فلسطين, وأن مسرح التوراة يمكن أن يكون في اي بقعة في الأرض عدا فلسطين, ووفقا لهذا النسق من الأفكار جاءت مقالة عالم الآثار الاسرائيلي( زئيف هرتسوج) التي نشرت في صحيفة( هاآرتس) عام1999 بعنوان( التوراة لا اثباتات علي الأرض] وعنوانها يكفي فالمعني واضح ولا يحتاج إلي شرح او تكرار. ونستطيع ان نستمر طويلا في ضرب الأمثلة الدالة علي زيف اي ادعاء سياسي للصهيونية في فلسطين, نكتفي منها بالنتائج التي توصل إليها المؤرخ الاسرائيلي( شلوموزاند) في كتابه متي وكيف تم اختراع الشعب اليهودي ويؤكد من خلالها كذب المقولة ان هناك شعبا يهوديا, وانه هرب لاجئا من بطش الرومان في عام70 م, وقال إنه لم يكن هناك ابدا شعب يهودي, بل فقط ديانة يهودية, ويخلص زاند إلي رفض كل النصوص والقصص التوارتية التي تشير إلي الهوية القومية اليهودية, بما في ذلك الخروج من مصر ودخول فلسطين أيام موسي, وقال: إن كل تلك القصص لا تعدو كونها اساطير غير صحيحة, تستخدم ذريعة لإقامة الدولة الاسرائيلية ولاشك أن هذه الصورة العامة تحتاج بعض التفسير. فعلي ضوء الاكتشافات الآثارية الحديثة, ان جميع الشعوب والأمم التي كانت لها صلة بفلسطين, تركت اثارا شاهدة علي تلك الصلة الا اليهود, وما وجد من آثارهم, انما يعود إلي القرن الثاني ق. م الفترة التي تكونت فيهاالدولة المكابية التي لم تكن سوي غرزة في عباءة تاريخ فلسطين الفضفاض الذي يبدأ منذ حوالي1,7 مليون سنة خلت, وهذا يفسر لنا صمت ابوالتاريخ هيرودوت في القرن الخامس ق. م عن ذكر اي وجود لليهود في فلسطين, مما يرجح الرأي الذي ساد في الآونة الأخيرة وتبنته طائفة كبيرة من علماء الآثار, ومفاده ان العصر الفارسي538 332 ق. م هو الذي شهد اول وجود لليهود في فلسطين, وفيه دارت صراعات مستمرة بينهم وبين اهل البلاد الاصليين, وبذلك عجزوا عن ان يقيموا لهم اي كيان في فلسطين, ولم يتم لهم ذلك إلا في ايام العهد اليوناني( الدولة المكابية)152 63 ق.م حيث قام القائد الروماني( بومبي) بتحرير القدس منهم, وتوالت الضربات عليهم, فتعرضوا للمذبحة الفاصلة عام70 بعد الميلاد, بقيادة القائد الروماني( تيطس) التي صفت أكثرهم محليا, وفر أقلهم إلي مصر وسوريا, غير أن بقايا اليهود, عادوا إلي العصيان عام135 م, حيث قوبلوا بمذبحة نهائية علي يد الامبراطور الروماني( هادريان) ختمت إلي الأبد علي مصير اليهود في فلسطين كشراذم متسللة, فذاك انقراض جنسي لم يكد يترك منهم شيئا, وعلي رأي العلامة( جمال حمدان): لا يمكن بعد أن اختفي يهود التوراة كشبح ان يكون يهود اوروبا والعالم الجديد اقارب للعرب جنسيا, اكثر من قرابة الاوروبيين والأمريكيين للعرب, ان اليهود اليوم.( أحفاد يهود مملكة الخزر في منطقة القوقاز) انما هم اقارب الأوروبيين, والأمريكيين بل هم في الأعم والأغلب, بعض وجزء منهم وشريحة لحما ودما, وإن اختلف الدين, ومن هنا فإن اليهود في أوروبا وأمريكا, ليسوا كما يدعون غرباء, أو أجانب دخلاء يعيشون في المنفي, وتحت رحمة أصحاب البيت, إنما هم من صميم أصحاب البيت نسلا وسلالة, إنما هم غرباء دخلاء في بيت العرب وحده( فلسطين) حيث لا يمكن لوجودهم الا أن يكون استعمارا واغتصابا بالقهر والابتزاز وهذا ما عبرت عنه ايقونة البيت الأبيض( هيلين توماس) وغيرها في استشهادنا بأقوالهم ممن هذه المقالة, أما أقوال المتربصين بهم, فلا تعدو كونها قلبا بشعا لحقائق التاريخ.