بعد ما بدا أنه توافق على إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسية بعد قرارات يوليه الشهيرة، وتمكين الحكم المدني في ترسيخ أقدامه، واتجاه الجيش كمؤسسة لإعادة ترميم ما حدث خلال المرحلة الانتقالية من شروخ بدت محدودة داخله وأكبر في علاقاته مع المجتمع، بدأت الأصوات تتعالي في الفترة الأخيرة من أجل استدعاء الجيش مرة أخرى للحياة السياسية، دون إدراك لخطورة هذا المطلب من ناحية، وتأثيراته المحتملة على الجيش كمؤسسة وطنية وسط حالة الاحتقان التي تشهدها البيئة السياسية حاليًا من ناحية أخرى. فالقوى المدنية التي نادت.." يا حرية فينك.. فينك، الجيش بينا وبينك " و" يسقط حكم العسكري " وجدناها بعضها يطالب بعودة الجيش للشارع من جديد، لعزل الرئيس مرسي وتحجيم جماعة الإخوان المسلمين، رفعت شعارات بهذا المعني سواء في جمعة محاكمة النظام كما حدث بمحافظات القناة ودمياط، أو بمظاهرات المنصة يوم الاثنين الماضي، وإصرار القوى التي شاركت فيها على مليونية أخرى الجمعة القادمة للتعبير عن تلك المطالب من خلال شعارات.. " واحد اتنين الجيش المصري فين ".. و " الجيش المصري بتاعنا والمرشد مش تبعنا ". هذا لم يكن أول تناقض حقيقي سياسي من جانب تلك القوى، وإنما سبقه أيضًا، حملة عنيفة ضد زعامته الجديدة واتهام مؤسسة الرئاسة بأخونته بعد التغييرات الكبيرة التي أحدثتها داخل قيادات الصف الأول بالمؤسسة العسكرية، ووصف وزير الدفاع بكونه مناصر للإخوان. والمشكلة هنا، أن ما بدا أنه صوت قادم من المجتمع رغم محدوديته رغم خطورته، بل يلقى صدًا أكبر لدى القوى السياسية التي وجدتها فرصة للمطالبة بعودة الجيش للسلطة، وشعارها.. " نار الجيش ولا جنة الإخوان " بحيث اختفي التوافق السياسي فجأة على إبعاد الجيش عن الصراعات السياسية، وسعي البعض لإقحامه مجدداً بالشأن السياسي. مسعى لا يمكن تبريره إلا كنوع من تصفية الحسابات. بدا ذلك بعدما قرأ البعض أو أساء قراءة تصريحات الفريق صبحي صالح رئيس الأركان حول إمكانية عودة الجيش للشارع، إذا ما أحتاجه المصريون في ثانية، إذ اعتبرها الكثير تحمل غضباً من حالة الاحتقان السياسي ورغبة بالعودة للسلطة. ومن ثم بدا أن هناك عمليات تحريض واستدعاء للجيش، سواء بإطلاق شائعات عن نية الرئيس إقالة وزير الدفاع بسبب الخلاف حول تدمير الإنفاق، وسير العملية نسر في سيناء، أو محاولة تأزيم الوضع الداخلي والوصول لحالة الغليان والفوضى، ما يحفز الجيش على العودة للشارع والسلطة من جديد. ساهم ما بدا أنه تحريض مدني للجيش التدخل، في استشعار قوى أخرى القلق، رغم أن البعض منها لا يعتقد أن الجيش خرج بالفعل من المشهد السياسي، حسب توصيف حسين عبد الرزاق القيادي بالتجمع، حيث قال إن الجيش لم يخرج من العملية السياسية منذ عام 1952 حتى الآن. بدا هذا الاستشعار واضحاً في كلمة الرئيس بالأمس بجلسة الحوار الوطني، والتي قال فيها إنه لا يوجد أي نوع من الاختلاف بين الرئاسة ومكونات الدولة المصرية وتحديداً الداخلية والجيش، لكونها جميعا مؤسسات متوافقة على أهمية التعاون للخروج من الأزمة الحالية. كما عبر حزب مصر الحرية، عن رفض استدعاء الجيش للمشهد السياسي بوصفه انقلابًا، وقال رئيسه الدكتور عمرو حمزاوي.. " أتبرأ من استدعاء الجيش للسياسة باسم معارضة تريد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان " كما فرق بين معارضته للرئاسة بوصفها حزبه إحدى القوى المشاركة بجبهة الإنقاذ، ودعوات البعض الانقلاب على آليات الديمقراطية، التي أكد أنه يسعى لتعديل قواعدها وليس الانقلاب عليها. وإن برر عصام شعبان المتحدث باسم الحزب الشيوعي مطالب بعض القوى بتدخل الجيش لمواجهة ثقل الإخوان وانفرادهم بالحكم، بطيعة المرحلة التي تمر بها مصر الآن، لكونه المنوط به حماية أمن البلد ومنع حدوث انقسامات سياسية، إلا أنه أكد على أن المجتمع يجب أن يقف ضد حكم العسكريين والإسلاميين، لكون البلاد يجب أن تحكم بإرادة الشعب. فيما اعتبرها الدكتور خالد سعيد نوع من الانتحار السياسي، ووصف الدعوة لمليونية نزول الجيش، بعلامة إفلاس سياسي، ووصف تفكير مؤيديها بأنه خيالي، فهم فتارة يدعون للتظاهر ضد أخونة الجيش عند الاتحادية، وأخرى للتضامن مع الجيش عند النصب التذكاري ضد الرئاسة، الأدهى حسب قوله هي دعوات العصيان المدني التي تفرض بالقوة على الناس والموظفين عند مجمع التحرير ومباني المحافظات المختلفة. فيما وصف أحمد أبو بركة القيادي بجماعة الإخوان هذا التحريض بكونه سقطة رهيبة للقوي السياسية التي طالبت بذلك وجهل فاضح بتاريخ هذه المؤسسة العريقة، بل لا تعرف ماذا يعني جيش مصر. وأشار أبو بركة إلى أن القوي السياسية أصيبت بجهل وعمي سياسي وهذه "مسخرة سياسية" حسب وصفه، تعكس عدم الإيمان بالديمقراطية وسيادة الشعب ومحاولة إنتاج استبداد أسوأ علي المجتمع من استبداد مبارك. فيما اعتبرها جمال تاج الدين، القيادي بالجماعة، بكونها محاولات ممنهجة لتشويه صورة الجيش بل هناك محاولات للإيقاع بين الجيش والمؤسسة الرئاسية ، وأكد أن الإخوان المسلمون يعتزون بالجيش وشاركوا في معاركه، وأدركوا تماما عظمة المؤسسة العسكرية وليس في ذهن أي إخواني إهانة الجيش.