نصر سالم: على المجتمع الدولى الاعتراف بالمجلس الانتقالى فى تشاد محمد عبد الغفار: ضرورة إقامة حوار وطنى حقيقى مثلما حدث فى السودان على يوسف: كان من أبرز داعمى تشكيل قوة مشتركة مع بلدان مجاورة للتصدى للإرهاب طرحت عملية اغتيال الرئيس التشادي، إدريس ديبى إيتنو، تساؤلات عديدة حول المستقبل الأمنى فى مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء، وتداعيات ذلك كله على الحلفاء الدوليين والقارة الإفريقية، خصوصا أن الرئيس ديبي، كان له دور فاعل فى مكافحة الإرهاب فى القارة الإفريقية، وهو ما يطرح مخاوف حول مستقبل السلام والاستقرار فى هذه المنطقة الحيوية للأمن الإقليمى والدولى. يقول اللواء دكتور نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية: إن حركات التمرد التشادية، لم تهدأ قرابة عقد من الزمن، لكن فى الأعوام الأخيرة الماضية تصاعدت الضغوط من قبل معارضين مستفيدين من الوضع الأمنى الهش فى ليبيا، ومن جماعة "بوكو حرام" من الشرق، ومن بعض القبائل الشرقية المتاخمة لحدود دارفور، مضيفاً أن الأوضاع ما زالت خطرة فى ظل التهديدات المتكررة والهجمات الإرهابية. ويضيف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أنه يجب على المجتمع الدولى الاعتراف العاجل ومساندة الحكومة الانتقالية الجديدة وإضفاء الشرعية الدولية عليها، حتى تستعيد مؤسسات الدولة التشادية قوتها وعلى الرأس منها، قواتها المسلحة مرة أخرى فى ظل نظام ديمقراطى تحكمه مصالح الشعب فى التنمية والاستقرار، وأن تسارع دول الساحل الخمس فى لم الشمل وإجراء حوار وطنى بين الأطراف المتنازعة، لأن التفويض لها فى مجال مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار لا يشمل التدخل فى الشئون الداخلية، وهو الأمر الذى يجعل دورهم محدودا وحساساً للغاية. من جانبه يؤكد السفير محمد عبد الغفار، رئيس مجلس البحوث السياسية والإستراتيجية وإدارة الأزمات ودراسات المستقبل، أن المجلس العسكرى الانتقالى المشكل فى تشاد يواجه تحديات ضخمة بعد مفاجأة اغتيال الرئيس التشادى، خصوصا أن هناك مخططا لاستحواذ بعض الجماعات الإرهابية على المواقع الآمنة فى وسط القارة الإفريقية، حتى يتمكنوا من العودة مرة أخرى للمشهد السياسى، مشيراً إلى وجود عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد رحيل الرئيس التشادى، وهو أن ترفض المعارضة المسلحة بالمجلس الانتقالى الراهن وبفترة 18 شهرا المحددة للفترة الانتقالية، ما يعنى استمرار المعارك العسكرية. ويرى رئيس مجلس البحوث السياسية والإستراتيجية، أن السيناريو الآخر الذى يعمل عليه المجلس الانتقالى يتمثل فى إقامة حوار وطنى حقيقى، مثلما حدث فى السودان من قبل عن طريق إرساء العدالة وتطبيقها من خلال تكافؤ الفرص وعدالة التوزيع وإتاحة الفرص لكل المجموعات المهمشة، وأن توضع على الأقل وثيقة دستورية انتقالية لإعلان ملامح مهمة المجلس الانتقالية مثل المحافظة على السلام، موضحاً أنه بعد اعتذار رئيس البرلمان عن تولى المسئولية بسبب ظروف مرضه، كان من الطبيعى تشكيل مجلس عسكرى لفترة انتقالية 18 شهرا، خصوصا أنها مرحلة حساسة للغاية تم فيها تعطيل الحكومة والبرلمان. ويوضح أن الرسائل القادمة من الاتحاد الإفريقى أو من الدول الإقليمية المحيطة أو من الدول الأوروبية، بقيادة فرنسا داعمة ومساندة للمجلس الانتقالى للمحافظة على تشاد، لأنها ركن رئيسى فى منطقة الساحل، وهناك أهمية خاصة لفرنسا، حيث يقع المقر الرئيسى لعملية "برخان" الفرنسية فى نجامينا، وتدعم عملية "برخان" دول الساحل الخمس، بما فى ذلك تشاد، مع التركيز على هدف دحر الجماعات السلفية الجهادية فى المنطقة، كما تعمل البعثة الفرنسية أيضًا على دعم شركاء فرنسا الأفارقة وحماية المصالح الاقتصادية الفرنسية. من جانب آخر، رأى السفير الدكتور على يوسف الشريف، الخبير السودانى الدبلوماسى، أن مقتل الرئيس التشادى حدث مفجع وكبير ستكون له آثاره وتداعياته على المنطقة وتشاد وكامل الإقليم، فهو