رغم مكانته العلمية المتفردة بوصفه عميد الأثريين المصريين الذى كان أول مصرى يتولى قيادة المتحف المصرى، فإن كثيرين لا يعرفون سيرة ومسيرة الدكتور سليم حسن، صاحب «موسوعة مصر القديمة»، والاكتشافات الأثرية القيمة. فى قرية ميت ناجى، التابعة لمركز ميت غمر، والتى يقسمها الرياح التوفيقى إلى نصفين تقريبا وتبعد عن المنصورة، عاصمة محافظة الدقهلية بنحو 52 كم ، فتشت «الأهرام» عن أى أثر لسليم حسن الذى ولد بالقرية، فى 15 أبريل عام 1887، وتوفى فى 29 سبتمبر عام 1961. يزيد عدد سكان «ميت ناجى» على 20 ألف نسمة، ويعمل أغلب أهلها بالزراعة، وجانب من شبابها هاجروا إلى دول أوروبية، مما أسهم فى رفع مستوى المعيشة وتأجيج أسعار الأراضى والعقارات. وفى جولة بشوارعها، كانت «الأهرام» فى صحبة محمود حمود، مدير فندق سياحى، وميرفت السيد، كاتبة روائية من أبناء القرية، سعيا وراء كبار السن الذين رافقوا سليم حسن ويذكرونه. البعض تذكر تبرعه بفدان أرض لبناء مقابر لأهل قريته، والبعض الآخر أشاد بمساعدته لطلاب العلم عند وصولهم إلى القاهرة، وتوفيره مسكنا وفرص عمل لهم. توقفت الجولة عند هيثم حمادة، حفيد شقيق عميد الأثريين، ويعمل بقطاع الآثار بمحافظتى الدقهلية ودمياط. حكى أمجاد جده، مشيرا إلى مقولة الملك فاروق عن مواقف سليم حسن فى حماية آثار بلاده، : «هو الفلاح دا ورايا ورايا». من جانبه، كشف حسام عبد الله، نجل ابنة شقيقه، عن الدور المحورى الذى لعبته والدة العالم الكبير، الحاجة آمنة أبو العلا الفك، حيث تولت مسئوليته كاملة بعد وفاة والده وهو فى سن صغيرة، فحرصت على إكمال نجلها لتعليمه فى الحضر، وبدوره كان الابن دائما ما يقدمها إلى أصدقائه، فخورا بأفضالها عليه وعلى أخوته، 3 شقيقات وشقيقين. أما سمير على إسماعيل، مدرس تاريخ من « ميت ناجى»، فأكد فخره بابن قريته، وسعادته عند زيارة المتحف المصرى قبل سنوات، ليجد اسم سليم حسن على «بطاقات تعريفية» لعدد من القطع الأثرية، وذلك بوصفه مكتشفها. ولكن الزيارة اللاحقة للمتحف أصابت إسماعيل بالصدمة، عندما وجد الاسم قد مسح من بطاقات التعريف. لذلك يطالب سمير بتخصيص ركن مستقل بالمتحف لاكتشافات سليم حسن، لتعرف الأجيال الحاضرة إنجازاته وتدرك قدر مكانته. وخلال رحلة البحث عن أثر سليم حسن، أكد محمود حمود ل«الأهرام» ، ضرورة إنصاف العالم الجليل كرمز مصرى كبير، مقترحا إطلاق اسمه على معلم رئيسى.أما الكاتبة ميرفت السيد أحمد، فكشفت عدم وجود أى ذكر للدكتور سليم حسن، بمتحف أعلام الدقهلية، الكائن بمبنى الديوان العام بالمنصورة. وعندما تساءلت عن السبب، أجابها مختص، بأنه لم يسمع بسليم حسن من قبل، وبعد وقوفه على قيمة العالم الراحل، قال لها إنه على المسئولين إصلاح هذا الأمر. الشيء الوحيد بقرية «ميت ناجى»، الذى يشير إلى ذكرى الدكتور سليم حسن، هو مدرسة ابتدائية تحمل اسمه منذ سنوات قليلة، ولكن أهالى القرية يرون فى ذلك تكريما منقوصا، ويشاركهم الرأى السيد الطلحاوى، مدير عام آثار الدقهلية، مقترحا إطلاق اسمه على «متحف الدقهلية»، المقرر تنفيذه، وأيضا على مدرج بقسم الآثار، بجامعة المنصورة . لكن كيف كانت بداية رحلة سليم حسن؟ حصل الراحل الجليل على شهادة البكالوريا عام 1909، ليلتحق بمدرسة المعلمين العليا. ونظرا لتفوقه فى مادة التاريخ، تم اختياره لاستكمال دراسته بقسم الآثار الملحق بالمدرسة، ليتخرج فيه عام 1913، حاصلا على دبلوم الدراسات الأثرية واللغة المصرية القديمة . بعدها، التحق بالمتحف المصرى، للعمل أمينا مساعدا عام 1921. وفى العام التالى سافر فى رحلة إلى أوروبا، شملت فرنسا، إنجلترا، ألمانيا. وكتب وقتها مقالات بصحيفة «الأهرام» تحت عنوان «الآثار المصرية فى المتاحف الأوروبية»، كشف فيها وقائع نهب الآثار المصرية، ومنها «رأس نفرتيتى»، الذى وجده معروضا فى العاصمة الألمانية برلين. التحق سليم حسن، بعد ذلك بجامعة السوربون الفرنسية، ليحصل على دبلومتين فى اللغة والديانة فى مصر القديمة، مما جعل كلية الآداب بجامعة القاهرة تستدعيه للتدريس بها، وترقى الراحل بالمراتب العلمية حتى بلغ درجة الأستاذية. وفى عام 1928، شارك مع عالم الآثار النمساوى، يونكر، فى أعمال التنقيب بمنطقة الأهرام، حتى عام 1939. ونظرا لجهوده المميزة، تم تعيينه وكيلًا عاما لمصلحة الآثار المصرية، ليكون أول مصرى يتولى هذا المنصب. ووقتها، نجح في استعادة مجموعة من القطع الأثرية بحوزة الملك فؤاد الأول، وحاول نجله الملك فاروق إعادتها، بدعوى أنها كانت من ممتلكات والده، لكن سليم حسن رفض تسليمها لهم، مما عرضه لمضايقات شديدة أدت إلى تركه المنصب فى 1940 . وفى عام 1954، عينه الرئيس جمال عبد الناصر مستشارا له ورئيسا للبعثة المسئولة عن دراسة تأثير مشروع تشييد السد العالى على آثار النوبة، وأشرف على حفائر مصلحة الآثار عام 1958، وجرد المتحف المصرى فى عام 1959. وفى 1960، تم انتخابه عضوا بالإجماع فى أكاديمية نيويورك، التى تضم أكثر من 1500 عالِم من 75 دولة. وبخصوص عمليات الحفر والتنقيب التى قام بها سليم حسن بين عامى 1928 و1939، قامت الدكتورة ضياء أبو غازى، أول سيدة تتولى قيادة المتحف المصرى، بحصرها ونشر قائمة بها فى حوليات مصلحة الآثار المصرية عام 1964. وبلغ إجمال أعمال التنقيب التى قام بها نحو 171 عملا، أهمها حفائره فى منطقة الأهرام، أدت إلى عدة اكتشافات، وتضارع مقبرة «رع ور»، التى اكتشفها جنوب منطقة أبو الهول، مقابر الملوك من حيث ضخامتها وثراء مقتنياتها، و كذلك مقبرة «الملكة خنتكاوس»، آخر ملوك الأسرة الخامسة، وأطلق عليها سليم حسن، «الهرم الرابع».. وكشف أيضا عن مقابر أنجال «الملك خفرع»، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل ومراكب الشمس الحجرية ل «خوفو» و«خفرع» . رغم كل ما تعرض له من ظلم، فقد زين سليم حسن «موسوعة مصر القديمة»، بإهداء: «إلى الذين أرادوا الإساءة إلى فأحسنوا ، وباعدوا بينى وبين الوظيفة فقربوا بينى وبين الإنتاج وخدمة الوطن» . طابع «عميد الآثاريين» - إحدى مقالاته بالأهرام 1922 - سليم حسن