أكد المخرج أمير رمسيس أن جماعة الإخوان المسلمين، والنظام الناصري مسئولان أساسيان عن هجرة اليهود المصريين، مشيراً إلى التناقض بين تصريحات الدكتور عصام العريان الأخيرة التى رحب فيها بعودة اليهود إلى مصر تأتى متناقضًا مع تصريحات رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي الذى شبههم "أحفاد القردة والخنازير". قد يصادفك الجلوس مع مثقفين متخصصين كثيراً بحكم طبيعة عملهم ككتاب أو مؤرخين أو حتى باحثين لكن أن تجلس مع مخرج يتمتع بتركيبة ورؤية خاصة في أفلامه، ويكرس أربعة أعوام من عمره يقرأ فيها ويبحث من أجل عمل فيلم "تسجيلي" يبتعد في النهاية عن سينما الربح، فهذا نادرًا ما تصادفه، لكنه ينطبق فى نفس الوقت على حالة أمير رمسيس، مخرج فيلم "يهود مصر" الذى خرج علينا بقصص وحكايات عن تفاصيل حياتنا مع الآخر، بعيدة عن شبهة التطبيع. الفيلم سيم طرحه يوم 6 من الشهر الجارى، بنسخ محددة ليكون لديه فرصة أوفر في المشاهدة. مزيد من التفاصيل أكثر عن العمل في هذا الحوار.. - كيف جاءت فكرة الفيلم، ولماذا اختيار هذا التوقيت تحديداً لطرحه؟ بدأت العمل في الفيلم منذ عام 2008، ولم يكن هناك قصد لاختيار توقيت معين، فأى وقت كان سيخرج به الفيلم حتى إذا كان في السبعينيات، أما فكرة الفيلم فأنا مثل كثير من المصريين، لدى هاجس عن علاقتنا بالأخر، فطوال الوقت هناك محاولات للتقسيم، إضافة إلى العمل على التمييز حول الهوية المصرية بناءً على الدين والنوع والجنس، وفكرة الرجوع للأربعينيات من القرن الماضي هدفها "أننا نشوف كنا عاملين إزاى" وكيف أصبحنا اليوم، خصوصاً أن سؤال الهوية كان أقل ندرة وإلحاح وقتها. - ألم تتخوف من فكرة تقديمك فيلم عن اليهود خصوصاً أن من يبحثون في هذا الشأن غالباً يتهمون بالتطبيع؟ لم أكن متخوفًا، وطبيعى أننى متوقع الهجوم "وكده كده هيحصل"، رغم أن الفيلم محتواه يشير لموقف واضح ضد الصهيونية، وهناك نوع معين من القضايا نكون معها أو ضدها، والحقيقة أن قضية اليهود المصريين تعاملنا معها بدبلوماسية كبيرة لصالحنا، وفي النهاية هذه الطائفة كان لديها حقوق معنوية وفي المواطنة، ولكن بعد الستينات تم نزع القومية العربية، وأهدرت هذه الحقوق وحدث كثير من التبريرات التى تتعلق بالعدد والدول التى جاءوا منها اليهود وغيرها، وهنا كان لابد أن نقتحم هذا العالم. - وما الذى يناقشه الفيلم.. وما تصنيفك له تسجيلي أم روائي قصير؟ الفيلم تسجيلي موجه للسينمات حيث إن مدته تعادل الفيلم الروائي الطويل، وهو مقسم لعدة مراحل أولها "مصر المعاصرة في 2009" وهو محاولة لرؤية موقف الشارع المصري من اليهود، وما الذى يفكرون فيه، وهنا اعتبر أن الفيلم بدأ بالنسبة لى، فالبعض رأهم أنهم أعداء الإسلام، وآخرين رأوا أنهم أعداء الوطن، في حين أن البعض وجدها ديانة مثل غيرها، ثم يتطرق الفيلم للجزء الأرشيفي من خلال أكثر من وثيقة، إضافة إلى شهادات من اليهود الذين يعيشون في