بعث عمرو موسى، القيادي البارز في جبهة الإنقاذ والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، رسالة فيديو إلى مؤسسة منتدى "أصيلة" الدولي بالمغرب حصلت "بوابة الأهرام" بالحصول على نسخة منها، وقد تضمنت رأيه في مجريات الأحداث التي مازالت في أشدها حول الثورة المصرية ومثيلاتها العربية. وتناول موسى في مستهل رسالته مصطلح "الربيع العربي"، قائلا: أريد أن أصارحكم أنني لا أتفق مع تعبير "الربيع العربي" المنقول نقلا عن تطورات شرق أوروبا التي جرت بداية من العقود الأخيرة في القرن العشرين.. فهو ليس بعد ربيعا في عالم العرب. وأضاف: كما أنني وبنفس القدر أتحير حين ألتقي بلفظ الحراك بل أنني لا أحبه، أفضل عليه لفظ الحركة إذا كان ولابد فهي أدق وأبلغ ورسالتها أوضح.. ولكن ما حدث في العالم العربي ليس مجرد حركة أيضا، إنه في رأيي حركة تغيير ثورية كاملة، فيها حركة مؤكدة من مرحلة إلى أخرى، فيها تغيير عميق من حال إلى حال، وفيها ثورية وشباب وعنفوان. وأوجز "موسى" حركة التغيير الثورية التي يراها تشكل مفصلا تاريخيا يفصل بين عصرين، في 6 عناصر، يقول: أولا هي رفض بليغ وحاسم للنظم الأوتوقراطية العربية (أي نظم حاكمة تلقائيا دون اختيار الشعب)، وبدء للعد التنازلي لها لتخرج من الصورة تماما، وثانيا هي توجه واضح نحو الديمقراطية، يأتي عن طريقها ويذهب الحكام، وبالتالي بدأ شعار "الديمقراطية هي الحل" يجد له مكانا مركزيا في الأذهان، وفي الفكر السياسي العربي. أما ثالثا، فهي حركة انتقال من جيل إلى جيل، فقد فرض جيل الشباب مضمون التغيير وجوهره، وأصبح له التأثير الواضح في كثير من مجريات الأمور، ورابعا تعتبر حركة شاملة عابرة للشعوب العربية، وإن لم نصل بعد لأن تكون عابرة لكل المكونات العربية "دولا ومجتمعات ومؤسسات"، ولكنها قطعا على الطريق. وتعد خامسا حركة تبرئه، إذ هي تبريء المجتمع العربي من أنه جامد لا يتطور أو أنه منقسم لا يلتئم وأن دوله لن تتفق أبدا أو هي غير قادرة على الاتفاق لهشاشتها وتبعيتها لغيرها إلى أخر الاتهامات المعروفة، وهي اتهامات بعضها صحيح إذا وضعناه في زاويته الضيقة أي الخلافات بين الحكام الأوتوقراطيين. ويدلل على حديثه، بقوله: أفقنا ذات يوم إلى حدث مؤثر جرى في إحدى قرى تونس النائية، فإذا كافة شوارع وميادين مصر وليبيا وسوريا وصولا إلى اليمن بل وغيرها تثور داعمة حق هذا الشاب التونسي في الكرامة، محتدة على أسلوب التعامل معه، صحيح أن لكل شعب أسبابه، وأحزانه التي استندت إليه انتفاضته أو ثورته لكن المعنى واضح، هناك تفاعل، هناك تتداخل، هناك تأثير مشترك بين أحداث العالم العربي في كل قطر من أقطاره، هناك عالم عربي مفعم كله بالرغبة بل بالعزم الأكيد على التغيير، تغيير نمط حياته والالتحاق بالقرن الحادي والعشرين. وعن العنصر السادس، يقول: هي حركة أثبتت صحة ما كان يتحدث به الحكام "الأوتوقراطيون" من أن الخيار يقع بينهم وبين حكم الإخوان المسلمين، يا هذا يا ذاك، وأن سقوطهم يعني