في ساحة سياسية شديدة الازدحام باللاعبين الذين تتفاوت قوتهم ووزنهم على الساحة، فإن جماعات الإسلام السياسي "رقم صعب" لايمكن تجاهله بعد عامين ونصف العام قطعتهما ثورة 25 يناير في طريق مرتبك لتحقيق أهدافها. ومن الخطأ أن نختصر جماعات الإسلام السياسي في جماعة واحدة وحزب واحد، وهي جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، فالجذور الفكرية والمنهجية لهذه الجماعات قسّمتها لفرق وجماعات كثيرة. ومن اللافت أن تولي الرئيس محمد مرسي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، كبرى جماعات الإسلام السياسي، قد ساهم في زيادة الفجوة بين الإخوان وتيارات عديدة ترتدي عباءة الإسلام السياسي، وهي الفجوة التي بدأت على استحياء في انتخابات مجلس الشعب في فبراير 2011، وظهرت واضحة في مظاهرات 21 يونيو المؤيدة لمرسي. ورغم أن خلفيات هذه الجماعات تستند إلى منهجية الدين الإسلامي الثابتة، إلا أنهم-لأسباب عديدة- قرروا طواعية خوض غمار لعبة السياسة التي لا ثوابت فيها. ولم تتسم علاقات هذه الجماعات مع بعضها البعض بالثبات طوال الوقت، فأصاب علاقاتها التناغم أحيانا كثيرة والنشاز في أحيان أكثر، والسطور القادمة تحاول تتبع الخط البياني لعلاقة جماعة الإخوان مع فصائل التيار الإسلامي منذ قيام الثورة وحتى الآن. الجماعات الإسلامية الجماعة الإسلامية خرجت بالأساس، من رحم جماعة الإخوان المسلمين في بداية السبعينات من القرن العشرين حيث تأثر أعضاؤها بكتابات المفكر الإخواني الشهير سيد قطب، عن جاهلية المجتمع ووجوب إصلاحه من أعلى وليس من أسفل، وانتشر أعضاء الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية إلى أن تم القبض على معظم أعضائها في نهايات السبعينات. وعلى الرغم من هذا التقارب في البداية، إلا أنه لم يستمر على الوتيرة نفسها، فطالما اعتبر أعضاء الجماعات الإسلامية أفراد جماعة الإخوان متساهلون ومُفرطون في الدين من أجل السياسة. وبعد ثورة 25 يناير حدث نوع من التقارب سعت إليه جماعة الإخوان المسلمين من أجل توحيد جماعات الإسلام السياسي تحت رايتها الحاكمة من خلال ما يعرف بالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح. إلا أن هذا التوافق لم يدم كثيرا فحتى هذه الهيئة استقال منها عدد كبير من رموز الجماعة الإسلامية على رأسهم الدكتور ياسر البرهامي بسبب مما وصفوه وقتها ب"سيطرة المهندس خيرت الشاطر" عليها. كما تحفظ السيد إمام الشريف مفتي الجماعة الإسلامية على آراء سيد قطب مفكر الإخوان، ووصفه بأنه أديب وليس إماما أو داعية. كذلك هاجم الدكتور أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة قادة الإخوان لمدحهم المجلس العسكري وتكوين أحزاب على أساس قانون يحظر قيام أحزاب دينية دون الاعتراض على هذا القانون، متهما إياهم بتسليم مصر للعلمانيين. وبما أن الجماعات الإسلامية نوعان منها من أجرى مراجعات فقهية في السجون ونبذ أعمال العنف، فمن بينها أيضا ما يعرف بالسلفية الجهادية التي لم تفعل كسابقتها وتتمركز في سيناء وتعتبر الرئيس مرسي خارجا عن الشرع ولا يحكم بما أمر الله عز وجل، وإن لم يصلوا بعد إلى مرحلة التصادم معه، وهو الشئ الذي تحرص عليه الجماعة. التيار السلفي التيار السلفي في مصر من أكثر جماعات الإسلام السياسي التي دعمت الإخوان وحزب الحرية والعدالة عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير رغم الاختلافات المنهجية بين الجانبين إلا أن التيار السلفي انتهى إلى أن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان يمثلون حلم مشروع الدولة الإسلامية في مصر. لكن مواقف عدة أدت إلى توتر العلاقة بصورة كبيرة بين الجانبين أهمها على الإطلاق التئام العلاقات المصرية الإيرانية على يد الرئيس الحالي، وهو ما يراه رموز التيار السلفي تجاوزا لا يمكن السكوت عنه بسبب إقرار مذهبهم لخلافات واضحة مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجمها أغلب رموز التيار الشيعي في سورة سب مستمر لهم. وقد أجج هذا الشعور وصول أول وفد سياحي إيراني إلى الأقصر وأسوان بعد جفاء استمر لسنوات، فما يراه أعضاء الإخوان دبلوماسية وسياسة، يراه رموز التيار السلفي تناقضا في المواقف، فكيف لمن يدعو لنصرة الشعب السوري أن يضع يده في يد الداعم الأول لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. العامل