أقف طويلا أمام ظاهرة يمتد عمرها لعشرات السنين هي برنامج مصارعة المحترفين الذي يذاع علي كل فضائيات العالم بكل اللغات ويجتذب مليارات المشاهدين. حاولت كثيرا أن أقنع نفسي بوجود رياضة تسمي مصارعة المحترفين, وشاهدت الكثير من حلقاتها, واكتشفت منذ وقت مبكر جدا أنها لاتزيد عن كارتون للكبار, فهو برنامج مسل جدا ولكنه بعيد كل البعد عن كل أنواع الرياضة الحقيقية. فهي إن صح وصفها ب رياضةفهي رياضة تمثيلية من دون أي قواعد تحكمها لا في الحركات البهلوانية التي يؤديها اللاعبون, ولا في الزي الذي يرتدونه, ولا في طريقة احتساب النقاط. ومن ثم فلا اللاعبون لاعبون, ولا الحكام حكام, ولا الجمهور جمهور, ولكنهم جميعا ممثلون درجة ثالثة وكومبارس يقدمون وجبة عنف وإثارة لمشاهدين حرموا من طفولتهم, ولم يلحقوا بركب برامج الكارتون في سنهم المبكرة, فوجدوا بغيتهم في هذا البرنامج الهزلي الخيالي الأبله. ولا أدري إن كان المشاهدون مقتنعين بالفعل بأنهم أمام أبطال لعبة حقيقيين, أم أنهم يزجون وقت فراغهم ويفرغون شحنة من طاقة العنف داخلهم مع اقتناعهم بأنهم أمام تمثيلية يسرف فيها الممثلون في استعراض قدرتهم علي الشقلبة والطيران في الهواء والضرب بعنف شديد جدا يكفي لقتل اللاعبين من أول جولة! ولا أدري بالضبط بكم تشتري مثل هذه الأفلام الهابطة لتذاع علي الجماهير, ولا الغرض من إذاعتها وتضييع وقت المشاهدين, وماذا يريد المسئولون من وراء بثها لساعات طويلة وتخصيص معلقين متخصصين لها, في وقت نحن في أمس الحاجة لبث برامج هادفة تدفع عجلة التنمية والإنتاج, وتثقيف المواطنين بمواد تليفزيونية أكثر عمقا! هل مازالت سياسة الإلهاء تسيطر علي عقلية مسئولي ماسبيرو؟ وقت المشاهدين أثمن كثيرا من تضييعه في مثل هذه البرامج الهزلية, فضلا عن أن الأثر من بثها يدعم سياسة العنف لدي الكثيرين, ولا يخفي أننا لسنا في حاجة لمن يكرس ثقافة العنف في الشارع المصري, بقدرحاجتنا إلي نشر قيمنا الدينية والثقافية الإيجابية. فإذا كان لا مفر من بثها فلتعنون ب مصارعة المحتالين وليس المحترفين حتي لا نشارك في تشويه وعي أطفالنا وشبابنا الذين يتسمرون لساعات طويلة أمام أجهزة التليفزيون انتظارا لمشاهدتها... وكفي استهزاء بعقولنا. رابط دائم :