من البديهيات أن تتقاطع السياسة مع الاقتصاد فتارة تقود السياسة الاقتصاد وأحيانا كثيرة يقودها الاقتصاد, والمراقب للسياسة الألمانية في الشرق الأوسط قد يلحظ أن الاقتصاد يوجهها بدرجة أكبر من باقي الدول الغربية. فرغم أن الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا دعمت التدخل العسكري في العراق وليبيا, عارضت ألمانيا ذلك الأمر ولو من الناحية الشكلية وفي نفس الوقت مالت أكثر نحو تجنب الشراكات الاقتصادية الواضحة مع بعض الدول المعادية لإسرائيل. وأوضحت صحيفة هافنجتون بوست الأمريكية أن الكثير من المراقبين يصفون سياسة ألمانيا الشرق أوسطية باعتبارها واحدة من سياسات تجنب التدخل المباشر ورغم تبني هذه السياسة, فإن مجموعة من العوامل المحلية والتطورات الجيوسياسية الأخيرة في العالم العربي دفعت ألمانيا لتصبح أحد موردي الأسلحة الرئيسيين لدول الخليج حيث كانت ألمانيا تفرض في الماضي القيود علي مبيعات الأسلحة علي الصعيد الدولي, بغرض تجنب نقل الأسلحة إلي أيدي الحكومات في مناطق النزاع أو تلك التي لا تحترم حقوق الإنسان. لكن هذه السياسة بحسب الصحيفة تغيرت علي يد حكومة ميركل بعد أزمة اليورو واندلاع ثورات الربيع العربي وفي عام2011 قامت برلين والرياض بإتمام صفقة أسلحة بمليارات اليورو, حيث وافق السعوديون علي شراء مئات من الدبابات الألمانية الصنع وفي عام2012, زودت ألمانيا المملكة العربية السعودية بمعدات عسكرية بقيمة24,1 مليار يورو وفي هذا العام فازت المؤسسة الدفاعية الألمانية( كراوس مافيي-فيجمان) بعقد بقيمة89,1 مليار يورو لتوريد قطر بأنظمة مدفعية و86 دبابة. وأشار التقرير الذي اعتمدت عليه الصحيفة إلي بيان الحكومة الألمانية الذي يؤكد وصول مجموع صادرات الأسلحة الألمانية إلي دول مجلس التعاون الخليجي الستة إلي817 مليون يورو في النصف الأول من عام2013 وهي بذلك في طريقها لتتجاوز ال42,1 مليار يورو التي وصلت إليها في عام2012 وقد دافعت حكومة ميركل عن هذه الصفقات علي أساس أن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تساعد في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة ومكافحة الإرهاب. ولسنوات عديدة أدي تحالف ألمانيا مع إسرائيل إلي ردع برلين من تصدير الأسلحة إلي الدول العربية ولكن جاء تغيير موقف ألمانيا مدفوعا إلي حد كبير باهتمامها في مواجهة النفوذ الإيراني في العالم العربي, وطموحات الأسلحة النووية المفترضة لطهران ووفقا للمحللون فإن برلين الآن عازمة علي تعزيز القوة الخليجية علي حساب إيران. وقد رأي التقرير أن توقيت تطور العلاقات الألمانية مع دول الخليج يأتي متزامنا مع تتطور العلاقات الخليجية وخاصة السعودية مع روسيا وخاصة في ظل تهديد الإخوان المسلمين للمنطقة والتهديد الكامن في تركيا أيضا وقد أدت أيضا الاضطرابات في مصر إلي حدوث نوع من التوافق بين دول الخليج وروسيا مضيفا أن استمرار العلاقات الروسية الخليجية سوف يساعد ألمانيا اقتصاديا حيث ارتفع التبادل التجاري بين ألمانيا والسعودية إلي47% العام الماضي كما أن ألمانيا تعتمد بشكل كبير علي روسيا لاستيراد الغاز الطبيعي وسوف تكون برلين حريصة وحذرة في ألا تنتهج سياسات في الشرق الأوسط من شأنها أن تعرض العلاقات الاقتصادية الألمانية الروسية الخليجية للخطر. رابط دائم :