وسط دوامة الحياة ومستجدات العصر يفقد المجتمع المصري لا شعوريا- أهم مميزاته التي كانت تميزه عن بقية المجتمعات الأخري وهي الترابط والتماسك الذي بات شحيحا في مجتمع تعالت فيه لغة المصالح والخلافات وظهرت الماديات لتطغي علي كل النواحي الإنسانية والعادات الاجتماعية التي طالما اعتدنا عليها علي مر العصور.. الأهرام المسائي يستطلع آراء الخبراء حول كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من روح الشعب المصري الذي تهددت وحدته خاصة إثر الخلافات السياسية التي سيطرت علي الساحة المصرية أخيرا خصوصا بعد لغة التقسيم والانقسامات التي قادها تنظيم الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي قبل عام واستمرت حتي هذه الأيام وهو ما يجعل السياسة تتحمل فاتورة تقسيم المصريين وتدمير العلاقات فيما بينهم أرجع عدد من المواطنين من أصحاب الأعمار الكبيرة بذكرياتهم لما يقرب من نصف قرن حيث العادات والتقاليد التي اعتادو عليها منذ الصغر, فمنها ما أخذ أشكالا مختلفة في الوقت الحاضر ومنها ما تلاشي تماما بحكم مستجدات العصر ووسط وما تعانيه الأسر من ضغوط حياتية صعبة باتت كفيلة بملء الفراغ وإلهاء المواطنين عن التواصل المستمر فيما بينهم بالقدر الذي يحفظ تماسك العلاقات الاجتماعية.. وقال عبد المنعم عبد اللطيف, موظف متقاعد: إنه كان لكل شيء قيمة, فلكيان الأسرة قيمة ولمواعيد الطعام قدسية علي جميع أفراد المنزل الالتزام بها, كما كان هناك طقوس يومية مثل الصعود إلي الشرفة وقت غروب الشمس لتناول الشاي سويا علي صوت أم كلثوم حيث الجو اللطيف الذي يمكننا من الاسترخاء بعد يوم عمل شاق. ويضيف أن علاقة الأب والأم بأولادهم كانت مختلفة, فلم يكن هناك كثرة الجدل التي نراها اليوم بين الآباء والأبناء, كما كان للأب قدر خاص يفرض علي الأبناء طاعته والانتباه لحديثه والعمل بنصائحه, ومن ثم كانت توجد خطوط حمراء تحفظ للعلاقة الأسرية شكلها الجميل الذي يحفظ الود والترابط بين أفرادها. وتقول إيمان أحمد, ربة منزل, إننا نعيش في زمن غير الزمن الذي كانت تعيش فيه وسط أسرتها وهي صغيرة, حيث كان كل شيء جميل وبسيط, لافتة إلي أن العلاقات الاجتماعية كانت تتميز بالقوة والصلابة وكان يحفها الحب والتقدير والاحترام وكافة المعاني الإنسانية النبيلة, علي خلاف وقتنا هذا الذي تتحكم فيه المصالح في أي علاقة حتي العلاقة العائلية. وعن أبرز عادات الأسرة وقتما كانت تعيش في بيت والدها, تقول إيمان إنه في كل يوم كان يوجد ما يسمي ب الصبيحيات أي تتجمع الأسرة في الصباح لتناول الفطور وشرب القهوة, ثم الجلوس سويا ليروي كل شخص مشكلاته الخاصة ويتشاركوا في إيجاد حلول لها كنوع من التقارب والمشاركة الأسرية, لافتة إلي أنها في الوقت الحالي لم تعد الأسرة تجتمع علي أي وجبة خلال اليوم, إلا مرة واحدة اسبوعيا نظرا لاختلاف مواعيد العمل بالنسبة للزوج والأولاد. في السياق ذاته تشير ناهد محمد, موظفة متقاعدة وتبلغ61 سنة, إنها كانت تهتم منذ أن كانت طفلة في بيت والديها بصلة الرحم المتمثلة في الزيارات العائلية المستمرة طوال الاسبوع, فضلا عن التواصل المستمر مع الجيران الذين كانو يعدون من ضمن الأهل, لافتة إلي أن كل سكان البيت كانو علي صلة دائمة واستضافة بعضهم البعض يوميا, فكانو سندا لبعض وقت الشدة, كما أنهم كانو يتشاركون وقت الفرح ويحددون يوم في الاسبوع للتجمع والتسامر وممارسة بعض الهوايات المشتركة كالطبخ والخياطة, مما كان له دور في زيادة الترابط الاجتماعي بين سكان المنزل. وتضيف أنه كان يوجد اتفاق فيما بينهم للتعاون علي تنظيف وتجميل المنزل, فقد كان لكل منهن يوم لتنظيف السلالم ورعاية الأشجار وسقايتها, حتي يتسني لهم الاستمتاع بمنزل نظيف وإعلاء روح التعاون فيما بينهم. أما في الوقت الحالي فتؤكد ناهد اختفاء كافة ملامح الترابط الاجتماعي الحقيقية, فأصبح الوقت ضيق ولا يتسع لمثل هذه الزيارات والتواصل بين الأهل والأصدقاء, مشيرة إلي أنها في الوقت الحالي وبعد أن كونت أسرتها الجديدة لا تعرف من جيرانها سوي من تقطن في الشقة المقابلة لها, كما أنها كثيرا ما تواعدها بقضاء يوم معها إلا أن ذلك نادرا ما يحدث بسبب مشغوليات الحياة اليومية. من جانبه يقول أحمد متولي, صاحب أعمال حرة ويبلغ من العمر58 سنة, إن الاحتفال بالأعياد في الماضي كان له مذاق مختلف, فقد اعتاد قضاء العيد مع أسرته في محافظة الفيوم, حيث يتبادلون الهدايا والعيديات ويستمتعون بمظاهر الطبيعة الجذابة من البحيرات والحدائق, لافتا إلي أنه في الوقت الحالي أحالت ظروف عمله والسعي للرزق دون السفر إلي بلده وممارسة العادات والتقاليد التي اعتاد عليها منذ صغره, مشيرا إلي أنه لم يري أهله منذ قرابة العامين. ويضيف أنه يحن لأيام الماضي التي كان يشعر فيها بالدفء وسط أسرته قبل أن يحل محله والبعد والجفاء الذي بات يسيطر علي كافة العلاقات الاجتماعية بين الأقارب بسبب مستجدات العصر ومتطلبات الحياة, متمنيا رجوع الزمن للوراء للاستمتاع ولو بيوم واحد من تلك الأيام الجميلة. رابط دائم :