الإخلاص من الدروس الغالية التى تتعلمها النفوس بالصوم، لأن الصوم سر بين العبد وربه جل وعلا، لذلك كان الإمام أحمد يقول: «الصوم لا رياء فيه»، ويأتى رمضان ليضعنا أمام حقيقة عظمى وقيمة كبرى من قيم عبادة الصيام، تتمثل فى كونها العبادة التى يمكن أن تخلُص تماما من آفة الرياء والسمعة، لأن المرء يستطيع أن يفطر بعيدا عن أنظار الناس! ولكنه يحافظ على صومه لله تعالى مخلصا محتسبا الثواب، ولعل هذا السر فى جعل تقدير ثواب الصيام لله تعالى دون سائر الأعمال، فلا يصوم إلا المخلصين التاركين لطعامهم وشرابهم وشهوتهم من أجل طاعة ورضا الله تعالى وحده دون سواه، ولما كان الصوم كله خالصاً لله لا تشبه شائبة الرياء نسبه الله تعالى إلى نفسه وتكفل بالجزاء عليه، فقال تعالى فى الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به». وحاجة النفس للإخلاص أشد من حاجة الجسد للطعام والشراب والهواء، فالإخلاص من أهم أسباب تزكية النفوس وطهارتها ونجاتها يوم القيامة، فكل طاعة أو عمل نرجو جزائه عند الله تعالى لابد له من إخلاص يبعده عن النظر للمخلوقين ويوجهه للخالق جل وعلا، وبذلك يكون له عند الله القبول والمثوبة، فهو ركن من أركان العمل وشرط من شروط قبوله، قال تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحدا» الكهف: 110. فالإخلاص روح أى عباده، عليه تقوم، وبه تقبل عند الله عز وجل ، فالأمة المسلمة لا تنصر إلا بإخلاص أبنائها، والود والحب والألفة بين المسلمين لا تكون إلا بالإخلاص، فلا يجتمع غل مع إخلاص فى قلب المسلم أبدا. والرفعة والمنزلة فى الآخرة لا تكون إلا بالإخلاص، فيقول تعالى فى شأن طائفة من المخلصين: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنه وحريرا «الإنسان: 8 – 12. إن الإخلاص خلاص من كل ما يكره المرء، ومن كل قيد، ومن هنا تأتى فضيلة الصوم أعظم مدرب للنفوس على الإخلاص الذى هو من أشق الأمور على النفس. والإخلاص منظومة كاملة يستحضرها الإنسان فى فرائضه وعباداته، وفى أخلاقه وتعاملاته، كما يستحضرها المرء فى مسجده وبيته ومقر وظيفته والمحافظة على سلامة النيات من الشوائب تعد من التحديات فى زمن الأضواء والظهور والشاشات، ولذلك حرص الأخيار على تجريد الإخلاص لله، وإخفاء العمل، والبعد عن الشهرة، وفى شهر رمضان تكثر الأعمال الصالحة، ومنافسات البر النافعة، فما أحوجها للنوايا الصادقة الخالصة. وقد أرشد النبى صلى الله عليه وسلم أمته إلى أهمية استحضار احتساب النية فيما يزاوله الإنسان من يومياته وحياته المعيشية، حتى تصير العادات عبادات، فلنحرص جميعا على تحقيق الإخلاص فى عبادتنا وتعاملنا وعملنا الدؤوب لوطننا، ولنجعل من شهر رمضان شمعة وضاءة تنير لنا دروب الإخلاص.