تزايدت حدة الجدل السياسي حول قانون السلطة القضائية، لا من حيث التوقيت السياسي ما يشهده من احتقان مجتمعي فحسب، وإنما أيضًا من طبيعة الجهة المنوط بها إصدار هذا القانون، والقوى الداعمة له. إذ يرفض الكثيرون أن ينفرد مجلس الشورى بإصدار القانون، داعيًا للتريث حتى مجيء مجلس النواب الجديد. والانقسام لم يُعد قاصرا على الخلاف الممتد اجتماعيًا بين التيارين الإسلامي والمدني، وإنما داخل التيار الإسلامي نفسه. فالقانون حسب مسودة المشروع المقدم من حزب الوسط نال دعم أحزاب التيار الإسلامي بالمجلس باستثناء حزب النور يتضمن أربعة مواد إضافة لقانون السلطة القضائية، ولذا فهو ليس مشروعًا مستقلاً وإنما تعديل لبعض أحكام قانون السلطة القضائية، وتعتبر المادة الثالثة والرابعة هما الأكثر إثارة للجدل، حيث تدعو المادة الثالثة إلى تقليص سن التقاعد من 70 عامًا إلى 60 عامًا بحيث يسرى على القضاة قانون الخدمة المدنية، وإلغاء التميز المالي بين الهيئات القضائية بحيث تحد المرتبات وفق جدول موحد. إذ كان طبيعيًا تفهم معارضة القضاة لهذا القانون، فإنه غير الطبيعي أن يثار جدل كبير بين القوى السياسية، إلا أنه يمكن تفهم هذا الجدل في ضوء حالة الاستقطاب السياسي، وافتقاد الإجماع والتوافق السياسي بين مكونات المشهد السياسي المصري. وضمن هذا السياق، كان مفهومًا أن يلقى التعديل معارضة شديدة من جانب القوى المدنية، حيث وصفته جبهة الإنقاذ بالهجمة الشرسة لتدمير المؤسسة القضائية المستعصية على الإخضاع، وأكدت الجبهة مساندتها لقضاء مصر الشامخ، وإصرارها على أن أي إصلاح قضائي يجب أن يتم من داخله، ودعت المصريين للدفاع عن مؤسسة العدالة بكل السبل. كما دعت الجبهة لاجتماع طارئ غدًا الاثنين لمناقشة سبل التصدي للهجمة الجارية على استقلال المؤسسة القضائية. من جانبه دعا حزب الدستور لعدم تمرير سواء قانون السلطة القضائية أو غيره من التشريعات غير المتوافق عليه سياسيًا من مجلس معطون في شرعيته، بهدف التخلص من عدد لا يستهان به من رموز القضاء وشيوخه، وسعيًا وراء إخضاع مؤسسة القضاء لقوى سياسية بعينها تسعى لإحكام سيطرتها على جميع مفاصل الدولة لخدمة أغراضها الخاصة في خرق صريح لأحكام الدستور القانون. وقد استنكر القيادي بالحزب جورج إسحاق محاولات التذرع بأسباب مختلفة للمساس باستقلال السلطة القضائية واختراق منظومتها لتحقيق أهداف فصيل سياسي على حساب الآخرين. وإذا كان إصلاح المؤسسة القضائية حسب وصفه جزء لا يتجرأ من تحقيق أهداف الثورية الداعية لدعم المؤسسات التي تعلى المصلحة الوطنية، وتؤمن حماية الحريات والحقوق، فإنه يجب أن يتم هذا عبر آلية التوافق الوطني وبعيدًا عن أي مصالح أو تأثيرات حزبية أو عقائدية. اتفق مع وجهة النظر تلك حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حيث أكد محمد أبو الغار رئيس الحزب وعضو جبهة الإنقاذ، أن الحزب والجبهة يقفا على مسافة واحدة من رفض قانون السلطة القضائية والدعوة لمقاومته بكل قوة، وأضاف أن القانون يشكل اعتداءً غير مسبوقاً على سلطة القضاء والمحاكم. كما دعا رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور عصمت السادات للتوافق على خطة متكاملة لمواجهة القانون، الذي وصفه بكونه مذبحة جديدة للقضاء المصري، لم يشهد لها مثيل عبر التاريخ، تتضمن ثلاثة بنود