يبدأ صيام شهر رمضان بالصدق بتحرى القمر من شخص عدل ويكفى إخبار القاضى بذلك، روى عن ابن عمر قَالَ: (تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ) أو بإكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً لأن الشهر لا يزيد على ثلاثين، والصدق مطلب أساس فى حياة المؤمن، وهو رأس الفضائل، وعنوان الصلاح والفضل، أثنى الله تعالى على مَن لزمه فصار له خُلقًا، بالصدق يتميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله فى أرضه الذى ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من اعتمده سما قدره وعلت مكانته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته وظهرت حجته. أمر الله تعالى به فقال سبحانه: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» التوبة - 119، ولقد ربط صلى الله عليه وسلم بين صدق اللسان وسلامة المنطق وبين الصيام الحقيقى فقال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . فالصوم يغرس فى نفس المسلم هذه القيمة العظيمة لتكون سلوكاً فى حياته، وصفة من صفاته؛ فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته طاعة لله، ويستطيع أن يأكل ويشرب ويظهر لمن حوله أنه صائم؛ لكن منعه من ذلك الصدق مع الله. و الصّيام فرضٌ عظيمٌ من الفروض التى شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمّة، وهو أحد أركان الإسلام، وهو من العبادات التى تهدف إلى تزكية النّفس ورياضتها، وفى ذلك صلاح حال المجتمع والفرد . والصائمُ هو الذى صامت جوارحُه عن الآثام، ولسانُه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنُه عن الطعام والشراب، وفرجُه عن الرَّفث، فإن تكلَّم لم يتكلم بما يجرحُ صومَه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومَه، فيخرج كلامه كلُّه نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله. وكونه ينمى شعور المسلم بالمراقبة من الله عز وجل، ليصلَ به الى الإحسان، وذلك بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك . والصيام يعزز قُدرةَ المسلم على ترك الحرام، وذلك بتمرينه على ترك الحلال ،فى أوقات جعل الله عز وجل فيها الحلال حراما لأن الصدق والإخلاص لله فى العبادة، يعنى فى جوهره وحقيقته التحرر من الخضوع، لكل قوة من دون الله مهما بلغت، وبذلك كان الصوم، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات، والشهوات سعيا للإصلاح . والصدق هو قول الحق، والالتزام به، ومطابقة الكلام للواقع، وقد أمر الله -تعالي- بالصدق، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» التوبة:119، ووصف الله نفسه بالصدق، وكفى به شرفاً، قال -تعالي-: «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلَاً» فما أحوجنا اليوم إلى أن نعود إلى خلق الصدق والصلاح والتعامل بالفضل، ونستفيد من رمضان ومن عبادة الصيام فى تربية النفوس عليه، فى زمن أصبح هذا الخلق غريباً ومفقوداً فى كثير من جوانب حياتنا، إلا مَن رحم الله.