إن شهر رمضان شهر مبارك ليس كغيره من الشهور؛ فهو أعظم الشهور، وذلك لما حبا الله المتسابقين فيه بالحسنات والأجور، وما أنعم الله به على عباده من مغفرة الذنوب والشرور، ويكفى هذا الشهر منزلة ومكانة؛ أنه مدرسة تسمو فيها الأرواح، وتتربى فيها النفوس على المحافظة على سبل مرضاة الله، وتألف المداومة على العمل فى ميادين الاستقامة على هدى ورائد الهداية والإصلاح، -صلوات ربى وسلامه عليه. رمضان مدرسة للعبد على بذل المعروف والإحساس للخلق؛ فمن جود الله فى رمضان الفريضة بأجر سبعين فريضة والنافلة بأجر فريضة، وهكذا النبى -صلى الله عليه وسلم- «كان أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ فى رمضانَ، حين يلقاه جبريلُ، وكان جبريلُ يلقاه فى كلِّ ليلةٍ من رمضانَ فيدارِسُه القرآنَ، فلَرَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ» (رواه البخارى). والصائم يتعلم من هذا الجود فيطبقه فى نفسه مع الخلق عامة والأقربين خاصة، وهو مدرسة للتراحم وذلك خلال ما يجده الصائم من الجوع والعطش والامتناع عن كثير من الطيبات فى نهار رمضان رغم وفرتها لكنهم تركوا ذلك تعبدًا؛ فيتذكروا المحرومين طوال العام الذين حرموا كل هذه الطيبات ولم يتمكنوا من توفيرها؛ فيقود هذا الشعور الجميل إلى بذل الصدقات والزكوات ويشكر ربه على ما أنعم عليه من الخيرات. أما أن يدخل رمضان ويراه بعض الناس تقليدًا موروثًا، وأعمالًا صورية محدودة الأثر ضعيفة العطاء، بل لعل بعضهم أن يزداد سوءًا وانحرافًا والعياذ بالله، فذلك انهزام نفسى، وعبثٌ شيطانى، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». رَمَضَانُ مَوسِمٌ إِيمَانيٌّ كَبِيرٌ، وَسُوقٌ لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ مُتَنَوِّعَةُ العَطَاءِ، تُعرَضُ فِيهَا بَضَائِعُ الآخِرَةِ بِأَيسَرِ الأَثمَانِ، وَيُرَغَّبُ فِيهَا فى كُلِّ مَكَانٍ وزَمَانُ وَبِحَسَبِ قُوَّةِ إِيمَانِ النَّاسِ بِرَبِّهِم وَقُربِهِم مِنهُ وَصِدقِ يَقِينِهِم بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ، يَكُونُ نَشَاطُهُم وَتَعلُو هِمَمُهُم. إن ذلكم الشهر العظيم، والموسم الكريم، موسم مبارك، يتلقى فيه المؤمنون دروسًا عظيمة، وعِبَرًا جليلةً، وعظاتٍ بالغةً؛ ولهذا ينبغى على المؤمن، الحريص على سعادة نفسه وفوزها فى الدنيا والآخرة، أن يستفيد حقًا من ذلك الموسم الكريم، وأن يستفيد من عِبَرِهِ ودروسه، وعظاته التى لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، وأن لا يكون حظه من ذلك الشهر بما أدَّاه فيه من طاعة، وقام فيه من عبادة، بل ينبغى عليه أن يكون متلقيًا لتلك الدروس العظيمة. إننا فى أيام عظيمة وفى أزمنة كريمة تُضاعف فيها الأعمال وتُستجاب فيها الدعوات، وتُبارك فيها الحسنات، تُفتح فيها أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران وتضعُف دواعى الشر ويُنادى فيها يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر.. فالموفق السعيد من عرف لهذه الأيام قدرها فاستغل اللحظات وأكثر من الحسنات وشغل جوارحه فيما يرضى رب البريات.