الثاني من عوامل توتر العلاقة بين الجانبين هو بعض التصريحات التي يراها رموز التيار السلفي استفزازية من قبل قيادات الجماعة، وعلى رأسها تصريحات الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهوري، قبل توليه المنصب، والتي عبر فيها عن قلقه من الدور الذي يمكن أن يلعبه التيار السلفي في مصر خلال الفترة القادمة باعتباره أنه من التيارات المتشددة فكريا، هذا فضلاعن تأكيد رموز الجماعة المتواصل أنهم لا يفقهون في السياسة. العامل الثالث في هذا الإطار هو ما يعتبره أعضاء التيار وحزبه النور السلفي تراجعا من قبل جماعة الإخوان عن وعودها للتيار السلفي، فالجميع يعرف أن قيادات حزب النور السلفي دعمت مرشحي الجماعة في انتخابات مجلس الشعب وفضلت بعض أعضاء الجماعة على أعضائهم، إلا أن التيار لم يمثل بصورة قوية لا في الحكومة ولا في تشكيل المحافظين. ما سبق دفع الدعوة السلفية إلى تغيير وجهة نظرها في الجماعة فتراجعت عن تأييدها في انتخابات الرئاسة ودعمت عوضا عن ذلك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي المنشق عن الإخوان رغم الحملة العاصفة التي شنتها الجماعة ضد أبو الفتوح الذي خالف قرارهم بعدم الدفع بمرشحين في انتخابات الرئاسة. ولم ينس قادة الإخوان أن أبو الفتوح قاد التيار الإصلاحي داخل الجماعة ودعمه في ذلك تيار الشباب في مواجهة التيارات التقليدية التي تحمل فكر حسن البنا دون تجديد والتيار القطبي الذي يحمل فكر الشيخ سيد قطب المتشدد. استمرت تداعيات العلاقة المتدهورة تلك مع ظهور ما يسمى بأخونة الدولة المتمثل في قيام النظام الحالي باستبدال عدد كبير من الكوادر في مفاصل الدولة الحية بأخرى إخوانية وهو ما تم الكشف عنه بالأرقام من خلال يونس مخيون رئيس حزب النور الذي قدم ملفا كاملا في هذا الشأن أثناء الحوار الوطني مع رئيس الجمهورية حتى أنه انفعل وهم بمغادرة اللقاء عندما هم الأول الاستئذان قبل أن يتسنى لمخيون الحديث. وقد بلغ تدهور العلاقات بين الجانبين ذروته عندما أقال الرئيس مرسي مستشاره لشئون البيئة الدكتور السلفي خالد علم الدين وتضامن معه القطب السلفي مستشار الرئيس للشئون العربية الدكتور بسام الزرقا، وتلا ذلك حملة تصريحات مضادة من قبل نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي ضد الرئيس وتدخل لتهدئتها أطراف من جماعة الإخوان. ولا أدل على تدهور علاقة جزء كبير من التيار السلفي مع جماعة الإخوان المسلمين سوى اعتذار حزب النور عن المشاركة في مليونية لا للعنف التي دعت إليها أكثر من 30 حزبًا وتيارًا وجماعة إسلامية. وعلى الرغم من أن مؤسسة الأزهر لا تعتبر ضمن جماعات الإسلام السياسي بحكم أنها لم تشتغل بالسياسة، وبحكم أنها مؤسسة وليست جماعة، إلا أنها سيكون لها دور فيما نرصده من علاقات بين القوى الإسلامية في فترة مابعد ثورة يناير، وبالتالي كان من الضرورة بمكان عدّها في هذا المضمار. وعلى الرغم من عدم ممارسة الأزهر للسياسة إلا أن قطاعات عريضة من الشعب المصري تعتقد بوجود سعي حثيث من قبل جماعة الإخوان المسلمين للإطاحة بالدكتور أحمد الطيب إمام الأزهر من منصبه بسبب توجهاته غير المتواكبة مع تفكير الجماعة، وخرجت بالفعل مليونيات عديدة لتأييد ودعم الطيب في القاهرة وعدة محافظات أخرى ضد جماعة الإخوان المسلمين. بعض المغرمين بنظرية المؤامرة يربطون بين واقعة تسمم طلبة جامعة الأزهر، ومحاولات الإطاحة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر باعتبارها ذريعة مختلفة لهذا الهدف بالأساس خاصة وأنها تكررت أكثر من مرة. ما سبق يعضده تصريحات بعض رموز الأزهر النارية ضد جماعة الإخوان المسلمين، واتهامهم باستغلال الدين في السياسة بصورة لا تليق، وعلى رأسهم الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، الذي وصف دعوات أعضاء الجماعة للجهاد في سوريا بأنها "استغلال رخيص للدين" وأن ما يحدث في سوريا ليس اعتداءً على دولة إسلامية بل فتنة كبيرة بين طائفتين من المسلمين. ويبقى ترمومتر علاقة جماعات الإسلام السياسي ببعضها البعض غير مستقرا على درجة بعينها حسب اختلاف المصالح وتطورات الأحداث وتغير القيادات وتغير الإرادة الشعبية في حد ذاتها، ليبقى القول الفصل يوم 30 يونيو إما أن تستمر خريطة العلاقة بينهم على نفس شاكلتها أو تتغير تمامًا مع تغير الواقع على الأرض.