اختتمت في جنيف أعمال المؤتمر الذى دعت إليه الحكومة السويسرية، بالاشتراك مع الأممالمتحدة بعنوان "منع التطرف المُعنّف"، وذلك لمناقشة خطة العمل المقترحة من سكرتير عام الأممالمتحدة، بمشاركة مصرية نشطة لمندوبنا لدي المقر الأوروبي للأمم المتحدة السفير عمرو رمضان. وكلف وزير الخارجية سامح شكرى المندوب المصرى فى جنيف بتمثيله ورئاسة وفد مصر أمام المؤتمر، الذى ضم الوزير مفوض خالد عزمى مدير وحدة مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية، والمستشار محمد الشناوى من البعثة المصرية فى نيويورك، حيث يجرى التعامل مع الخطة، والمستشار الدكتور محمد الشاهد عضو البعثة المصرية فى جنيف. وألقى السفير عمرو رمضان كلمة مصر أمام المؤتمر، حيث أبلغ فى بدايتها بإعتذار الوزير شكرى عن المشاركة نظراً لتواجده بالقاهرة خلال زيارة الملك سلمان، ناقلاً تمنياته بنجاح المؤتمر فى التناول الجدى للموضوع. وقد عرضت مصر فى كلمتها محددات رؤيتها الوطنية إزاء مصطلح التطرف المعنف المستجد حديثًا فى ساحة العمل الدولى دون وجود تعريف له أو إطار بأبعاده، مما يعيق صياغة أسلوب فعال لمواجهة الظاهرة، حيث يتسم المصطلح بالإبهام على نحو يؤدى إلى الخلط بين مدلول التطرف المعنف، وبين ظواهر أخرى كالأصولية، والراديكالية، والتطرف الفكرى، والإرهاب الذى استقر العرف الدولى على التعامل معه. أضافت مصر أن استخدام مصطلح التطرف المعنف بديلاً عن الإرهاب، يقصر التناول على الأيديولوجيات الدينية فى المنطقتين العربية والإسلامية، بينما عرف العالم خلال القرن الماضى تنظيمات إرهابية كالألوية الحمراء فى إيطاليا، والجيش الأحمر فى ألمانيا واليابان، والجيش الجمهورى الأيرلندى، والقوات المسلحة الثورية فى كولومبيا وغيرها من تنظيمات. وحذرت مصر مما قد يكون مسعى للدول الغربية للترويج لظاهرة التطرف المعنف لأسباب واعتبارات سياسية تخدم توجهاتها ومصالحها فى العالمين العربى والإسلامى بصفة خاصة، كما نشهد فى الحالة السورية من قصر التوصيف بالإرهاب على تنظيمات داعش ، والقاعدة، وجبهة النصرة دون غيرها من تنظيمات تتخذ من العنف وحمل السلاح وسيلة لتحقيق أهدافها. وقد رحبت مصر بما جاء فى خطة السكرتير العام المقترحة من تأثير ظاهرة التطرف المعنف على السلم والأمن، والتنمية المستدامة، والتمتع بحقوق الإنسان، والجوانب الإنسانية، إلا أنها أبدت عدم توافقها مع ما سردته الخطة المقترحة من دوافع للتطرف المعنف نظراً لغياب عنصر الاحتلال الخارجى والهيمنة الأجنبية، كما هو الحال فى فلسطين والعراق، أو العنصرية والتمييز ضد المسلمين كما هو واقع فى الغرب والإساءة إلى الرموز الإسلامية فى بعض الأحوال، فضلاً عن غياب آفاق للمستقبل بسبب الفقر والبطالة وعدم وجود قواعد عادلة للتجارة. وهى عوامل دولية يتعين على المجتمع الدولى معالجتها بحزم إذا كان جاداً فى التعامل مع ظاهرة التطرف المعنف. وأشارت مصر إلى الحوار الوزارى الذى دعت إليه بمجلس الأمن يوم 11 مايو المقبل أثناء رئاستها للمجلس لمجابهة أيديولوجيات الإرهاب. وكان منظمو المؤتمر قد دعو السفير عمرو رمضان إلى المشاركة كمتحدث فى الجلسة المخصصة للحديث عن العوامل المؤدية للتطرف المعنف خلال شق كبار المسئولين من المؤتمر، حيث أشار إلى أنه رغم الاتفاق مع ما ذهب إليه السكرتير العام للأمم المتحدة في خطته المقترحة من أسباب جذرية مؤدية إلى ظاهرة التطرف المعنف، مثل غياب فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واستمرار الصراعات دون تسوية، إلا أنه أبدى تشككه فى الدوافع الثلاثة الأخرى التى ذهبت إليها الخطة سواء من وجود ارتباط عضوى بين سوء نظم الحكم، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبين نشوء ظاهرة التطرف المعنف وانتشارها، أو الأصولية فى السجون، أو التهميش والتمييز ضد فئات المجتمع الواحد. إذ لا توجد دلائل علمية تثبت مثل هذه العلاقة الطردية، حيث لا يوجد ما يفسر مثلاً ظاهرة المقاتلين الأجانب من المجتمعات الغربية، مع إغفال أن كثيراً من الإرهابيين دخلوا السجون لتنفيذ أحكام تعلقت بقيامهم بأعمال إجرامية، ولم يتعلموها فى السجون. وأضاف السفير رمضان أن الخطة أغفلت دوافع أربعة رئيسية، هى الاحتلال الخارجى، والهيمنة الأجنبية، وحرمان الشعوب الواقعة تحت الاحتلال من حق تقرير المصير، والتمييز والعنصرية على المستوى الدولى، وكره الأجانب وازدراء الأديان، وغياب آفاق للمستقبل بسبب النظام الاقتصادى العالمى. وهى كلها عناصر للغرب دور رئيسى فيها، بدلاً من إلقاء اللوم على المجتمعات العربية والإسلامية فى انتشار ظاهرة التطرف المعنف والإرهاب ومحاولة حصرها فى عوامل وطنية. وقد أبدت وفود عربية وإسلامية ولاتينية مشاركة في المؤتمر اتفاقها مع الرؤية المصرية إزاء ظاهرة التطرف المعنف، ومع الموقف المصري من خطة عمل السكرتير العام لمكافحة التطرف المعنف، معتبرين أن تلك الرؤية وذلك الموقف يجسدان توجهات كثير من دول العالم النامى، مقابل مواقف الدول الغربية، التي تسعى للترويج لظاهرة التطرف لأسباب واعتبارات سياسية، تخدم توجهاتها ومصالحها في العالم العربى والإسلامى بصفة خاصة.