مصر حتى الآن أو الذين سافروا إلى فرنسا، ولأننى كنت مهتمًا بالشق السياسي أكثر، ركزت على اليهود الذين أسسوا الأحزاب اليسارية في مصر خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وما بين السند التاريخى الذي يسرد طبيعة العلاقة حتى عام 1935، وشكل علاقتنا باليهود حتى اندلاع ثورة فلسطين الأولى ثم حرب 1948 وما تبعها من توتر، يليها علاقة اليهود بجماعة الإخوان المسلمين، وحزب "مصر الفتاة"، وأخيراً فترة ما بعد ثورة 1952 ومرحلة منتصف القرن وخروج اليهود من مصر، وعمليات الطرد العشوائي التى حدثت خلال تلك الفترة. - من هم أبطال الفيلم الحقيقيين؟ الفيلم مقسم لثلاثة أنواع من الضيوف، أولها اليهود الذين طردوا ويعيشون حالياً بفرنسا، واثنان من أبناء الطائفة في مصر يتحدثون في الفيلم، وهناك أيضاً جزء أرشيفي يغطيه الدكتور محمد أبوالغار من خلال كتابه، والباحث عصام فوزى من خلال أبحاثه عن دور اليهود في مصر خلال تلك الفترة، كما يظهر بالفيلم من الضباط الأحرار أحمد حمروش، والذي سيتحدث عن علاقته هو والمصريين والنظام باليهود، إضافة إلى وجود أحد أعضاء جماعة الإخوان الذين عاصروا التفجيرات التى حدثت لعدد من محال اليهود في مصر. - 4 أعوام مدة تحضير الفيلم.. ما الكتب والأبحاث التى قمت بقراءتها؟ قمت فيها بقراءة كتب عديدة منها "تاريخ اليهود اليمين" الذى ترجمه الراحل يوسف درويش ، وكتاب محمد أبو الغار، وأيضاً كتاب "شتات اليهود المصريين" وهذا هو المرجع الأهم، وهناك مراجع أخرى، والجزء الأكبر من المراجع في الفيلم كان ل هنرى كوريال، الذى كنت أحلم طوال عمرى بعمل فيلم عنه، وكتابه "رجل مختلف"، وخلال نفس الفترة كنت أحاول الوصول إلى بعض من أعضاء الطائفة اليهودية، وإن كانت فرنسا أسهل بالنسبة لى وبدأت التصوير في باريس مع مجموعة من اليهود المصريين، ثم عدت للقاهرة واستكملت البحث، وفي 2010 بدأنا نعدل في سيناريو الفيلم، ثم توقفنا من يناير 2011 وحتى أغسطس بسبب ظروف الثورة إضافة لارتباطى بعمل في المغرب حتى انتهينا منه في 2012. - من وجهة نظرك.. من المسئول عن خروج اليهود من مصر؟ أكثر من طرف، منهم الإخوان المسلمين، وحزب "مصر الفتاة" ودور أحمد حسين وهو من الأشخاص الذين استخدموا اليهود المصريين في حرب فلسطين، ولا ننسي أن هناك يهود بالفعل كانوا على استعداد للذهاب إلى إسرائيل حتى لو نسبتهم قليلة، إضافة إلى نظام عبدالناصر جنباً إلى إلى جنب مع اسرائيل، وهنا أتذكر عملية "سوزانا" أو فضيحة "لافون" عام 1954، التى ارسلوا فيها مجموعة جواسيس من أجل التخطيط لتفجير سينما ومركز تجارى وملحقة ثقافية، وهى عملية حمقاء إذا نظرنا لها في كتب التاريخ سنجد أن الموساد كان يقوم بها من أجل توتير العلاقات بين مصر واليهود الصريين من أجل ذهاب الأخير إليهم، لأنهم كانوا بحاجة إلى إيد عاملة، وصولاً إلى مرحلة اشتراكهم في العدوان الثلاثي 1956 وكانت الضربة القاضية من ناحية