بالرغم من ثيوت عدم فاعلية الإجراءات غير الدستورية لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، إلا أن البعض مازال يصر على المضي قدماً بتلك الإجراءات التي وصفها السيد ياسين بالمراهقة السياسية. ولذا ينظر لحملة كفاية "تمرد" بوصفها حلقة من حلقات هذا المسلسل الذي لا ينيه من العبث السياسي بعدما توارت حملة جمع التوكيلات للفريق عبد الفتاح السيسي ودعوته لتسلم الحكم دون أي أثر سياسي لتلك التوكيلات، وكأننا ليس في دولة بها مؤسسات وآليات متعارف عليها للتغيير السياسي، فجأة ظهرت حملة مماثلة تقودها حركة كفاية ومجموعة من القوى الثورية تستهدف مؤسسة الرئاسة بشكل مباشر هذه المرة، من خلال دعوتها لحملة "تمرد" التي تستهدف سحب الثقة من الرئيس، في محاولة لإعادة إنتاج خبرة الحملة الأولى. ولكن يبدو أن المحصلة الهزيلة التي آلت إليها الحملة الأولى، لم تمثل عامل إقناع لمنظمي الحملة الثانية، في إصرار واضح على ممارسة العملية السياسية كما قال المفكر الاجتماعي السيد ياسين بنوع من المراهقة وعدم الرشد السياسي. ما يحدث على الساحة بتوصيف المفكر الاجتماعي نبيل عبدالفتاح نوع من غياب الوعي السياسي بقيم وآليات الديمقراطية، التي تحدد وترسم ضوابط للعمل والوعي السياسي ما دونها بمثابة نوع العبث أو التهريج السياسي. ولذا ما نراه شيء طبيعي لافتقادنا هذا الوعي والمسئولية تجاه تنمية قيم وآليات ديمقراطية حقيقية. حيث أشارت لتلك الحقيقة الدكتور باكينام الشرقاوي مساعد رئيس الجمهورية للشئون السياسية بقوله على حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك ": أن مصير الثورة يرتبط بنجاحنا في إصلاح مؤسسات الدولة، وتظل الديمقراطية السبيل الوحيد لذلك. إلا أن خطورة الحملة الثانية بخلاف مثيلتها الأولى في كونها رغم الاستعراض الإعلامي أدت لانقسام خطير داخل حركة كفاية ما بين مؤيد ومعارض لها، وانتقل بدوره داخل المجتمع. صحيح أن عدد تلك التوكيلات لم يتجاوز المئات القليلة حتى الآن، والتي كان أخرها انضمام رئيس حزب العمل والفلاحين كمال خليل، والذي وقع على التعهد الداعي لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تحت إشراف رئيس المحكمة الدستورية العليا، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، إلا أن منظمي الحملة مستمرون فيها. فحسب تصريحات محمود بدر أحد كوادر الحركة، فمن المتوقع أن تستمر حملة "تمرد" حتى 30 يونيه المقبل، حيث من المتوقع أن تنتهي فعالياتها بمظاهرة حاشدة أمام قصر الاتحادية للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وعرض نتائج الحملة التي تستهدف جمع 15 مليون توقيع لتبرير مطلب سحب الثقة من الرئيس. هذا المستهدف يفوق عدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس بجولة الإعادة الثانية، كما أن توقيت ختام الحملة جرى اختياره بعناية حيت يتزامن مع الذكرى الأولى لتنصيب أول رئيس مدني في تاريخ مصر، في محاولة لإفسادها. ولذا فإن الفكرة قبل أن تلقى معارضة خارجية، لقيت معارضة أشد من داخل حركة كفاية، ففي حين أكد البعض تأييده للفكرة والبدء في إجراءات تنفيذها وجمع التوقعات، في المقابل رفضها آخرون، مشددين على أن شرعية الصندوق أقوى من أي محاولات لزعزعتها. وإذا كان الجناح اليساري داخل كفاية من تزعم الحملة ويصر عليها، فإن الجناح الإسلامي فيها أبدى معارضة كبيرة لها، وانحازت إليه بعض القوى الليبرالية بالحركة، حيث رفض أعضاء حركة كفاية المنتمين إلى حزب