تفجرت فى الأيام القليلة الماضية اعتصامات العاملين بمعظم المؤسسات الإدارية والاقتصادية للدولة مطالبة بإصلاح الأجور والمرتبات بما يتماشي مع ظروف الحياة اليومية، بل إن العمالة المؤقتة ارتأت في مثل هذه الفترة الفرصة لتطالب بتثبيتها للاطمئنان علي مستقبلها الوظيفي والمعيشي. بالطبع فإن المسئولين في مثل هذه الظروف لا يملكون سوي الطاعة وسرعة الاستجابة بالموافقة رغم أن موازنة الدولة تئن بأعباء مالية كبيرة، بل إن موارد الدولة الأساسية قد يكون قد جف بعضها بعد سلسلة المظاهرات والاحتجاجات التي تعيشها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي كالسياحة. يؤكد الدكتور شريف دلاور، أستاذ الاستثمار الدولي والخبير الاقتصادي أن هناك خلفيات عديدة أدت إلي تفجر هذه الاعتصامات علي رأسها الفجوة الهائلة بين الدخول المعيشية للأفراد مما خلق حالة من الضغط المتزايد وهذا مرجعه انتشار الفساد بكل ألوانه في جميع الأجهزة الإدارية. إضافة إلي عشوائية التجارة الداخلية وما ترتب عليها من أعمال احتكارية لبعض الشركات الكبري التي سيطرت علي الأسواق فرفعت أسعار السلع الأساسية بشكل مبالغ فيه وانتشار أعمال الغش والتهريب والسلب وغياب التوازن بين الأجور والمرتبات ومستوي المعيشة. أما الدكتور سعيد عبد المنعم أستاذ الضرائب والمحاسبة ونائب رئيس جامعة شمس، فيري أن موافقات المسئولين علي مطالب المعتصمين ستكون بمثابة " الضحك علي الذقون " لأن الدولة تعاني ندرة شديدة في موارد الدخل القومي في مثل هذه الظروف.. وهي مطالب شبه انتهازية في هذه الأوقات لأنها تجيء وسط هوجة من المظاهرات والاضطرابات التي تشهدها مصر لذا فهو يطالب المعتصمين بالتريث والعقلانية حتي لا يدفع ذلك الحكومة إلي طباعة البنكنوت وينتج عن ذلك ارتفاع في نسبة التضخم بمعدلات تجلب المزيد من المشاكل الاقتصادية مشيرا إلي أن الحكومة الجديدة بدأت بالفعل عملية الاقتراض من خلال طرح أذون خزانة وهي بداية لا تبشر بالخير. قال عبد المنعم إن قرار الحكومة بمنح 15 % علاوة خاصة تصرف للعاملين مع مرتبات شهر أبريل هو نوع من المخاطرة لأن الموارد المالية لم تدبر بعد لهذه العلاوة السيادية.. فى رأى عبد المنعم هناك إجراءات يجب أن تتخذ علي رأسها إحكام سيطرة الدولة علي أراضيها وبيعها بأسعار مناسبة للشركات الاستثمارية والعقارية وللأفراد للبناء عليها أو لاستصلاحها وزراعتها. كما طالب بزيادة استكشافات بترولية والتنقيب عن الغاز مع التوسع في استخدامه في الأنشطة الاقتصادية المحلية أفضل من تصديره لتقليل فاتورة الدعم الموجه للطاقة التي قارب علي 70 مليار جنيه.. وحث الحكومة أيضا علي التوسع في الحصول علي المنح والمعونات من المؤسسات الدولية والقروض الميسرة بفوائد ضئيلة حتي يمكن استخدامها في مشروعات إنتاجية للشباب لتشغيلهم وتخفيف عبء عائد الديون الذي يعد الباب رقم واحد في أعباء الموازنة العامة سواء علي القروض المحلية أو الأجنبية. لكن الدكتور صبري أبو زيد عميد تجارة قناة السويس السابق وأستاذ الاقتصاد يري أن الحكومة يجب أن تتخذ أسلوب الحوار كحل لمعظم مشاكلها مع المعتصمين خصوصا الذين يطالبون بزيادة المرتبات لأن غياب الموارد التي تمول هذه الزيادات أخطر من السلبيات الموجودة حاليًا. يقول أبو زيد إنه يجب علي الحكومة أن تضع خطة لمدة 5 سنوات تسعي خلالها إلي زيادة جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية من خلال مواصلة عملية إصلاح مناخ الاستثمار وتقديم حوافز للمستثمرين مع الوضع في الاعتبار توفير الأراضي والمرافق للمدن الصناعية والجديدة وحل المشاكل التي تعاني منها وهذا من شأنه أن يوفر فرصا للعمل وموارد للدولة. ويطالب بتخفيف وترشيد نفقات السفر والبعثات للخارج لأنها تستنزف جانبا كبيرا من النفقات بالعملات الصعبة ويطالب بضرورة تبسيط إجراءات الإقراض من الصندوق الاجتماعي والبنوك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص للعمل. ويقترح شريف دلاور، أستاذ الاستثمار الدولي والخبير الاقتصادي أنه يستلزم إصدار عدة مشروعات من القوانين لتنمية موارد الدولة حتى يمكن الاستجابة لتلك المطالب، مثل الضرائب التصاعدية، التي تفرض علي دخول الأفراد بمعني أن يكون هناك حد أقصي لإعفاء هذه الدخول. وأشار دلاور إلي أن هذا النوع من الضرائب يطبق في أمريكا وفرنسا بنسب، مؤكدا أن هذه الضريبة لن تطبق إلا علي أصحاب الدخول المرتفعة من 100 ألف جنيه سنويا فيما فوق. وثاني هذه المصادر كما أوردها الدكتور دلاور هي فرض ضرائب علي الأرباح السريعة الناتجة عن البورصة فهذه الضريبة من شأنها أن تقضي علي أعمال المضاربات ومواجهة الأموال الساخنة، التي تشعل أسعار الأسهم في البورصة وترسي قواعد الاستثمار الآمن فيها. مشيرا إلي أن هذه الضريبة يجب أن تتدرج ما بين 30 و10 % وفقا لطول فترة الاستثمار في الأسهم وبالتالي فهي تساعد علي التخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية لدخول وخروج الأجانب في البورصة. وثالث هذه المصادر، هو الاهتمام بالفاقد الذي يمثل 40 % من مواردنا القومية في المياه والكهرباء والمحاصيل الزراعية الأساسية وهو ما يعني زيادة مواردنا. أما رابع المصادر فهو ترشيد النفقات الحكومية وإيقاف تصدير الخامات الأساسية كألواح الرخام والجلود الخام والرمال الناعمة والخردة لأن تصنيعها يحقق ناتجا قوميا كبيرا يسهم في معدلات النمو. وخامس المصادر هو فرض ضرائب تصاعدية علي كل نشاط غير إنتاجي مثل أعمال السمسرة في شراء وبيع الأسهم أو الأراضي أو الشقق، بغرض الاتجار فيها وهو ما يسمي الربح الكسول.