بدء الحكم الذي يخلط الدين بالسياسة بكل ما يؤدي إليه ذلك من تداعيات. يستطرد موسى: وفي هذه النقطة فإن ما نشهده من صعود الأحزاب الدينية إلى الحكم ليس إلا تطورا ضمن التطورات، ومحطة ضمن المحطات قد لا يقف عندها القطار إلا قليل، وحركة التغيير العربية الثورية في مرحلتها الحالية تمر بصعوبات جمة، نشهد مظاهرها في ليبيا، وفي مصر، وبدرجة أقل في تونس، وبدرجة أكثر حده في سوريا. وحول الوضع المصري تحديدا، قال: انتهت ثورة 25 يناير الشاملة الأبعاد إلى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم وهو حدث ضخم بكل مضامينه وفي إطار التطور التاريخي، ومصر إذ كانت تتأهب بثورتها التي أشعل جدوتها جيل شاب إلى القفز نحو المستقبل والإسهام في خضم القرن ال 21، إذ بقوة تقودها إلى أهداب ماض عريق، وإلى مفاهيم خاصة لا تجمع عليها الأجيال الحاضرة. وأضاف: إن كان هناك اتفاق على سيادة مبادئ الشريعة الإسلامية وعلى احترام شرائع الأديان الأخرى، فإن الزاوية الخاصة التي ينظر منها الحكم لا تتيح له إلا رؤية ضيقة لا تتمكن من الإلمام بأبعاد المواقف التي هي أكثر تعقيدا مما كانوا يظنون، والتحديات التي تتطلب ائتلافا وتجمعا وطنيا بين كل الفصائل وكل الاتجاهات حتى يتمكن من التعامل معها، لا يكفي أهل الثقة من الموظفين للقيام بالمسئوليات المطلوبة في مرحلة غاية في الدقة، أعتبر أنها مرحلة أن نكون أو لا نكون. وتابع "موسى": ومن ثم أصبح يضاف إلى الاختلاف بشأن طبيعة الحكم أو مرجعية الحكم دينية أو مدنية، اختلاف آخر يتعلق بطريقة إدارة الحكم أو بسوء إدارته، وأيا كان الأمر، فإن المصريين مصممون على إنقاذ بلادهم من الفشل، ويقيني أن كافة مجتمعات العرب تستهدف النجاح، وهذا له معناه ومبناه، الكل يريد النجاح، ولكن النجاح لدى البعض هو أن تعود لعادات قديمة أو أن تنفصل عن العالم أو أن تفسر العالم طبقا لنظرتك الضيقة، رأينا ذلك في أمثلة عديدة حول العالم، ونرى بعضا منه في العالم العربي حاليا. يضيف: النجاح في رأيي هو أن تعيش عصرك وعصرنا هو القرن الحادي والعشرين، وأن تحقق تقدما اقتصاديا وثقافيا وخدماتيا ييسر على شعبك أن تعيش حياة سهلة منتجة، وأن تسهم في تقدم أمتك العلمية والثقافية والإنتاجية، وأن تقود كما في حالة مصر المنطقة نحو سلام حقيقي عادل، ومستقبل أكثر رخاء واستقرارا وأمنا، هذا هو النجاح، وليس هناك تفسير أخر سمائيا كان أو أرضيا. يذكر أنه كان من المقرر أن يشارك عمرو موسى يومي الجمعة والسبت 28، 29 يونيو الجاري في ندوة "فصول الربيع العربي من منظرونا ورؤية الآخر" ضمن فعاليات منتدى "أصيلة" الدولي، مع نخبة من السياسيين والمثقفين البارزين في مختلف الدول العربية والأجنبية منها: "ليبيا، وسوريا، والبحرين، والأردن، وقطر، والسعودية، ولبنان، وفلسطين، والكويت، وإيران، والكونغو، والبرتغال، وفرنسا، وأمريكا"، ولكنه اعتذر عن الحضور والمشاركة في الندوة للظروف التي تمر بها مصر حاليا والتي تستوجب في رأيه تواجده في الوطن.