العمل الإسلامي فكرة سحب الثقة من الرئيس مرسى، مبررين موقفهم بأن مرسي جاء بانتخابات نزيهة وشرعية بعد ثورة 25 يناير، ولآبد أن يستكمل مدة رئاسته لحين إجراء انتخابات رئاسية بعد أربع سنوات. وأيد هذا المنحى محمد الشرقاوي عضو اللجنة التنسيقية بحركة كفاية، الذي رفض فكرة تدشين الحملة داخل الحركة لسحب الثقة من الرئيس، مشيرًا إلى أن موقف أعضاء حزب العمل داخل حركة كفاية متسق تماما مع رأيه، مطالبًا القوى السياسية، وعلى رأسها المعارضة المدنية بضرورة التحلي بالصبر حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة والسعي للحصول على أغلبية برلمانية، تمكنهم من تشكيل الحكومة، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية. أما بالاتجاه الآخر داخل الحركة، فقال محمد عبد العزيز عضو اللجنة التنسيقية، أنهم استطاعوا ضم عدد من الشخصيات السياسية البارزة لحملة " تمرد " التي انطلقت رسميًا يوم السبت الماضي 27 إبريل، في 18 محافظة، على رأسها المنوفية والغربية والبحيرة والإسماعيلية، معلنًا عن جمع 600 توكيل بالبحيرة خلال اليومين الأولين للحملة، مؤكدا أن الحملة ستنطلق بالقاهرة غدًا الأربعاء من داخل ميدان التحرير، بحضور عدد من الشخصيات العامة، وأسر شهداء الثورة. وأكدت على نفس المعني منى أحمد عضو اللجنة التنسيقية للحركة بقولها: إن الرئيس المنتخب ليس قدرًا على الشعب ولا يجب تحمله إذا كثرت الهموم بسببه، وضمن هذا السياق أتت حملة " تمرد" التي يدعمها الكثير من النشطاء والحركات والقوى السياسة، وأكدت أنه من حق الجميع استخدام كل الوسائل السلمية للتعبير عن الرأي. وأضافت: أن الحملة بدأت بمجموعة من الشباب من الحركات السياسية وهى حملة مستقلة لا تمثل تيارًا بعينه. أما خارج الحركة فقد شهدنا ذات الانقسام أيضًا، فمن جانبه أكد باسل عادل القيادي بحزب الدستور أن أي دعوة سياسية مضادة للسلطة ستكون مؤثرة، تحديدًا وأن أتت من حركة لها ثقلها ورصيدها الوطني مثل كفاية، فهي حركة لها تاريخ نضالي عريق، نابع من كونها حركة ضمير الوطن، وأن كلمتها نابعة من الخوف على الوطن، وهى الآن تنتفض أمام مبارك الثاني، من خلال حملة " تمرد " وجمع توكيلات لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، وتقول له كفاية يا رئيس. موضحًا أن شرعية الرئيس الآن باتت موضع جدل سياسي بسبب سوء الإنجاز، مشيرًا أن هناك رؤساء ووزراء كانت لهم مواقف وطنية، وتنازلوا عن المنصب لحماية الوطن من التمزق والاحتقان السياسي. وأضاف أن حركة كفاية تضع الرئيس مرسى أمام مسئوليته التاريخية، وتقول له كفاية كده، وقال أيضًا: أرى أن هذا العمل السياسي من جانب الحركة جيد جدًا لكونه يتسم بسلمية الاحتجاج، بعيدًا عن العنف السياسي. مؤكدًا أن المجتمع بكافة شرائحه يجب أن تكاتف مع الحركة بحملتها تلك، فسوف يكون لها مردود مؤثر على السلطة تحديدًا، لكون الشعب بعد ثورة يناير باتت له كلمة وصوت مسموع ويدرك تمامًا ما يدور بالمشهد السياسي وكيفية التأثير فيه. إلا أن عصام فواز المحامي والمدير التنفيذي لمركز سواسية لحقوق الإنسان، أكد أن الدستور المصري وضع شكلاً محددًا يتم من خلاله سحب الثقة من الرئيس، عن طريق المجالس النيابية المنتخبة هي الآن متمثلة بمجلس الشورى ومستقبلاً في مجلس النواب، وأن تكون الأسباب قوية لحسب الثقة. ووصف حملة " تمرد " بكونها عمل غير قانوني، فهي حملة تستهدف وسائل الإعلام والدعاية للنيل من مؤسسة الرئاسة دون أن يكون لها مرود سياسي مؤثر.