الغاية الكبرى من الصيام هى التقوى بجميع معانيها ومبانيها، إذ هى فى اللغة مشتقة من (التوقي) وأخذ الوقاية. ففى الصوم يتوقى المؤمن من المعاصى والآثام، فيأخذ لنفسه وقاية من عذاب الله وموجبات سخطه. وهذا الصوم أكبر حافز لتحصيلها، وخير أداة من أدواتها، وأحسن طريق موصل إليها ومن ثم يرفعها سياق القرآن فى ختام الآية لفرضية الصيام أمام عيونهم وقلوبهم هدفاً وضاءاً ينهجون إليه عن طريق الصيام، فيكسبهم التوبة عما اقترفوه من الذنوب قبله، ويكسبهم الجد والنشاط فى القيام بوظيفة الله التى يتشرفون بها وينجون، ولذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الصيام بأعظم وصف، إذ يقول: (الصيام جنة) بضم الجيم، أى ستر ووقاية يقى صاحبه من المعاصى ومن جميع المزالق التى يتردى بها فى حياته بانهماكه فى الملذات أو قنوعه بالعيشة البهيمية دون التفات إلى وظيفته. ومن هنا وجب أن يكون الصوم عن إيمان واحتساب وضبط وتعظيم لشعائر الله، لا عن تقليد ومسايرة، كصوم من يصوم بتوجع وتحسر، ويقتل أوقاته بالنوم والبطالة، وهو فى الحقيقة قاتل لنفسه قتلاً معنوياً، ويتمنى سرعة انقضاء رمضان كأنه ليس محسوباً من عمره أو ليس فيه زيادة من أجره والعياذ بالله. والصائم بإيمان واحتساب وخشية ومراقبة وتعظيم ومحبة لله يجب أن يكون بخلاف ذلك، فيكون راضياً مرضياً، مطمئن النفس، منشرح الصدر، مسروراً ملتذاً، شاكراً لله الذى فسح فى عمره حتى بلغه صيام هذا الشهر ولم يجعله من أصحاب القبور، فلا يكون فى نفسه اضطراب ولا انزعاج ولا ضيق ولا حرج أبداً، بل يكون أوسع أفقاً، وأشرح صدراً، وأطيب نفساً، وأهدأ أعصاباً، وأقوى روحاً، فيكون على أحسن خلق فى معاملته ومقابلته وحلمه ومفاوضته، وإذا ابتلى بخصم من الحمقى لم يجاره فى حمقه وسفاهته، بل يقل له ثلاث مرات - إنى صائم - كما أرشد لذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. هكذا يجب أن تكون آثار الصيام الصحيح، بحيث لو أثر على جسمه بشيء من الفتور على عقله وروحه الطيبة المستنيرة بنور الله، بل يجب أن تكون روحه ومعنويته أحسن وأقوى من حاله فى الإفطار، وذلك شكراً لله تعالي، ليحصل على بركة الصيام حسياً ومعنوياً بطيب نفسه وخلقه فتتضاعف أجوره من ربه. فجدير بالصائم أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه القوة أو يوهنها أو يقلل من شأنها، فيهدم فى ليله ما بناه فى نهاره من قوة الإرادة التى صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته , فقد ضيع الحزم والعزم وبرهن على خوره وضعف نفسه وانعدام يقينه وقلة صبره وانحلال معنويته وانعدام عزيمته وبشاعة هزيمته، وأنه لا يزال فاقد الإرادة، مغلوباً على أمره داخلياً، لم يستفد من صيامه، ولم ينجح من مدرسته التدريبية بشيء، فلم يكتسب المرونة المطلوبة من فرضية الصيام إذ لم يحمل نفسه على الصبر المتواصل، فهو وإن كان مثاباً من جهة صيامه الساعات المحدودة إلا أنه لم ينتفع من الناحية النفسية والاجتماعية إلا إذا كان إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم.