ليس بخاف علي أحد حجم وضراوة المعركة التي تخوضها الأمة المصرية ضد جماعات المتأسلمين في ربوع مصر, أملا في كسر إرادة ثورة30 يونيو وإعادة عقارب الساعة إلي الوراء, معتمدين علي مؤامرة غربية تقودها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, وهو ما تكرر في26 يوليو لتفويض الجيش والشرطة في التصدي للإرهاب المحتمل, وكذلك عن اعتصامي رابعة والنهضة المسلحين قبل فضهما من قبل الدولة صاحبة السيادة علي الأرض المصرية, والتهديد بقطع المساعدات أو وقف التدريبات العسكرية, متناسين أن مثل هذه الأمور لا تخدم طرفا واحدا بقدر ما تخدم الطرفين المانح والمستقبل مما يعني أنها تعاقب نفسها قبل أن تعاقب مصر, كما أن قادتها لا يعرفون أن مثل هذه السلوكيات لن تجدي مع شعب تتلبسه حالة ثورية نادرة تأبي إلا النصر وتجعله قادرا علي تحدي أعتي الظروف للحفاظ علي استقلال إرادته وعدم ارتهائها مقابل الدولارات وإن عظمت التي يمكن تعويضها بتكثيف الانتاج وإعادة هيكلة منظومة الدعم, وحتي بربط الأحزمة علي البطون بما يسقط سلاح الضغط بورقة المساعدات علي مصر. لقد حفل الأسبوع الماضي بسلسلة من الأحداث الساخنة علي أرض مصر, لعل أبرزها الكلمة التي ألقاها الفريق أول عبد الفتاح السيسي والتي أكد فيها دون لبس علي شرعية المعركة الحالية التي يقودها الجيش والشرطة في سيناء وغيرها من البقاع الساخنة التي تسعي فيها التنظيمات الارهابية للعثور علي موطئ قدم لترويع الآمنين والمسالمين من شعب مصر عقابا لهم علي لفظهم لحكم جماعة الإخوان, ووصل بهم الخسة والنذالة إلي اغتيال25 مجندا بالأمن المركزي في رفح بدم بارد, مما كشف عن تنظيمات إرهابية تتمسح كذبا وزورا بالإسلام وهو منها برئ, فالإسلام دين الرحمة والتسامح ولا يعرف من يرتكب مثل هذه الجرائم الوحشية, علي أن مرتكبي هذه الجريمة النكراء خسروا ما تبقي من تعاطف مع المتاجرين بالدين والذين يدغدغون عواطف العامة والبسطاء بأحاديث مكذوبة ولا أساس لها من الصحة علي أرض الواقع. كان الأسبوع الماضي حاسما في المواجهة بين جماعات المتأسلمين وثورة30 يونيو, حيث أعلنت جماعة الإخوان عن تنظيم مظاهرات أسبوع الرحيل, لشل الجهاز الإداري للدولة ووصل بها الجموح إلي حد تنظيم عصيان مدني لكن رهائها باء بالفشل بعدما تلقت ضربات أمنية قاضية تمثلت في القبض علي كبار رؤسائها مثل المرشد العام محمد بديع ومن بعده صفوت حجازي وعدد آخر من قيادتها في المحافظات, مما يعني أن الجماعة فقدت عقولها المدبرة والمحرضة علي العنف, وتمزقت أواصر الاتصال بين كوادرها فغالبيتهم إما معتقل أو مطارد يتخفي في زي النساء, والأهم من ذلك كله أن العنف الذي تورطت الجماعة في شراكه أفقدها الظهير الشعبي والمتعاطفين معها, حيث باتت عناصرها هدفا للأهالي قبل أجهزة الأمن, مما جعل رهانها علي أسبوع الرحيل يلحق بباقي رهاناتها الخاطئة جملة وتفصيلا. هذا الأمر لا يعني الاسترخاء أو عدم التيقظ فلا تزال الجماعة وحلفاؤها بعيدون عن لغة العقل والحسابات الدقيقة, ويصرون علي الدخول في معادلات صفرية مع أجهزة الدولة, وممارسة الألعاب الخطرة علي نحو ما حدث ويحدث في كرداسة, حيث أعلنوا جمهورية من ورق, لا تختلف كثيرا عن جمهوريتي رابعة والنهضة ولن ننتظر كثيرا قبل إسقاطها علي رؤوس قادتها من دعاة الفتنة وتقسيم الوطن وهو السيناريو الذي أفشلته ثورة30 يونيو, وساعتها سيكتشف المغرر بهم والمخدوعين عقول قياداتهم المريضة والمغيبة عن رؤية الواقع. والأمر الذي يبعث علي التفاؤل حالة التوحد بين الشعب والجيش والشرطة ضد أعداء الوطن, إذ يدخل المصريون المعركة بإرادة حديدية وعزيمة لا تلين وثقة في النصر بلا حدود, وإيمان في الله بحفظ الوطن من الدسائس والمؤامرات والفتن وهو ما عبرت عنه كلمة الفريق أول عبد الفتاح السيسي بقوله إن المشكلات التي نواجهها أكبر من قدرة مصر لكنها ليست أكبر من المصريين, نعم نواجه, حربا إرهابية قذرة, وطابورا خامسا, ومحرضين دوليين وإقليميين, لكن الشعب المصري بجيشه وشرطته وشهدائه يظل قادرا علي كتابة تاريخ جديد لمصر وللأمة العربية جمعاء. وكم كان لافتا الموقف القوي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قال فيه إنه لن يسمح بابتزاز الإرادة المصرية بورقة المعونات