مقارنة تحليلية بين الأفكار الجديدة وبين سياسات مخالفة مستمرة للآن مخابرات دول أجنبية دعمت منظمات الإرهاب بالتمويل والسلاح لتكون وكيلها المحلى فى تنفيذ مخططات الفوضى التغيير يصنعه تعديلنا لميزان القوى مع أمريكا جو بايدن حدد بنفسه أجندته للسياسة الخارجية، على الأقل خلال المائة يوم الأولى من حكمه، فى مقال نشر بمطبوعة فورين أفيرز عدد مارس إبريل 2020. فى الحال سارع خبراء أمريكيون إلى طرح هذه التساؤلات: هل فى مقدور بايدن أن يحقق عمليا تلك التوقعات التى وصفها بأنها الأسس الرئيسية لسياساته المقبلة؟ وهل يستطيع تعديل مسار السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؟ والذين طرحوا هذه التساؤلات شاركوا فى جلسة مناقشات رأسها جيمس ديورسو مدير مركز سيير للدراسات السياسية، والعضو السابق فى لجنة التخطيط بوزارة الدفاع عام 2006، ومستشار السلطة الانتقالية فى العراق عام 2003، بحيث كان شاهدا على أخطاء السياسة الأمريكية. ديورسو يعترف بوجود مشاكل عديدة داخل أمريكا تحتاج البدء بالتركيز عليها، وإنه إذا كان هناك فى أوروبا والشرق الأوسط، من يتوقعون أن تتغير الأمور بسرعة بالنسبة لهم، فسوف يصابون بخيبة أمل. لكنه أضاف أنه ينبغى على بايدن أن يعمل على تغيير أوضاع فى الشرق الأوسط، كانت محل إهمال من أمريكا، وأن يعيد هذه المنطقة إلى مقدمة جدول أعماله. ومن داخل إدارة بايدن تحدث رون كلين، رئيس هيئة العاملين بالبيت الأبيض، ويصف الوضع الراهن الذى يواجهه بايدن، بأنه يتمثل فى أزمة غير مسبوقة، بسبب وباء كورونا، وأنها منقسمة على نفسها، وتراجع مصداقية أمريكا فى العالم، ثم أضاف أن الرئيس بايدن يدرس بعناية نموذج سياسات الرئيس روفلت فى الحكم، ليستفيد منه، فى كيفية مواجهة التحديات، وذلك بإيجاد حلول تكون على قدر ضخامة التحديات الحالية. وأن بعض كبار مستشارى بايدن ومساعديه، يعتقدون إمكان حل هذه الأزمات المتشابكة فى المائة يوم الأولى. ومن أجل تحقيق ذلك، فإن بايدن يجلس مع أكثر من عشرة من مساعديه، بالإضافة إلى مستشارين من خارج الدائرة الرسمية للبيت الأبيض، ليبحث معهم أهدافه الأولية. أجندة بايدن هنا نتوقف أمام مقال بايدن المنشور بمطبوعة فورين أفيرز، قبل ظهور نتائج المنافسة الانتخابية بينه وبين ترامب. وسوف أعرض للبنود الرئيسية فى سياساته المقبلة، كما طرحها هو. لكى يبقى بعد ذلك أن نرصد مسارات سابقة وثابتة تقريبا لسياسة أمريكا الخارجية فى العالم وفى الشرق الأوسط، حتى تكون أمامنا مقارنة بين ما يقول إنه ينوى عمله، وبين تلك المسارات، المستمرة فى بعض مناطق الشرق الأوسط، وما نتج عنها من تداعيات لا تزال قائمة حتى الآن. من جانب بايدن فهو يقول: إن الرئيس الجديد سوف يعمل على إنقاذ سمعتنا، وإعادة بناء الثقة فى قيادتنا، وحشد قدرات بلادنا بالمشاركة مع الحلفاء، لخلق مواجهة سريعة لهذه التحديات، فلم يعد أمامنا وقت نضيعه. سوف أتأكد من أن يكون البيت الأبيض مرة أخرى مدافعا قويا، وليس مغيرا ولا هجوميا بصورة رئيسية. سوف نضع الدبلوماسية فى مرتبة تسبق الحرب، فالدبلوماسية ينبغى أن تكون الوسيلة الأولى للقوة الأمريكية، وللسياسة الخارجية. وإلى جانب بنود أجندة بايدن، فإننى أضيف إليها ما ذكره مساعدوه عن رؤيته للشرق الأوسط، والتى رصدها مركز دراسات السياسات الأوروبية والأمريكية، من أن هناك مجموعة من مساعدى بايدن، يرون ضرورة إجراء تغييرات جوهرية فى سياسة، وهؤلاء هم الأقرب إلى تفكير بايدن، من مجموعة أخرى من فريق مساعديه مقتنعة بالسياسات السابقة تجاه العالم بشكل عام. وكان المجلس الأمريكى للعلاقات الخارجية، قد نقل أقوالا سابقة لبايدن، بما فيها إسرائيل لوقف بناء المستوطنات، ولم يؤيد ضمها للضفة الغربية. واعتبر المجلس أن التغيير فى عهد بايدن، سوف يتحقق بدرجات مختلفة فى العالم وفى الشرق الأوسط. ويصبح من الضرورى أن نضع أمام أجندة بايدن ما كان من سياسات أمريكية، استمرت على نفس النهج فى عهود أكثرية الرؤساء. عن المشاركة مع الحلفاء و الشركاء فى مواجهة التحديات فى مناطق العالم هل ينطبق ذلك على الشرق الأوسط؟ وهنا أتذكر ما سبق أن عرضته دول أوروبا الحليفة لأمريكا، بأن تدخل معها شريكا فى مفاوضات التوصل إلى حل سلمى للمشكلة الفلسطينية. لكن ما حدث أن الروساء الأمريكيين، اعترضوا على دخول هؤلاء الحلفاء معهم فى البحث عن حل، وأعلنوا أن أمريكا تحملت عبء المفاوضات، وخبرت دخائلها، وأنها تتحمل مسئولية الوسيط النزيه Homest Bnoker. لكن هذا الدور الوسيط النزيه لم يكن نزيها حسب التعريف العلمى للكلمة، فهل يمكن أن تقبل أمريكا الآن هذه المشاركة من حلفائها، تطبيقا لمبدأ بايدن الجديد؟ أمام قول بايدن إن البيت الأبيض سيكون مرة أخرى مدافعا قويا، وليس مغيرا أو هجوميا، فنحن نسأل ألم تكن الحرب على العراق إغارة وهجوما على دولة أخرى؟ وعندنا ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن بول ووليفتيز، الذى كان نائبا لوزير الدفاع، من أن حرب العراق ستكون من أجل خلخلة المنطقة، وإعادة رسم خريطتها السياسية. بل هناك أيضا ما اعترفت به تقارير المخابرات المركزية، من أن الإرهاب قد تضاعف ثلاث مرات عما كان قبل الحرب، وانتشرت منظماته من القاعدة إلى داعش، وتمددها إلى سوريا بمشاركة من منظمات أخرى منها جماعة “الإخوان الإرهابية”. كما أن مخابرات دول أجنبية دعمت منظمات الإرهاب بالتمويل والسلاح، لتكون وكيلها المحلى فى تنفيذ مخططات الفوضى الخلاقة، وهو ما جرى فى سوريا وليبيا. وما زلت أذكر صورة السيناتور الجمهورى جون ماكين فى ليبيا، أثناء زيارته لمجموعة تنتمى لمنظمات إرهابية، أعلنت فيما بعد أنها جزء من داعش، ويومها نقلت صحف أمريكية عن ماكين وصفه لهؤلاء الإرهابيين بالأبطال. إن التفسير لسلوك رؤساء أمريكيين مارسوا هذه السياسات، أنقله عن الجنرال برنت سكو كروفت، مستشار الأمن القومى لاثنين من الرؤساء هما: جيرالد فورد، وجورج بوش الأب، أثناء لقائى معه فى مكتبه فى واشنطن فى آخر التسعينيات، حيث قال لى سكو كروفت: من الخطورة أن يعتقد رئيس أمريكى بأن أهدافه وحدها نبيلة، وبالتالى فإن أى شىء يفعله لبلوغ هذه الأهداف، هو أمر مشروع، وكانت مشكلة الرئيس بوش الابن، أن لديه معتقدات مطلقة، تصور له أنه مكلف بمهمة وفق تفويض إلهى. بينما مشكلة هذه المعتقدات، أنها تقودك إلى فخ ترى فيه جدوى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومكمن الخطر هنا سيكون فى اقتناعك بأن أهدافك وحدها نبيلة، وإذا سيطر عليه هذا الاقتناع، فهو يتصرف بناء على ما يراه من أن عدم قيامه بهذا التصرف سيكون نوعا من الخطايا. وبشكل عام، فإن هذه السياسات قامت - فيما بعد رئاسة بوش - على مبدأ أن ما هو فى صالح أمريكا، هو إذن فى صالح العالم. وأشير هنا إلى أن سكو كروفت، كان صوتا موضوعيا، وغير متحيز فى مواقفه من العرب وإسرائيل. وعن مقولته عن الدبلوماسية قبل الحرب، وهل نسينا الضربة القاصمة للدبلوماسية فى إستراتيجية السياسة الخارجية، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية فى عام 2002، ما سمى بعسكرة السياسة الخارجية، بتأخير دور الدبلوماسية لتسبقها القوة العسكرية والحرب فى حل المشاكل الدولية. هذا المبدأ طبق فى نظريتهم عن العدو المحتمل، حيث ستكون هناك دول صديقة لأمريكا، لكن يحتمل أن تصبح عدوا فى وقت لاحق، من ثم برروا بهذا مبدأ الحرب الاستباقية. أما عن الشرق الأوسط، فإذا كان بعض المقربين من بايدن يصفون المنطقة بأنها متفجرة، والسؤال هنا: ألم تكن سياسات رؤسائهم السابقين هى التى فجرت الأوضاع، من الفوضى الخلاقة، والضربة الاستباقية، وتغيير المنطقة، وإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة؟ ثم ما الذى اتخذه رؤساؤها من سياسات تقضى على الإرهاب؟ وكما يقول الجنرال ديورسو، إن إدراج أسماء منظمات إرهابية خارجية فى القائمة الرسمية لوزارة الخارجية، صار أمرا شديد التعقيد، فأمامه حسابات المصالح مع منظمات كالإخوان الإرهابية وصفها خبراء وضباط سابقون بالمخابرات المركزية بأن الجماعة رصيد وسلاح إستراتيجى للولايات المتحدة، بينما تقارير متعددة لمكتب التحقيقات الفيدرالى FBI تتفق على أن للإخوان الإرهابية علاقات تنظيمية وتمويلية مع منظمات الإرهاب فى العالم. إذا كنا ننتظر أن يغير بايدن من السياسات التى اتبعت تجاه المنطقة وقت أن كان نائبا لأوباما، حيث إنه هو الذى وصف نفسه بأنه رئيس يطبق منهجه هو، وليس استمرارا أو استلهاما من أوباما.