إسرائيل، ووقتها النظام تعامل بحماقة من حيث منطق "أن أى يهودى خطر على النظام" وهنا ساعدنا إسرائيل على تحقيق حلمها حيث أنهم كانوا يريدون استغلال الموضوع إعلامياً، والتأكيد على أن اسرائيل هى واحة اليهود المضطهدين في الشرق الأوسط، وعلى المستوى الاقتصادى أن يأتى اليهود إليهم لتأسيس دولتهم وبنائها، "وبالمناسبة الطرد العشوائي طال جميع الأجانب من اليونانيين والإيطاليين والإنجليز والفرنسيين مع ملحوظة أن اليهود الذين ذهبوا إلى إسرائيل نسبتهم لاتتعدى 50% من الموجودين وقتها. - كيف أثر اليهود فى مصر ثقافيًا وتجاريًا وسياسيًا؟ على المستوى الاقتصادى، لا يمكن أن ننسي دور شيكوريل وغيره من رجال الأعمال ومنهم قطاوى باشا وزير المالية، الذي قام بالإمضاء على وثيقة تأسيس بنك مصر، واستثمارات اليهود لم تكن توجه إلى الخارج إلا حينما اضطروا للخروج بعد عام 1948، وعلى المستوى الثقافي والفنى فلا يمكن أن ننسي توجو مزراحى مؤسس صناعة السينما بما فيها شراؤه لدور عرض سينمائية وإنشاء استديوهات، مروراً بيعقوب صنوع وليلي مراد، وزكى مراد، وفي المجال السياسي فسوف نتحدث عن دور اليهود في اليسار المصري بداية من هنرى كوريال ودوره في تأسيس الأحزاب اليسارية، وما جاء بعده من أجيال مثل يوسف درويش، وشحاته هارون، وأحمد صادق سعد، وهنا سنفاجأ بأن هؤلاء هم أول من كافحوا الصهيونية حيث قاموا بتأسيس "عصبة مكافحة الصهيونية في مصر، وكذلك شحاته هارون الذى صمم على البقاء في مصر كان أول من وقف في وجه الرئيس السادات بسبب معاهدة "كامب ديفيد" لأنه كان يرفض التطبيع. - هل لديك إحصائيات موثقة عن أعداد اليهود في مصر حالياً؟ آخر احصاء موجود في 2004، كان يتحدث عن عدد 100 فرد من الطائفة اليهودية فقطً. - كيف استقبلت تصريحات عصام العريان في الحديث عن عودة اليهود إلى مصر، ورد رئيس الطائفة اليهودية عليه والتى حملت قدراً كبيراً من الإساءة للمصريين؟ دعينا نقرأ تصريحات العريان للنهاية، أولاً شىء جيد أن شخصًا يتبنى عودة اليهود وحقهم في الرجوع ولكن إذا قرأنا الجملة كاملة سنجد أن العريان قال "اليهود المصريين الذين هاجروا لإسرائيل" وبذلك فهو خص جماعة معينة تشكل نسبة ضئيلة، فتصريحات العريان هنا موجه لإسرائيل وأمريكا وليس اليهود المصريين. والعريان اختذل تهجير اليهود في نظام عبدالناصر فقط رغم أن الإخوان كانوا شركاء في الأمر بقوة، ولنرى التناقض أيضاً في الحديث عن يهود مصر، وتشبيه الرئيس مرسي لهم "بأحفاد القردة والخنازير" كما في تصريحاته سابقاً، وخطابات الإسلاميين في تظاهراتهم تتخللها دائماً هتافات ضد اليهود، وهذا كان جزءًا من حماسي لعمل الفيلم. - هل واجهتم مشاكل مع الرقابة؟ السيناريو تم رفضه في البداية وبعد جلسات وإقناع كثير، ولولا رئيس الرقابة الحالى عبد الستار فتحى ما خرج الفيلم وكنا دخلنا في لجنة تظلمات وزارة الثقافة، كما واجهتنا مشاكل فى إقناع من يظهرون بالفيلم.