رئيسة: أولها: إعلان القضاة بمختلف مجالسهم ونواديهم موافقتهم على تطهير القضاء، مقابل قيام القضاة عبر أجهزتهم بعزل من تورط في عمليات فساد وتزوير للإرادة العامة سواء بالانتخابات البرلمانية والرئاسة أو عبر الاستفتاء على الدستور. وثانيها، تحديد هل المشروع المقدم من حزب الوسط ويدعمه أحزاب الحرية والعدالة والبناء والتنمية والأصالة لتعديل قانون السلطة القضائية مشروع متكامل أم تعديل 3 بنود فقط بقانون السلطة القضائية، تخدم مصالح ورؤية التيار الإسلامي ما يجعله مهددًا بعدم الدستورية. وثالثها، التنسيق بين الكتلة المدنية بالمجلس وحزب النور لتشكيل بجهة صد قوية أمام تمرير القانون، وأن فشلت، يتم شن حملة معارضة قوية ضد الإخوان بالداخل والخارج. فيما دعا حسام الخولي سكرتير عام حزب الوفد لضرورة تأجيل مناقشة القانون لحين انتخاب مجلس النواب الجديد، وقال: نحن في فترة ريبة بسبب عدم الثقة بين المجتمع ومجلس الشورى، ومن ثم يجب على المجلس إلا يقر قوانين إلا في أضيق الحدود وترك القوانين التي تمس صلب حياة المواطن لمجلس النواب، واختتم الخولي تصريحاته ل"بوابة الأهرام" بقوله: ليس من مصلحة السلطة الدخول في صراع مع المجتمع والقضاء، فالمرحلة الراهنة لا تحتمل هذا. أما داخل الصف الإسلامي، فإن القانون يلقى دعمًا كبيرًا من تيار الموالاة، والاستثناء كان في موقف حزب النور، حيث قال جلال مرة أمين عام الحزب إنه يؤيد إصلاح المؤسسة القضائية تمهيدا لإصلاح بقية مؤسسات الدولة، مشددًا على ضرورة عرض قانون السلطة القضائية، لحوار مجتمعي تشارك فيه كل مؤسسات الدولة وكل الأحزاب والقوى السياسية. والغاية من هذا الحوار المجتمعي حسب وصفه محاولة إزالة حالة الاحتقان السياسي التي تهمين على المجتمع بسبب الانقسام السياسي، عوضًا عن أن يكون سببًا في زيادتها، مؤكداً أن الشعب يأمل في مؤسسات تعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة ولا تكون عاملا من عوامل الهدم أو الثورة المضادة. فيما رفضت الدعوة السلفية أن يقوم مجلس الشورى بإصدار القانون، حيث أكد بيانها الأخير أنه إذا كان مجلس الشعب الذي كان يملك السلطة الكاملة لإصدار القوانين قد استقر رأيه على التريث في إصدار قانون السلطة القضائية، فكيف يتعجل فيه مجلس الشورى رغم أنه يمارس سلطة التشريع بصفة استثنائية مؤقتة، وفي ظل اتفاق رئيس الجمهورية مع القوى السياسية على اقتصار دوره على القوانين العاجلة فقط..؟!. فيما أيدت الجبهة السلفية القانون، داعية السلطة القضائية أن تنتصر للحق، أنها ككل مؤسسات الدولة التي سيطر عليها نظام المخلوع تحتاج لتطهير حقيقي واستئصال ما أسمتهم شأفة بعض الفاسدين الذين باعوا ضمائرهم، وهم ضالعون بقوة في المؤامرات الجارية على الساحة. اتفق مع حزب النور، حزب مصر القوية، حيث أكد محمد عثمان عضو المكتب السياسي أن الحزب مع قانون عادل للسلطة القضائية يؤمن مبدأ المساواة سواء بين الأجهزة القضائية المتعددة أو بين المواطنين في الحقوق والواجبات، إلا أنه رفض مبدأ انفراد مجلس الشورى الذي أتى بمشاركة شعبية لا تتجاوز 7% بمشروع القانون، وإنما يجب الانتظار حتى انتخاب مجلس النواب الجديد. وأكد دعم الحزب لإقامة حوار مجتمعي حول القانون مع أطراف السلطة القضائية مشيرًا لضرورة وضع قانون العدالة الانتقالية كأولوية للحكومة.