بحكم طول مدة حكمه التى استمرت 30 عاماً خلق علاقات أفقية ورأسية فى المنطقة ومع المجتمع الدولي، فدولياً يرتبط بفرنسا ارتباطاً وثيقاً، وخلق لنفسه كاريزما وسطوة كبيرة جداً، ومعلوم أن "ديبى" ينتمى لقبيلة "الزغاوة" التى لها تداخلات مع السودان ومصاهرات فى النيجر وليبيا مع قبائل "التبو"، كما دخل أيضاً فى مصاهرات مع القبائل العربية، ومنها قبيلة "الرزيقات" فى السودان، ما جعله فاعلاً ومؤثراً فى أزمة دارفور خلال السنوات السابقة لنظام الرئيس عمر البشير. وحول تأثير غياب الرئيس التشادى على دول الجوار ومنطقة الساحل الإفريقى، يقول الخبير السودانى الدبلوماسي، إن قائدا بحجم إدريس ديبى، وما يملكه من إمكانات وعلاقات دولية وإقليمية، بالتأكيد سيكون له تأثير كبير جداً فى المحيط المجاور، مضيفاً أن المتابع لمجريات الأحداث لا يستغرب ارتباط وعلاقة ما جرى فى تشاد بالترتيبات الجارية للبيت الليبى، فالمعلومات المؤكدة أن قوات المعارضة التشادية بقيادة محمد مهدى على، تحركت من داخل ليبيا فى اتجاه نجامينا، وهو مؤشر يؤكد أن هناك توجهاً لإعادة التحالفات الإستراتيجية على إثر ترتيب الأوضاع فى ليبيا، وهناك أيضاً عوامل أخرى ساعدت على ذلك منها انتشار السلاح فى مثلث الصحراء، نتيجة لوجود الميليشيات والجماعات المسلحة، التى شاركت فى القتال فى ليبيا، إلى جانب التأثير الذى أحدثته محاربة تشاد لجماعة "بوكو حرام" فى النيجر ومالى ومنطقة بحيرة تشاد، ما أفرز صراعات فى المنطقة. ويوضح أن تأثير الوضع على ليبيا والدول المجاورة يتجاوز التأثيرات العادية كبؤرة للتوتر، أو نقل المقاتلين، أو معبر أو ممر للهجرة، ذلك أن التأثير أصبح يمثل قلقاً كبيراً لكامل المنطقة، علاوةً على ما سيحدث فى منطقة شمال تشاد، برغم إعلان الجيش السيطرة على العاصمة والعديد من المواقع التى كان يستحوذ عليها المقاتلون، لكن وجود هؤلاء المقاتلين، حتى على هيئة فلول، ما لم يسيطروا على الأراضى الجديدة بالكامل، فإن وجودهم فى مناطق الشمال التشادى المتاخمة لليبيا سيكون نقطة تأثير على ما يحدث فى ليبيا بشكل كبير، هذا ما إذا نظرنا إلى جانب آخر مرتبط بما يدور فى شمال النيجر أيضاً، ذلك أن هناك تحركات لعناصر تنظيم داعش، وهناك اختراقات كذلك من تنظيم "بوكو حرام" فى جنوب الصحراء أو جنوب الساحل الإفريقي، وأعتقد بأن مثل هذه الأحداث ستحدث تغييراً سلبياً بكل تأكيد على ما يدور فى ليبيا وعلى استقرارها. وأشار الخبير السودانى الدبلوماسى، إلى أن القبائل فى تشاد تعد بمثابة المكون الرئيس للمجتمع، إذ يبلغ عددها أكثر من 200 قبيلة تتحدث أكثر من 100 لهجة، وعلى الرغم من أن اللغة الرسمية فى تشاد هى العربية والفرنسية، لكن نجد أن معظم القبائل تتفاهم باللغة العربية الدارجة فيما بينها، وتعد قبائل الزغاوة، والقرعان، والسارا، والعرب، والواداي، من القبائل المؤثرة فى المشهد السياسى التشادي، خصوصاً تلك القبائل التى لها وجود مهم داخل المؤسسة العسكرية، التى تعد أقوى النخبة الفاعلة والمؤثرة فى السياسة فى تشاد. ويشدد السفير الدكتور على يوسف الشريف، الخبير السودانى الدبلوماسى، على ضرورة أن تعمل دول المنطقة ودول شمال إفريقيا ودول الساحل جنوب الصحراء، على توحيد الجهود فى مواجهة مثل هذه الكيانات، وعليهم أن يتعاملوا مع ما حدث بشكل حازم وحاسم. للرئيس التشادى الراحل إنجازات، تجاوزت حدود البلد غير الساحلى الواقع وسط إفريقيا، فهو أيضا حليف وثيق للقوى الغربية المكافحة للإرهاب فى ساحل القارة السمراء، وكان من أبرز داعمى تشكيل قوة مشتركة مع بلدان مجاورة للتصدى للإرهاب، شجاعة وبأس مشهود بهما لرجل وصفه الجيش فى بيان إعلان مقتله ب"ماريشال تشاد" وهو الذى واجه حركات تمرد متكررة فى الصحراء الشمالية، حيث كسب ثقة شركائه الأفارقة والغربيين بوضع نفسه فى طليعة محاربة الإرهاب، ونجح فى كبح وتيرة الهجمات المسلحة التى استهدفت دول حوض بحيرة تشاد على وجه الخصوص (تشاد والكاميرون ونيجيريا والنيجر) من قبل جماعة "بوكو حرام".