والمساعدات الأجنبية مؤكدا استعدادا المملكة مع شقيقاتها الخليجيات لتعويض مصر عن هذه المساعدات لمنع الاقتصاد المصري من الانهيار, ولم يكتف الرجل العروبي بالكلمات فقط بل قرر تقديم خمسة مليارات دولار مساعدات جديدة للقاهرة, وهو ما اتبعتها الإمارات بملياري دولار وهو موقف سيسجله له التاريخ ولن ينساه المصريون, لقد وفر الموقف السعودي القوي ظهيرا مهما لمصر في الساحة الدولية التي تحمل نوايا غير طيبة لثورة30 يونيو, وهو أمر من شأنه أن يقلل من غلواء بعض العواصم التي تدفع باتجاه تدويل الأزمة المصرية, كما من شأنه أن يحمل هذه القوي علي مراجعة مجمل سياساتها من القاهرة في ضوء مستجدات الموقف السعودي إذ لا تستطيع إغفال مصالها مع الرياض. في هذا السياق توقفت كثيرا أمام والدة أحد الجنود الذين استشهدوا في سيناء عندما قالت لإحدي الفضائيات: إنني فخورة بابني ولم أحزن لاستشهاده لأننا جميعها فداء لمصر, وأضافت الأم الثكلي أدعو أمهات الشهداء أن يفرحن بالمكانة التي حصل عليها أبناؤهن وأن يخلعن الرداء الأسود.. هذه السيدة نموذج للمرأة المصرية الصميمة, الصابرة, المؤمنة, التي لم يسكرها استشهاد نجلها عن رؤية المعركة التي نواجهها, كما وردت عبارات مماثلة علي لسان أهالي وأقارب الشهداء من الجيش والشرطة لدرجة أن بعضهم طلب أن يرتدي الكاكي ويذهب بنفسه لمحاربة الإرهاب في سيناء.. هذه الروح التي لا تبخل علي الوطن بالنفس وفلذات الأكباد جعلتني أتفاءل بالمستقبل وأن رهان خفافيش الظلام علي الإيقاع بين المؤسسة العسكرية والشرطية وبين الشعب المصري سيفشل تماما مثلما رهانهم علي ابتلاع مصر.. ولا ينفصل عن ذلك الالتزام الكامل من الغالبية الكاسحة من المصريين بقرار حظر التجول الذي فرضته الحكومة يوم14 أغسطس لمواجهة الفوضي والعنف التي حاولت جماعات المتأسلمين نشرها ردا علي فض اعتصامي رابعة والنهضة غير السلميين, سوي دليل دامغ علي ثقة المصريين في حكومة الدكتور حازم الببلاوي.. تلك الحكومة التي تولت المسئولية في توقيت عصيب وأثبتت أنها أهل لها, فهي تدير معاركها بأسلوب علمي رصين, وتعزف لحنا وطنيا, وتضم كفاءات.. ولا يقل عنها مؤسسة الرئاسة التي قدمت لنا الدكتور مصطفي حجازي مستشار الرئيس الذي خطف الأنظار بشدة بعد مؤتمره الصحفي العالمي لتصحيح الصورة في الإعلام الخارجي, فالرجل يملك من الحضور ومن المنطق ومن الحجة ما يجعله صورة مشرفة لمصر في الخارج, نفس الشيء بالنسبة لوزير الخارجية نبيل فهمي الذي عقد مؤتمرا صحفيا أثبت أن مصر تغيرت وأن إرادتها تحررت وأنها ستراجع علاقاتها مع دول العالم في ضوء مواقفها مما يحدث علي الأرض المصرية الآن. لم تعد مصر الثورة رهينة في أيدي أحد ولم تعد تنتظر وصول التعليمات من أحد ولم يعد يحركها سوي حسابات المصلحة الوطنية العليا وهو ما أثلج قلوب المصريين الذين طالما شعروا بالمهانة والعار من ارتهان القرار المصري لدي الولاياتالمتحدة, منذ ذلك اليوم الذي قال فيه الرئيس الراحل أنور السادات إن99% من أوراق اللعبة في أيدي أمريكا وحتي خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك. يبقي أن الإفراج عن الرئيس المخلوع بحكم القضاء علي ذمة قتل المتظاهرين بعدما استنفد مدة الحكم الاحتياطي, أصاب البعض بالقلق ونشر حالة من الارتباك وهو ما تداركته الحكومة بوضعه تحت الإقامة الجبرية, في قرار صائب وقانوني100%, وهو ما أزال حالة الالتباس وبدد كل الظنون والتأويلات. ويبقي أيضا أن نطالب حكومة الدكتور الببلاوي بإعادة النظر في عدد ساعات حظر التجول ووقف حركة القطارات, وهي قرارات تفرضها الضرورة وتقبلها الناس بقبول حسن, وليس بأقل من استثناء مترو الأنفاق من الحظر أو حتي تقليل عدد ساعاته بعد أن أصبح وسيلة المواصلات شبه الوحيدة في القاهرة, مما جعله في الساعات الأخيرة التي تسبق الحظر يتحول إلي معركة, لا يستطيع أن يستقله سوي الأقوياء, أما الضعفاء والسيدات فلا يملكون سوي البكاء والعويل, وهو ما يجعلنا نرفع هذه القضية إلي المسئولين ونطالب بمنحها أولوية, لتخفيف المعاناة عن الشعب المصري الوفي والأبي, ولا نظن أن الحكومة رغم مشاغلها الكثيرة ستتواني في فعل كل ما من شأنه أن يخفف عن المواطنين طالما لا يتعارض مع اعتبارات الأمن القومي.