تتعرض حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لحملة إنتقادات متواصلة منذ اشهر من قبل احزاب المعارضة الإشتراكية واليسارية ومنظمات السلام ووسائل الإعلام الالمانية بسبب توسعها غير المسبوق في تصدير الاسلحة لدول الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل نفسها, وهو ما يعتبره المعارضون انتهاكا لقانون تصدير الاسلحة الالماني وخلخلة منهجية تقوم بها المستشارة للقيود المفروضة علي بيع اسلحة المانية لمناطق التوتر والنزاع. وبالفعل فإن وسائل الإعلام الألمانية وخاصة ذات النفوذ والعلاقات داخل اروقة التحالف المسيحي الليبرالي الحاكم مثل مجلة دير شبيجل او صحيفة دي فيلت لا تتوقف عن تسريب اخبار الصفقات الألمانية المتتالية لدول العالم وخاصة الدول الإسلامية والعربية في الشرق الأوسط, مشعلة بذلك المزيد من الجدل حول ما اصبح يوصف هنا في الدوائر الأكاديمية بمذهب ميركل, القائم علي دعم الدول الشريكة والصديقة لألمانيا عسكريا لتحقيق الاستقرار في محيطها الإقليمي. وقد زاد من سخونة الجدل المشتعل حول هذه القضية هنا في المانيا, ما نشرته دير شبيجل اخيرا حول موافقة مجلس الأمن الاتحادي علي تصدير104 دبابات من طراز ليوبارد2 وغيرها من المركبات العسكرية الحديثة لإندونيسيا. ومن قبلها بايام كان النقاش محتدما حول صفقة شركة كراوس مافاي الألمانية لتوريد62 دبابة مقاتلة طراز ليوبارد2 و24 مدفع دبابة إلي قطر وذلك بقيمة تتعدي المليار يورو فضلا عن إقامة منشآت تدريبية وتقديم خدمات عسكرية لقطر. وقبلها ببضعة اسابيع شهد البرلمان الألماني سجالا بين الحكومة والمعارضة بسبب ما نشرته دير شبيجل عن طلب السعودية شراء بضعة مئات من دبابات بوكسر الألمانية في صفقة بالمليارات. وقد طالت الإنتقادات ايضا صادرات الاسلحة لإسرائيل وإن كان التركيز عليها من قبل حزب اليسار ووسائل الإعلام القريبة منه. فقد تسلمت إسرائيل بداية شهر مايو الجاري في إحتفال أقيم بمدينة كييل الساحلية بحضور قائد البحرية الإسرائيلية الغواصة الخامسة من طراز دولفين التي تحصل عليها من المانيا من بين إجمالي تسع غواصات تجعل من البحرية الإسرائيلية قوة ضاربة. والغواصة الجديدة هي واحدة من ثلاثة تصل تكلفتها إلي مليار ونصف مليار يورو تقول برلين انها ستتحمل ثلث تكلفتها فقط في حين يتوقع الخبراء الا تسدد إسرائيل ابدا قيمة الثلثين الباقيين. وتتميز الغواصة بانها الأكبر والأطول والأحدث من هذا الطراز فهي لا تستطيع فقط الغوص لفترات قياسية ومزودة بمحرك ديزل كهرباء ومن الصعب رصدها, انما قامت الشركة الالمانية بتعديلها بحيث تصبح قادرة علي إطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية وهو الأمر الذي ترفض الحكومة الالمانية تأكيده رسميا حتي الآن. غير أن حزب اليسار المعارض تقدم للحكومة الالمانية بطلب لوقف تسليم هذه الغواصات مؤكدا التزامه هو ايضا بمسؤلية المانيا التاريخية تجاه إسرائيل ولكنه يرفض ان تنتهك الحكومة الالمانية معاهدة الحد من الإنتشار النووي والسياسات الداعمة لها بهذه الصفقة, إذ ان الخبراء يؤكدون ان إسرائيل ستقوم بتزويد الغواصات برؤوس نووية. وقد نالت صادرات الأسلحة الالمانية لمصر ايضا قدرا من الإهتمام, مثل صفقة الغواصات الألمانية من طراز يو209 التي تعتزم المانيا تصديرها لمصر والتي لا تزال تقارير إعلامية المانية تشير إلي ان إسرائيل ترفضها وتحاول بشتي الطرق تعطيلها عبر ممارسة ضغوط علي برلين التي وافقت علي الصفقة. وكما رفضت المعارضة الالمانية تصدير غواصات لإسرائيل تري ايضا ان الغواصات هي سلاح هجومي ولا يوجد مبرر لتصديره لمصر. غير أن إهتمام حزب اليسار المعارض بصادرات الأسلحة الالمانية لمصر إنصب بشكل مفاجئ علي العربة المدرعة من طراز فهد, وهي عربة تصنعها الهيئة العربية للتصنيع في مصر منذ الثمانينات علي اساس نموذج تي إتش390 الالماني من إنتاج مصانع تيسن هنشل. وكانت المفاجأة ان حزب اليسار تقدم في18 ابريل الماضي بسؤال برلماني للحكومة الالمانية يطلب فيه توضيحا شاملا ومفصلا عن الدعم الالماني لمصر في إنتاج هذه العربة المدرعة وفي توفير قطع غيارها وتحديثها خاصة انها لا تستخدم فقط في نقل الجنود أو في العمليات العسكرية أو الإسعاف أو زرع الألغام, ولكنها تستخدم ايضا كما اشار الحزب في مكافحة الشغب, وتم إستخدامها لقمع المتظاهرين مرارا منذ ثورة25 يناير! وتواجه الحكومة الألمانية بإنتقادات مستمرة بأن مبيعات الأسلحة لدول الشرق الأوسط تستخدم في إنتهاك حقوق الإنسان وزيادة التوتر في المناطق المشتعلة اساسا. وبأن هناك إتفاقا غير مكتوب بين الحكومة وصناعات السلاح الالمانية بدعمها من خلال هذه الصفقات بعد ان تراجعت الطلبات المحلية والأوروبية بسبب ازمة منطقة اليورو وتقليص ميزانيات الدفاع في الدول الأوروبية الكبري. ومنذ ايام انتقد الحزب الإشتراكي الديمقراطي اكبر حزب معارض في المانيا صعود المانيا رسميا للمرتبة الثالثة بين اكثر الدول المصدرة للسلاح عالميا بعد الولاياتالمتحدة وروسيا وبلغت صادراتها عام2011 نحو ستة مليارات يورو. وطالب رولف موتنسيش مسئول ملف الدفاع في الحزب بقانون جديد يقيد صادرات الاسلحة الالمانية ويضع معايير اضحة لها كما طالب بشفافية في عملية إقرار الصفقات بحيث لا تتخذ خلف الابواب المغلقة من قبل مجلس الأمن الإتحادي الذي يضم المستشارة وبضعة وزراء وإنما ان يؤخد رأي البرلمان اولا. غير ان المستشارة الالمانية تلتزم الصمت وتتجاهل مطالب المعارضة وتتمسك بمذهب ميركل الذي لخصته بدعوتها صراحة لدعم الدول الشريكة من اجل تحقيق الإستقرار في محيطها الإقليمي وتمكينها من تحقيق ذلك بالوسائل المختلفة ومن ذلك تصدير السلاح لها!