في الثمانينيات انتشرت ظاهرة التكفير, نتيجة قلة العلم الشرعي, مما ترتب عليه سوء تفسير وعدم فهم للنصوص الشرعية, وتأويل الأيات والأحاديث ووضعها في غير مرادها, وكان التفاخر بالتكفير منتشرا بين مجموعات من الشباب والرءوس التي ظنت نفسها قامات في العلم والفقه والفتوي, حتي إن أحدهم عندما أخبره أحد أتباعه أن منافسا له يكفره, قال له( بيكفرني أنا.. دا أنا بكفر العصافير!!), وهذه اللوثه قلت بعد ذلك نتيجه وضوح الأدلة وإنتشار العلم الشرعي, بعد أن نتج عنها سفك دماء وانتهاك أعراض..وجرائم يندي لها الجبين, لكن من العجيب والمريب أن تعود هذه الدعوات الآن علي يد من ينتسبون للأزهر الشريف وللدعوة الإسلامية, مثل الشيخ أحمد كريمة من الأزهر والداعية وجدي غنيم, والاثنان استخدما الأمر في صراعهما السياسي, وموقفهما الفكري, فالأول ضد الإخوان فقام بتكفيرهم وحكم بردتهم مستدلا بحديث( ليس منا من رفع علينا السلاح), والثاني مؤيد للإخوان فحكم بكفر وردة الفريق عبد الفتاح السيسي وقال(وعندي الأدلة علي ذلك),والأمر بهذا السياق مضحك مبك, لأن التكفير.. ومعناه ببساطة إخراج الإنسان من دين الإسلام وإلحاقه بالكفار بما يترتب عليه من استحلال دمه بقتله وسلب ماله, وإنتهاك عرضه, والتفريق بينه وبين زوجته, وعدم الصلاة عليه أو وراثته أو دفنه في مقابر المسلمين, كل هذا في الدنيا, علاوة علي خلوده في النار في الآخرة, ونسي الشيخان أن التكفير ليس رأيا سياسيا, أو فذلكة فكرية, أو شهوة نفسيه, لأنه يترتب علي الخلل فيه الفوضي وإستحلال الدماء والأعراض والأموال, وهذا ما شاهدناه بأم أعيننا ممن وقعوا فيه من الجماعات التكفيرية في السبعينات من قتل الشيخ الذهبي علي يد جماعة المسلمين المشهورة إعلاميا بإسم التكفير والهجره بزعامة شكري مصطفيوالشيخ الذهبي عالم أزهري جليل له مؤلفات وآثار علمية رائعة وعميقة ومنها كتابه العظيم التفسير والمفسرون, ومن العجيب أنه عالم أزهري من نفس المدرسة التي تخرج منها الشيخ كريمة والفارق الجوهري بينهما أن الدكتور الذهبي رحمه الله كان يعارض فكر التفكير ويفند أدلته الواهية بالحجج العلمية الرصينة..مما أصاب تلك الجماعات بالحنق عليه, فقرروا التخلص منه,..ولكن الشيخ كريمة يتبني هذا الفكر لمخالفه السياسي, وهم الإخوان فيطلق دعوة التكفير عليهم, رمية بغير رام متغافلا عن آثارها المدمرة علي الافراد والمجتمع وافتئاتها الواضح علي الأدلة الشرعية الكلية, وليس استنتاجا من حديث واحد مما يدل علي قلة البضاعة العلمية أو تحريف الكلم عن مواضعه أو صرف الأدلة عن مرادها, وإنتهت الجماعة بعد ذلك بإعدام قادتها وسجن وهروب الباقين إلي خارج مصر, ثم عاد الفكر في صورة أخري أقل حدة بإسم( التوقف والتبين) وهو عدم الشهادة للشعب أو الشخص بالإسلام حتي يتم إمتحانه وإقامة الحجة عليه وتبين حالة, وكشف عقيدته حول الكفر بالطاغوت, الذي هو في هذه الحاله حاكم البلاد, في مخالفة صريحة أيضا للأدلة التي أبسطها وأوضحها حديث(من إستقبل قبلتنا وصلي صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم)وكذلك فعل الصحابة في أثناء الغزو من إنتظار وقت الأذان للحكم علي أهل البلاد بالاسلام من عدمه, ثم جاءت جماعات التغيير بالقوة وإسقاط الحكم بها وهي الجهاد والجماعة الإسلامية, وكان لابد من وجود أساس فقهي وقواعد شرعية يعتمد عليها التنظيمان لهذا التغيير, فتبني تنظيم الجهاد فكرة التكفير الهرمي, وهي طالما أن رئيس الدولة لا يحكم بما أنزل الله فهو كافر, وحكومته وجيشه وجنوده الذين يدعمون حكمه كفار كذلك, إستناد الإية(إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين), ثم ينزل الهرم إلي الشعب الذي سكت ورضي بهذا الحكم, فتطبق عليه القاعده,وتواضع بعضهم فحصر الكفر في رجال أمن الدوله شعبة التطرف الديني زائد الحاكم طبعا, والجميع بطبيعة الحال متفق علي محاربة هؤلاء وجواز قتلهم دون مواربة, أما الجماعة الإسلامية فاختلفت مع فكر الجهاد في محاولة حصر الكفر في رأس النظام وهو الرئيس, ثم محاربة الباقي علي أنها طائفة ممتنعة عن تطبيق الأحكام الشرعية, مستندين في ذلك إلي قتال أبي بكر لمانعي الزكاة, وألفوا في ذلك أبحاثا أستندوا عليها في مواجهتهم للدولة في حوادث أشهرها قتل الرئيس أنور السادات في أكتوبر1981, وقتل جنود الشرطة في حادثة الهجوم علي مديرية الأمن بأسيوط, ثم الصراع المسلح مع الشرطة في الفترة من1992 حتي1997, وخلال تلك الفترة إستحر القتل والقتل المضاد بين الجماعة ورجال الشرطة وكان من أشهر عمليات الجماعة إغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وعدد من لواءات الداخلية أشهرهم رءوف خيرت رئيس شعبة مقاومة التطرف الديني بجهاز أمن الدولة, ومحاولة إغتيال مبارك بأديس أبابا, ثم أعلنت الجماعة مبادرة وقف العنف, أما جماعة الجهاد فاكتفت بالمشاركة في حادثة قتل السادات, ثم القيام بعد ذلك بمحاولات إغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء وقتها وحسن الألفي وزير الداخلية وبعض التفجيرات الأخري التي لم تأت بنتيجه ملموسة وتم إختراق التنظيم من أجهزة الأمن وتم إعتقال الكثير من أتباعه, حتي أعلن وقف العمليات بمصر لعدم القدرة, وأنضمام قيادته الممثلة في الدكتور أيمن الظواهري إلي تنظيم القاعدة ثم تولي قيادتها بعد مقتل أسامة بن لادن, وظهرت بعد ذلك بعد الجماعات الضعيفه القليلة الأفراد مثل جماعة الناجون من النار, والسلفية الجهادية والتي تتخذ من سيناء الآن مركزا لها وتقاتل الجيش المصري وتترك محاربة إسرائيل إعتمادا علي قاعدة أن قتال العدو القريب(وهي الأنظمة الحاكمة) أولي من قتال العدو البعيد الذي هو أمريكا وإسرائيل والحقيقةه هي أن العدو الذي يعتبرونه بعيدا وهو إسرائيل هو الأقرب لهم من الحكومة المصرية ولكنه الفهم المغلوط والقلب المنكوس...يتبع